صنعاء ـ من حمود منصر:
يتذكر الحاج يحي الحاشدي (75 عاما) بحسرة وألم السنين الماضية التي كانت بحسب اعتقاده جميلة في كل شيء،حتى أن رمضان بروحانيته وفضيلته كان زمان - كما يقول ـ له طعم أخر،لكنه اليوم أصبح يمثل همّ بسبب غلاء المعيشة وعدم القدرة على توفير احتياجات هذا الشهر،بل واختفاء الكثير من المظاهر الإحتفائية التي كانت تتم لقدوم هذا الشهر.
ولعل أكثر ما يبعث الأسى في نفس الحاج اليمني - كما يرى - أن فاعلي الخير والإحسان لم يعودوا مثل زمان ينفقون على الفقراء والمحتاجين دون أن يعرف أحد،تطبيقا للحديث الشريف ".. حتى لا تدري اليمنى ما تقدمه اليسرى، بل باتت اغلب الصدقات والمحاسن علنية ولإغراض مبيتة،اغلبها سياسية.
ويشاطر الكثير من اليمنيين من الإباء والأجداد الحاشدي ويتذكرون كيفية المظاهر الإحتفائية التي كانوا يعدونها لهذا الشهر الكريم من المأكولات والمشروبات المناسبة،مرورا بالأنوار والأضواء الخاصة به،حيث كانت الكثير من البيوت اليمنية تعد فوانيس خاصة بهذا الشهر والبيوت التي لا تستطيع الشراء تقوم بتنظيف وتجميل وتزيين وسائل الإنارة ومنها الفوانيس والنوارات، وذلك ابتداء من أواخر شهر شعبان.
ويؤيد الباحث الاجتماعي اليمني رشاد الصنعاني ذلك،حيث يبين أنه في الآونة الأخيرة ظهرت في اليمن جمعيات ومؤسسات خيرية كثيرة،ينشط عملها بشكل كبير مع حلول رمضان،لكن معظمها تتعامل مع المحتاجين على أساس الانتماء السياسي، وهو ما ينافي ـ بحسب قوله - كل العادات والأعراف والتقاليد اليمنية المتعارف عليها منذ القدم.
ويحكي صالح الفقيه (80 عاما) ما تختزنه ذاكرته من عمر الطفولة لهذا الشهر ويقول :"كنا ونحن أطفال نخرج في الحارات قبل رمضان مرحبين بهذا الشهر قبل أن يحل ونقول:"يا مرحبا بك يا رمضان،شهر التوبة وشهر الصيام"، أو " مرحبا يا شهر رمضان،مرحبا شهر العبادة"، كما كانت تردد في مثل هذه التراحيب في المساجد،قبل دخول رمضان بأسبوع.
ويفسر الفقيه غياب هذه المظاهر الإحتفائية بطغيان المشاغل الحياتية والهموم اليومية في تدبير تكاليف العيش في ظل غلاء الأسعار وانخفاض الدخل.. ويقول:" الحياة زمان كانت سهلة والناس متعاونين اما اليوم فقلوب الناس اختلفت،ولم يعد التعاون موجود والتراحم الا نادرا".
ويروي معظم اليمنيين من المعمرين حكايات كثيرة عن مظاهر استقبال شهر رمضان المبارك في السابق .. منها انه قبل دخول شهر رمضان بأكثر من شهر وتحديدا من أواخر شهر رجب يبدؤون بترتيل العديد من القصائد الروحانية والأدعية المأثورة عقب الصلوات وبصوت جماعي في اغلب المساجد اليمنية على اختلاف نغماتهم ولهجاتهم المحلية،وترتفع وتيرة الاستعداد وحرارة الاستقبال كلما أزفت المدة الفاصلة بينهم وبينه.
وإذا دخل رمضان في اليمن،تشتعل المساجد بالتسابيح والتهاليل كل يوم وفي كل حارة يوجد مبرز (ديوان) كبير يتجمع فيه أبناء الحي من بعد صلاة التراويح وحتى قرب السحور يتم فيها قراءة القرآن وحلقات الذكر والتهليل والشعر.
ويحمل بعضهم مسئولية اختفاء مثل هذه المظاهر إلى انشغال كثير من الناس بمتابعة القنوات الفضائية التي تمطر الناس خلال هذا الشهر بوابل من المسلسلات والمسابقات والبرامج أعدت خصيصا لشهر رمضان،ما نتج عن ذلك - بحسب الصنعاني ـ " زيادة الانطوائية واختفاء الكثير من المظاهر الاجتماعية التي كانت سائدة بين الناس في اليمن في رمضان بزيادة الزيارات المتبادلة والتجمعات المقامة والتي كانت تعمل على تلمس أحوال المجتمع ومعرفة الفقراء والمحتاجين ومساعدتهم بشكل جماعي".
ورغم أن اليمنيين يجمعون على أن رمضان يبقى شهر خير وبركة ورحمة،ألا أنهم من خلال الحكايات التي تروى لهم عن رمضان زمان يتمنون عودة تلك المظاهر التي كانت سائدة في عمل الخير الخالص،ومد يد العون للمحتاجين،وغيرها من المظاهر الايجابية التي كانت سائدة.