في كل مرة يصر فيها كيان الاحتلال الصهيوني على تنمره واستمراره في اغتصاب الحق الفلسطيني ورفضه الاعتراف بالطرف الآخر، تجد السلطة الفلسطينية نفسها محشورة في مساحة ضيقة لا تسمح لها بحرية الحركة ولا تعطيها القدرة على المناورة في ترويض المحتل الصهيوني المتنمر والمتصلف والمتنصل، وبالتالي لا تجد مهربًا أو مخرجًا سوى الفرار إلى من تعتقد أنه الحكم، رغم أن كل الوقائع تدلل على أنه الخصم في الوقت نفسه، لعلها تجد لديه وصفة تداوي بها آلامًا أصبحت مزمنة جراء المراوغة والتنصل والتنمر من قبل المحتل.
ففي ظل الرعاية الأميركية للمفاوضات الجارية بين الجانب الفلسطيني والمحتل الصهيوني وامتناع الأخير عن الاستجابة لمطالب الحل الذي يجب أن تصل إليه المفاوضات الحالية، أصبح الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته في وضع لا يحسدان عليه، فيضاف إلى مصيبة تنمر المحتل وتمرده على الشرعية والقرارات الدولية ذات الصلة، مصيبتان؛ الأولى وضع الفلسطينيين ثقتهم الكاملة في الولايات المتحدة ومن يلتحف بعباءتها، والثانية هي أن الموقف العربي الفاعل والمؤثر غائب عن القضية الفلسطينية، فلا يوجد هناك موقف عربي مساند، وبات الفلسطينيون في حلبة الصراع وحدهم بين محتل يريد أن يكتب لهم نهاية على طريقته سعيًا إلى تحقيق أحلامه التلمودية بما يسمى "يهودية الدولة" وطمس كل ما يمت بصلة إلى الهوية العربية والإسلامية وخاصة في مدينة القدس المحتلة التي يريدها المحتل الصهيوني عاصمة موحدة لدولته العنصرية، مستفيدًا من انكباب العرب على سقي "ربيعهم المشوه" بالفوضى المصدرة إليهم، ليحصد المحتل أزهاره الماثلة فيما نراه من استمرار في نهب الأرض الفلسطينية ورفض واضح للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وفرض إملاءات وشروط بدلًا من الوفاء بالاستحقاقات، وكذلك بمهاجمة الرئيس عباس وانتقاده ومحاولة إظهاره أمام العالم بأنه هو عقبة أمام ما يسمى عملية السلام، في تحريض بيِّن يذكرنا بالتحريض السابق الذي أطلقه المتطرف أفيجدور ليبرمان وزير خارجية حكومة الاحتلال بالدعوة إلى محاصرة عباس ليلقى المصير ذاته الذي لقيه الرئيس الراحل ياسر عرفات.
إنها تحديات جمة تفرض ذاتها على السلطة الفلسطينية وشخص الرئيس محمود عباس لا تهدد بانهيار المفاوضات فحسب، وإنما تشي بعزم الاحتلال على تصفية القضية الفلسطينية وشطبها، وبالتالي فإن الوقت والواقع يفرضان تحرك السلطة الفلسطينية نحو تفعيل ما أعلنته في بيان لها عن عزمها إعداد خطة لتنفيذ موجبات قرار الأمم المتحدة المتصل بعضوية فلسطين كدولة مراقب لجهة "الانضمام إلى الاتفاقات والمنظمات" الأممية، وما تفرضه حتمية المفاوضات من أهمية أن "تستند فعليًّا إلى المرجعيات الدولية المتعارف عليها والتي تحتوي على إنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، عاصمتها القدس الشرقية وضمان حقوق اللاجئين وفق ما نصت عليه مبادرة السلام العربية". لذلك فإن تنفيذ موجبات قرار الأمم المتحدة الخاصة بعضوية دولة فلسطين ومستحقات ذلك في الانضمام إلى الاتفاقيات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، أمر تفرضه طبيعة المرحلة، فهو السبيل لمواجهة التنمر الصهيوني و"استمرار مواقف وممارسات حكومة نتنياهو في التوسع الاستيطاني غير المسبوق، وفي السعي إلى إلغاء مرجعيات عملية السلام المقرة دوليًّا واستبدالها بمرجعية تكرس ضم القدس والسيطرة المطلقة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية بحجة الأمن تارة أو الكتل الاستيطانية تارة أخرى".
وإذا كان تفعيل العضوية ومستحقاتها لا يزال قيد الإعداد والدراسة، فإننا نأمل أن لا يقف الأمر عند هذا الحد، أي المطلوب خطوات فعلية، وأن لا يكون الموضوع مجرد ثرثرة كلامية ناتجة عن العجز.