الناظر المتأمل في ابتلاءات الله للعبد يجدها ذات مغزى، ولها هدف، ومن ورائها يقف غرض، وتؤخذ عظة، وتستنبط قيمة، فالله -تعالى- غني عن تعذيب خلقه، وإنما يبتليهم ليمحصهم، ويقوي عزائمهم ، ويمتِّن علاقتهم به، ويعينهم على تحمل تكاليف دعوته ، وتبعات دينه، وتجد كل آيات القرآن تتحدث عن فلسفة الإبتلاء : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون"،" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعَّمه فيقول ربي أكرمنِ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ"،وعقب القرآن بعدها وقال:" كلا"، أي أن العطاء ليس بدليل حب وقرب، وليس المنع بدليل بغض وبعد، وإنما الأمرانرهين الابتلاء لِتَقْوَى العزائمُ ، ويشتدَّ عودُ الإنسان ، ويتحمل في الله أي ابتلاء، حتى إذا ما ابتلاه في دعوته صبر وتجلد، و حتى إذا ما امتُحِنَ في دينه تصبَّر وأظهر القوة والاحتمال ، ويقول الله - تعالى-: " أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب". نعم، ابتلاء فاق الحدود ، وزلزل الكيانات ، لكنهم خرجوا منه صِلابَ العُود ، أقوياء الإيمان ، أشداء الصلة ، أحباء له جل جلاله ، ولا ينتظر الابتلاء أن يحل بالضرورة بالعاصين أوالفاجرين، قال - تعالى-: " كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون" ، وإنما يبتلى الله أهل الإيمان كما يبتلي أهل الكفر وأصحاب الفسوق،وكلُّ ذلك مسجل مكتوب شاءت ذلكالحكمة الإلهية، و كتبه الله على أهل الإيمان منذ الأزل، قال - جل في علاه-: " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين" ، وقال - سبحانه - :" و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" ، فكل ملتزم وداعية ومسلم صدوق في علاقته مبتلى وممتحن، و لا يخلو أحد من ابتلاء لكنه صدق المسلم يظهر عند الابتلاء، وأنه يحمد الله في السراء والضراء،فهو ليس كغيره ممن يعبد الله على حرف يقول - تعالى-:" ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين"، الشجاعة أن تثبت أمام المحن وتواجه الابتلاء بنفس قوية ، وذات فتية، لا تعرف إلا الحمد، ولا تحسن إلا الصبر والشكر، وتعلم تلك النفس أنها مراقبة من الله، وأن كل شيء في الكون يتم بقضاء وقدر، قال - جل جلاله-: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، ودائما عند الابتلاء يتذكر المرء الهدف منه،والغرض من سنِّه وفرضه وكتابته على العبد قال الله- تعالى-: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير" ، وما الهدف من ذلك يا ربنا ؟. إن الهدف من ذلك هو إحداث التوازن في النفس الإنسانية، وتقوية عزيمة تلك النفوس ، واشتداد القلوب لتقوى على المحن ، وتعلو على الآلام لتتحمل تكاليف الدين وتبعات الإيمان، قال الله - عز وجل-: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور" (الحديد 22-23).
اللهم ارزقنا التحمل وألهمنا الصبر عند البلاء، و اجعلنا من الشاكرين عند نزول النعماء، والصابرين عند نزول البلواء ، واسلكنا في عداد الصابرين، و اكتبنا فيمن عافيتهم، وقوَّيْتهم على التجلد والاحتمال يارب العالمين، اللهم اجعلنا من الصابرين، وارزقنا الشكر لك والحمد لعظمتك في السراء والضراء يا أرحم الراحمين ، والحمد لله رب العالمين، و كل عام و أنتم بخير.

مها محمد البشير حسين نافع

ماجستير في الشريعة الإسلامية
من كلية دار العلوم
جامعة القاهرة- جمهورية مصر العربية