[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”.. بالتأكيد، إنَّ للقرار الأميركي الأخير للرئيس دونالد ترامب بشأن مدينة القدس، شأنا أساسيا، ودورا هاما في اندلاق شهية قوى اليمين واليمين المتطرف في "إسرائيل"، وسعيها لتوطيد سياساتها القائمة على النسف العملي لمشروع ما يسمى بــ"حل الدولتين"، وفي رفع منسوب هياجها الاستيطاني، وتسخينها السياسي مع الفلسطينيين.”

علي كاتب فلسطيني ـ دمشق ـ اليرموك
جدَدَّت حكومة نتنياهو منذ اليوم الأول من العام الميلادي الجديد 2018، رؤيتها السامة لمُستقبل مدينة القدس، في مشروعها (القديم ــ الجديد) للإطباق الكامل والتام على المدينة بحدودها الإدارية والتي جرى توسيعها أكثر من مرة خلال السنوات الطويلة من عمر الاحتلال الكامل للمدينة بشقيها الغربي والشرقي، مُتخِذَةً من فلسفة الضم والتهويد طريقها لإحلال أغلبية يهودية على حساب مواطني المدينة الأصليين من العرب الفلسطينيين من كافة الطوائف، وعلى قاعدة ضم مساحات متزايدة من الأرض المحيطة بالمدينة مع أقل عدد مُمكن من السكان العرب الفلسطينيين.
رؤية حكومة نتنياهو إياها، تم تمريرها في الكنيست (البرلمان) في اليوم الأول من العام الميلادي الجديد 2018، من خلال الاقتراح الذي بادر لتقديمه حليف بنيامين نتنياهو في الائتلاف الحكومي رئيس حزب "البيت اليهودي" الوزير نفتالي بينيت، وقدمته رئيسة الكتلة عضو الكنيست شولي معلم رفائيلي.
فقد صادق أعضاء البرلمان "الكنيست" من عتاة اليمين واليمين المُتطرف ومعهم عدد وافر من رموز ما يسمى بـأحزاب "اليسار الصهيوني" على مشروع قانون "القدس الموحدة" بالقراءتين الثانية والثالثة، والذي يحظر نقل أجزاء من القدس المحتلة بأي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين إلا بموافقة (80) عضوا من أعضاء الكنيست البالغ عددهم (120) عضوا.
القانون الأخير بعد إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة، يأتي استكمالا لقانون أساس "القدس عاصمة إسرائيل"، وهو القانون الذي سنَّهُ "الكنيست الإسرائيلي" في العام 1980، والذي جعل "إسرائيل" تُشير لمكانة القدس المحتلة كعاصمة لها، مع ضم شرق القدس قانونا أساسيا، ومبدأ دستوريا.
وقبل تمرير مشروع "القدس الموحدة" في الكنيست، وبساعات قليلة، كان المجلس المركزي لحزب الليكود وبمشاركة رئيس الوزراء وزعيم الحزب بنيامين نتنياهو، قد صوّت على قرار بفرض السيادة "الإسرائيلية" على كامل الضفة الغربية المحتلة عام 1967. على أن يتم طرحه في وقت لاحق من قبل كتلة الحزب البرلمانية على الكنيست "الإسرائيلي" في سياق السعي لإقراره على المستوى التشريعي والحكومي. فقد جاءت الدعوة للتصويت على القرار المُشار إليه في المجلس المركزي لحزب الليكود، بعد توقيع أكثر من تسعمئة من الأعضاء في المؤتمر العام للحزب على عريضة تُطالب بعقد اجتماع المجلس المركزي للحزب، ولترسيخ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس، وعموم الضفة الغربية، تحت شعار "هم يكتبون عن السيجار ونحن نكتب التاريخ"، في إشارة إلى أن الهدف هو دعم زعيم الحزب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه تحقيقات بشبهات الفساد.
وبالتأكيد، إنَّ للقرار الأميركي الأخير للرئيس دونالد ترامب بشأن مدينة القدس، شأنا أساسيا، ودورا هاما في اندلاق شهية قوى اليمين واليمين المتطرف في "إسرائيل"، وسعيها لتوطيد سياساتها القائمة على النسف العملي لمشروع ما يسمى بــ "حل الدولتين"، وفي رفع منسوب هياجها الاستيطاني، وتسخينها السياسي مع الفلسطينيين. تلك القوى التي تعتقد اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن "إسرائيل" فوق الجميع وفوق القانون الدولي، وهو ما حدا برئيس "الكنيست الإسرائيلي" (البرلمان) يولي إدلشتاين للقول "إنَّ اعلان الرئيس ترامب فَتَحَ عهدا جديدا لدولة إسرائيل في القدس والضفة الغربية، فقد حان الوقت لفرض السيادة، والآن كل شيء يعتمد علينا".
