[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]
كتب الكثير من الكتاب عن العولمة واستخدم مصطلح العولمة على نطاق واسع في الدوائر ‏
الأكاديمية وغير الأكاديمية فمجرد ذكر المصطلح يولد الآراء ويثير المناقشات فيبدو أن كل ‏
الناس لديهم فكرة عن العولمة ومدى تأثيراتها على الحياة لكنهم لم يتوافقوا حتى الآن حول ‏
مصطلح ومفهوم لها وهناك كثير من التصورات والتحليلات حول العولمة وهذا بالضبط مكمن ‏
ثراء مفاهيمها لكن تنوع صورها جعل العالم ينأى بسلبياتها بعيدا في اتجاهات عديدة بعضها ‏
صارخ والأخر متوحش.‏

شواهد العولمة وآثارها:‏
لعل أشكال العولمة تعددت في هذا العصر بصور شملت الآتي :‏

أولاً: زادت مؤخرا التدفقات العابرة للحدود من البشر والموارد والسلع والمعلومات والثقافات ‏
بطريقة هائلة أحدثت تحولات عميقة في أنحاء المعمورة ونتيجة لذلك حدث جدلا واسعا ‏
وخلافات في مختلف فروع المعرفة من زوايا متعددة الأوجه .‏

ثانياً: شملت العولمة مكونات اقتصادية وثقافية وعقائدية وسياسية وجو سياسية وجوانب ‏
أخرى مماثلة وبناء على ذلك تم تناول العولمة من وجهات نظر الاقتصاد والفكر والثقافة ‏
والعلوم الاجتماعية والسياسة والعلاقات الدولية لكن مستجداتها طرحت بنفسها بقوة علي ‏
الساحة العالمية بعد أن أضحت العولمة تتلاعب بثقافات المعمورة وأفكار وثوابت قديمة ‏
وعريقة لدي الشعوب أدت لنفور الكثيرين منها .‏

ثالثاً: ظهرت آثار العولمة وتفاعلاتها مع الثقافات الخاصة بالشعوب بشكل فج حيث طمست ‏
العولمة الأمريكية والغربية العديد من الثقافات بل والحضارات القديمة وضربت بقوة ثوابت ‏
عديدة للأفكار والعادات والتقاليد خاصة الشرقية والحضارية .‏

رابعاً: ‏
تبرز هذه المساْلة بقوة في سباق الجدل والنقاش حول العولمة فالمتخوفون من مخاطر عولمة الإعلام على التعددية الثقافية واحتمال ظهور التنميط أو التوحد الثقافي ينطلقون من مسلمة نظرية هي التأثير الطاغي لوسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية أو الأحداث كالوسائط المتعددة في حياة الفرد والمجتمع . ‏

خامساً:
أما غير المتخوفون من عولمة الإعلام فإنهم ينطلقون من مسلمة مضادة ترى أن تأثير الإعلام محدود وبطبيعة الحال فان بمقدور كل فريق الاستناد إلى اْطر نظرية ودراسات إعلامية كثيرة تؤيد وجهة نظره وموقفه فالملاحظ إن حقل الإعلام والاتصال لميبلور
نموذجا أساسيا أوحتى نظرية شاملة تقدم فهما كاملا لعمليات التأثير الاعلامى وتلك نقطة سوداء تحسب علي تفاعل الإعلام مع سلبيات العولمة. ‏

سادساً:
يمكن القول بوجود مجموعة من الفرص والمحاذير التي تطرحها العولمة على الهوية الثقافية العربية
والتي ستحدد مسار ومستقبل التفاعل بين الثقافة العربية وثقافات العولمة فبعض الخبراء ‏
يرى أن الصراع الأشد في عصر العولمة سيكون صراعا ثقافيا أو يصفه بعض مثقفي الغرب بالحرب الباردة الثقافية ‏ .

