مصطفى بن ناصر بن سعيد الناعبي
سنطوف معكم في هذه السلسلة في جانب الأخلاق في الاقتصاد، وكيف أن الدين الإسلامي كل متكامل ، وأتى بنظرة شاملة للحياة، لا تحتاج إلى غيرها، لأنه منهج رباني، أراده الله تعالى لعباده، وسنتطرق – بعون الله تعالى- بصورة مبسطة سهلة لما يحتويه النظام الاقتصادي الإسلامي، وما يميزه عن غيره.
فالاقتصاد في الإسلام- عموما والمال خصوصا- جزء من النظام الإسلامي العام الذي يقوم على أساس الوسطية والتوازن العادل، فهو يوازن بين الدنيا والآخرة، ويوازن في الدنيا بين الفرد والجماعة، ويوازن في الفرد بين جسمه وروحه، وبين عقله وقلبه، وبين مثاليته وواقعيته .
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي:
النظام الاقتصادي الإسلامي يعتمد على الدين والخلق المستمد من هذا الدين. فهو بعبارة أخرى يعتمد على الدين أحكاما وآدابا، فهو ينصف الضعيف من القوي، ويحمي الفقير من الغني ،بل وأضيف على ذلك أنه يضمن حق الفقير من مال الغني. فلا محاباة ولا أثرة، بل حق يسرى مفعوله على الجميع القوي والضعيف ، والشريف والوضيع، والغني والفقير.
ونجد من حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أهمية العلم والتفقه في الدين في مجال المعاملات قولة الفاروق – رضي الله عنه ـ :"لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في الدين"، فهذا ربط بين الدين والدنيا، وربط مع الأخلاق أيضا، والأمر الأهم في ذلك هو أن التاجر المسلم العالم يتجنب الحرام بعلمه وفقهه ، ويبتعد عن الشبهات وما أكثرها.
وقد شدد النبي الكريم – عليه السلام – على أهمية الخلق الحسن، والذي يعتبر إطارا عاما تنتظم خلفه سبائك الأخلاق والمثل والقيم الإسلامية، فها هو النبي الكريم يقول موجها التجار كما جاء عند البيهقي والترمذي :" إن أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم دين لم يُعسِّروا". كما نجد أن هناك ربطا مباشرا ووثيقا بين خلق التاجر وبين المعاد الأخروي، ونجد هذا جليا واضحا في حديث النبي الكريم- عليه صلوات ربي وسلامه :"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين".
لأن التاجر بطبيعته البشرية قد يلجأ للغش والكذب والخداع والمماطلة؛ ليروج لسلعته، ولذلك فإن كبح جماح الطبع، وترويض النفس ومجاهدتها بالأخلاق الحسنة الفاضلة أوجب للتجار الدرجات العلا، والمراتب السامقة. قد أرسل الله تعالى رسوله ليتمم مكارم الأخلاق، والأخلاق في التعامل الاقتصادي تعتبر جزاء رئيسا من شخصية المسلم والتي يترجمها من خلال تعامله مع الآخرين أخذا وعطاء.
وكان تمثل التجار المسلمين لهذه الأخلاق، وتطبيقهم لها في عالم يضج بكل وسائل الابتزاز وأكل أموال الناس بالباطل، سببا من أسباب إقبال الناس لدراسة هذا الدين وقيمه وأخلاقه، بل وثناؤهم عليه وحث العالم على الاقتداء به، وتمثل تعاليمه وقيمه، لذلك نجد الكاتب الفرنسي جاك أوستروي في كتابه عن الإسلام والتنمية الاقتصادية يقول:" الإسلام هو نظام الحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معا، وهاتان الوجهتان مترابطتان لا تنفصلان أبدا".