المعارضين في "إسرائيل" لقرار المجلس المركزي لحزب الليكود، ينطلقون في موقفهم المعارض، لا خشية من ردودِ الفعل الفلسطينية والعربية الدولية المتوقعة على قرار الليكود، بل ينطلقون من مُترتبات القرار حال تم إقراره في مرحلة لاحقة في الكنيست، وعلى رأس تلك المُترتبات والنتائج الضم العملي لسكان الضفة الغربية لدولة "إسرائيل"، وبالتالي تراجع هوية الدولة من "دولة يهودية" إلى "دولة ثنائية القومية" وهو ما حدا بحزب (ميرتس) المحسوب على تيارات "اليسار الصهيوني" للصراخ فورا في الأيام الأولى من العام الميلادي الجديد، والقول "إنَّ حزب الليكود أصيب بالجنون بقرارهِ ضم مليوني فلسطيني".
إنَّ نتنياهو وحزبه (الليكود) يسعون من خلال هذا القرار، والمتوقع طرحه على جدول أعمال الكنيست في وقت لاحق، لتهيئة الرأي العام الدولي للقيام بالإجراءات التي من شأنها إضفاء الطابع "القانوني والتشريعي" على مشروع القرار من خلال التصويت عليه في الكنيست الإسرائيلي، وكل ذلك يندرج في مسار سياسات ترحيل الفلسطينيين باتجاه الأردن، وإعادة إنتاج الفكرة الصهيونية المعنونة بــ"الوطن البديل" في الأردن، والتي يسعى لها حزب الليكود، وكافة الأحزابِ "الإسرائيلية" المُتطرفة.
فالإجراءات التي تخطط لها حكومة نتنياهو خلال الفترة القادمة لتدعيم فكرة المجلس المركزي لحزب الليكود، تقتضي مصادرة المزيد من الأرض الفلسطينية، وتوسيع المستعمرات الحالية، وضخ المزيد من المستوطنين إليها، وبناء مناطق صناعية جديدة، وإقرار استثمارات "إسرائيلية" على حساب الأرض الفلسطينية ومواردها الطبيعة في مناطق مختلفة، وربط المستعمرات المقامة فوق الأرض المحتلة عام 1967 بالأرض المحتلة عام 1948 بطرق عريضة وسريعة، وبالتالي إعادة تشكيل الأرض خدمة للأهداف "الإسرائيلية"، ولعملية تهويد كل أرض فلسطين التاريخية. فقرار المجلس المركزي لحزب الليكود ناقوس خطر يدق الآن بالنسبة لمصير الأرض والحقوق العربية، وللجوار الإقليمي وخاصة الأردن، وهو ما يتطلب مواجهته إقليميا وليس فلسطينيا فقط.
وبالتقييم، والتقدير، إنَّ قانون الاحتلال المُعنون بــ"القدس الموحدة"، وقرار المجلس المركزي لحزب الليكود، بشأن ضم الضفة الغربية، يأتيان ضمن مساعي اليمين واليمين المُتطرف في دولة الاحتلال، ومعهم العديد من ألوان أحزاب "اليسار الصهيوني"، وخاصة حزب العمل بقيادة (آفي غباي)، لسدِّ الطريقِ أمام أية فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية بالمنطقة، وذلك من خلال فرض الأمر الواقع وتوسيع الاستيطان ميدانيا، ومن خلال تشريعات احتلالية ترسّخ من سيطرة الاحتلال ونفوذه في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وبالنتيجة، نحن الآن أمام مشهد غير مُبشّر، أمام جنون سياسات الاحتلال، وأمام أنفاقٍ جديدة، لا تُعيق عملية التسوية المأزومة أصلا، بل والمنهارة، بل تَنسف كل تلك العملية، وتضع العرب والفلسطينيين أمام واقع جديد، بات يتطلب سياسات عربية جديدة، ومبادرة، وعلى كل الصعد لمواجهة دولة الاحتلال، بما في ذلك توفير الحاضنة المطلوبة لكفاح الشعب الفلسطيني وانتفاضاته الكبرى القادمة، لقلب الطاولة على الاحتلال.