سابعاً:
إن عولمة الإعلام تتيح للعرب منفذا ولو محدود اللاستفادة وربما المشاركة في ثورة تكنولوجيا الاتصال والإعلام والمعلوماتية كذلك فان كثرة وسائل الإعلام وتعددها ونفاذها عبر الحدود السياسية للدول وتوافر تطبيقات الوسائط المتعددة قديقلل من قدرة الإعلام المحلى في بعض البلدان ‏
على إخفاء الحقائق والهيمنة السياسية وتزييف وعى مواطنيه كما إن انتشار تكنولوجيا الاتصال قد يدعم التنوع الثقافي داخل الثقافة العربية وسيتيح فرصا أفضل لكل الجماعات والثقافات الفرعية في إطار الأمة العربية ضمن الالتزام بالهوية الثقافية .‏

ثامناً:
في المقابل توجد محاذير وتحديات بالغة فهنا كتحدى تعميم الإعلام والاتصال المحلى أو المعولم لثقافة الاستهلاك والمتعة وتهميش منتجات الإعلام و الثقافة الراقية علاوة على تهميش قيم العمل والإنتاج أو تجاهلها فضلا عن مشكلة تحديات حرية الإعلام والانقسام داخلا لمجتمعات العربية بين نخب قادرةعلى استخدام تكنولوجيا الاتصال والإعلام و المعلوماتية والاستفادة منها اْى نخب"معولمة" ‏
إذا جاز الوصف و أغلبية غير قادرة على ذلك ومهمشة اجتماعيا و اقتصاديا و إعلاميا وربما ثقافيا

تاسعاً:
من المؤكد إن أخطر تلك التحديات هو ما قد تتعرض له المكونات الأساسية للثقافة العربية متمثلة في الدين واللغة العربية والوعي التاريخي بالذات والآخر
فمن الثابت إن عولمة الإعلام تعتمد على اللغة الانجليزية كما أن صورة العرب و المسلمين في الإعلام الغربي لا تعبر عن الواقع.‏

عاشراً:
لعل من أسوأ سلبيات الموضات المعولمة وثقافاتها وشيوع الإعلام الأمريكي ‏
والصهيوني واحتلاله للعقول والعيون أن كان هذا سببا رئيسيا في انخراط شباب من ضعاف ‏
النفوس في تنظيمات متطرفة وجماعات مسلحة وإرهابية مما جعل بلدان العالم تعانى ويلات ‏
الإرهاب الأسود الذي يدق ناقوس الموت وإراقة الدماء بين الحين والآخر.‏

كشف الحقائق:‏
إن التعامل مع العولمة يجب أن يكون ‏
على أساس وجود فرص و تحديات أو مخاطر يعنى في البداية رفض الخضوع أو التسليم بمنهج المؤامرة في النظروالتعامل مع العولمة خاصة من ‏الإعلام فالعولمة ليست مؤامرة تستهدف العرب والمسلمين وحدهم فهي عملية جارية تؤثر في شعوب وثقافات العالم بما في ذلك الغرب بدرجات ونسب متفاوتة ومن ثم لم يعدأمامنا من مجال أو خيار لرفض العولمة أو قبولها .‏
لذلك يجب ‏عدم الاكتفاء بموقف فضح الآثار السلبية للعولمة أو إجهاد الفكر في إثبات مخاطر الأمركة إعلاميا وثقافيا إن كل ذلك أصبح ثابتا ومعروفا
و قد قدمت المدرسة النقدية في الإعلام والاجتماع و العلاقات الدولية شواهد ودلائل ومقولات نظرية بالغة الأهمية عن عدم التوازن في النظام العالمي و عن مخاطر الهيمنة الإعلامية والثقافية للشركات الاحتكارية متعددة ومتعديةالجنسية.‏

