لا يمكن أن توصف موانئنا المتوزعة على امتداد الجغرافيا العمانية إلا بأنها كذلك، فهي بحق تمثل اليوم رئة اقتصادنا الوطني وبوابة الأمل في إعادة الألق والمجد التجاري والاقتصادي الذي لعبته السواحل العمانية قديمًا، والرواج التجاري الذي تمثل في رحلات السفن العمانية التي جابت البحار نحو إفريقيا وآسيا، ولعل وقائع التاريخ وتجاربه وأحداثه وحوادثه تعطي حقيقة الأهمية الاقتصادية والسياسية، وأنها خشبة الخلاص من محن الزمان والمكان.
وحين تطالعنا موانئنا على مدار العام بأرقام محافظة على ارتفاعها فهي تعبِّر عن القيمة الاستراتيجية التي تمثلها وتثلج الصدور وتدفع نحو مزيد من العمل على رفدها ومضاعفة الاهتمام بها، حيث الطموح يأخذ مدياته بأن تستعيد سفينة الأمجاد التجارية والحضارية دورها الذي تراجع جراء أسباب معروفة.
وفيما يشبه جردة حساب سنوية، طالعتنا أمس شركة ميناء صحار والمنطقة الحرة بأرقام حصاد سجلها الميناء والمنطقة، حيث تجاوز حجم البضائع المشحونة 85 مليون طن خلال عام 2017 بنسبة زيادة وقدرها 11%، في حين ارتفع حجم مناولة الحاويات بنسبة 36% مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى حوالي 840 ألف حاوية نمطية.
فهذه النتائج المبشرة بالخير والباعثة على التفاؤل هي في الحقيقة ثمرة جهود لا يمكن نكرانها قادت إلى وضع سكة اقتصادنا في مساره، سواء كان أصحاب هذه الجهود معروفين أم مجهولين في المواقع القيادية والتنفيذية التي تسارع جميعها إلى وضع توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ موضع التنفيذ بصفته رائد مسيرة النهوض والبناء المتسارع الذي نعيشه اليوم.
إن التحديات العالمية والإقليمية ترتب على قطاع النقل والموانئ مسؤوليات وطنية كبرى، انطلاقًا من الحرص المشترك والواجب على ضرورة التغلب على هذه التحديات، والإسراع العاجل نحو تنشيط هذا القطاع، لإعطاء اقتصادنا الوطني الأريحية المطلقة، والهواء النقي لكي يتنفس استثمارات ورواجًا تجاريًّا ونشاطًا اقتصاديًّا، بما يمكِّن من إضافة لبنات جديدة من خلال مشروعات جديدة مطلوب منها أن تنهض منذ بداية مولدها على سيقان قوية لتقدر على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية أمام منتجات مستقرة في السوق، وهو ما يتطلب حزمة من القوانين اللازمة لإطلاق هذه الأريحية والبيئة الجاذبة.
وجميل أن يحرص ميناء صحار والمنطقة الحرة على مبدأ التوسع المحسوب والمجدي، حيث أفصحت الشركة في حصادها عن جملة من الإنجازات تمثلت في تدشين المنطقة الغذائية الجديدة الممتدة على مساحة 40 هكتارًا في ميناء صحار والتي تشمل مطحنة رئيسية للقمح، ومعملا لتكرير السكر ومساحة أخرى لتخزين وتوزيع الحبوب والزيوت النباتية، ما يجعل من المنطقة الجديدة بمثابة محطة متكاملة للأنشطة المتعلقة بالأغذية، إلى جانب مشروعات واعدة كمشروع استصلاح الأراضي في المنطقة البحرية الجنوبية للميناء، حيث ستوفر أرصفة عميقة إضافية للسفن، إلى جانب 200 هكتار من الأراضي، وتخصيص المنطقة لقطاع البتروكيماويات وتحديدًا لاستثمارات النفط والغاز. في حين شهدت المنطقة الحرة بدورها العديد من الإنجازات كاتفاقية تأجير الأرض لإحدى الشركات الهندية الرائدة عالميًّا في صناعة الأنسجة القطنية لإنشاء مشروع للمنسوجات القطنية باستثمار قيمته حوالي 300 مليون دولار أميركي، والذي من المتوقع عند اكتماله أن ينتج ما يقارب 100,000 طن من بكرات النسيج القطني سنويًّا والتي سيتم تصديرها لمعامل صناعة الأقمشة في المنطقة وخارجها، كما سيوفر 1500 فرصة عمل مباشرة في المنطقة الحرة، إضافة إلى توسعات ومصانع جديدة مؤمل افتتاحها هذا العام كمصنع إنتاج معدن ومركبات عنصر الأنتيمون المثبط للحرائق والذي يعد الأول من نوعه خارج الصين. وكذلك مشاريع "الفيروكروم والفيرومنجنيز" والصناعات المعدنية الأخرى القائمة في نمو إنتاج المعادن من خلال إمكانية قيام صناعات تحويلية منبثقة عنها، وغيرها من المشاريع التي لا يتسع المقام لذكرها، ولكنها تبشر بآفاق اقتصادية نشطة يمكن أن تسهم في الناتج المحلي الإجمالي.
تبقى الحقيقة وهي أننا أمام تحديات ماثلة تتطلب منا جميعًا تسخير جهودنا للحفاظ على ما تحقق ومضاعفة الجهد لاستثمار مقومات وإمكانات بلادنا.