تدفق العادات والأنماط الحديثة:‏
فإذاكانت العولمة في جانبها الاقتصادي تفرض هيمنة سلع و أنماط استهلاك معينة لصالح بعض الشركات الضخمة كما تفرض في جانبها السياسي هيمنة على المنظمات الدولية فان تأثير هذه الظاهرة على العادات و التقاليد والمعارف والفنون اقوي بكثير فقد أدت التطورات التكنولوجية الكبيرة في مجالي الاتصالات والمعلومات خلال السنوات القليلة الماضية إلى تدفق هائل للأفكار والقيم والعادات والمعلومات باتجاه واحد من الدول المتقدمة ذات القدرة التقنية المميزة لإنتاج المادة الإعلامية تجاه الدول الأخرى وقد أدت تلك الوسائل المتقدمة دورا مؤثرا في التأثير على الثقافات المحلية للشعوب .
فالتلفاز والمحطات الفضائية والسينما والحواسيب و الانترنت تساهم بدرجات متباينة في ظل الهيمنة الأمريكية على أسواق الاتصالات في توحيد الأذواق والرؤى بين الشعوب المستهلكة للمادة الإعلامية بل تخلق عادات وميولا جديدة تحل تدريجيا بدلا عما هو سائد

هيمنة خطرة:‏
هذا إضافة لهيمنة عدد محدود من الدول الصناعية الكبرى على إنتاج تكنولوجيا الاتصال الحديثة لذلك فإن السيطرة على الإنتاج الاعلامى الثقافي تصبح أكثر خطورة وعمقا من السيطرة على إنتاج الوسائط والأدوات التكنولوجية وتتأكد تلك المقولة في حالتي اليابان والولايات المتحدة ففي حين تغزو أجهزة الاتصال المنتجة في اليابان ودول جنوب شرق آسيا وفى مقدمتها التلفزة واللواقط الفضائية الأسواق العالمية بما فيها الأمريكية نظرالعوامل الجودة والسعر إلا أن متلقي المادة الإعلامية الواردة عبر التلفزة لا يخضع لتأثير الوسيلة المنتجة في تلك الدول بقدر تأثره بنوعية المنتج الاعلامى الأمر يكي أيا كانت نوعيته.‏

وتصطدم فكرة عولمة الثقافة ببروز ظاهرة "المركزية الثقافية" ‏
وهى نظرة لاتخلو من التعالي العنصري إن لمتصل أحيانا إلى درجة التفرقة العنصرية ففي حالة المركزية الثقافية هنا كثقافة تجعل من نفسها مركزا وبقية الثقافات هو ام شأو أفلا كتدور حول هذا المركز الصاخب ‏
ويحكم على تطور أو تخلف اى ثقافة أخرى بمقدار قربها أو تشابهها مع الثقافة المركزية وتحاول الثقافات الأخرى أن تبلغ مستوى هذه الثقافة عن طريق التقليد.‏

الخلاصة:‏
إن العولمة رغم وجود إيجابيات لها إلا أن سلبياتها فاقت تلك الايجابيات فهناك مخاطر جمة ‏
نتيجة زيادة فرض الأمركة على العالم بما يجعل البعض يرفض هذه الأفكار بشكل صارخ ‏
وغير مسئول يعلو على صوت العولمة الماجن لتظهر حينئذ مواجهة غير محسوبة تصل ‏
لذروتها بالتطرف المكروه والإرهابالأسود كنتائج أفرزتها هيمنة العولمة الأمريكية وآلةالإعلام ‏
الصهيونية على العالم خاصة في الشرق . كما أن العولمة الأميركية ونظيرتها الغربية تظهر ‏
جوانب تريد من خلالها وأد حضارات بكاملها تقوم على ثقافات وعادات وتقاليد قديمة حيث ‏
تكون هناك مركزية ثقافية أمريكية تجعل كافة الثقافات تدور في فلكها دون تأثير بل وتتوارى ‏
شيئا بشيء مع سيل الاختراعات والموضات الغريبة للعولمة المتوحشة.‏