[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” .. يشرح صاحب كتاب "معاد للسامية" كل أشكال الترهيب التي تعرض لها, بينها رسائل تهديد بالتصفية الجسدية, والتضييق عليه أكاديميا, حيث ألغيت له العديد من الندوات والمحاضرات في عدد من الجامعات والمعاهد. ونجح المتربصون بالمفكر الفرنسي في دفعه الى الاستقالة من الحزب الاشتراكي في 2003, لكنه رغم ذلك واصل فضح انتهاكات إسرائيل منددا بمحاباة الحكومة الفرنسية للوبي الصهيوني المتمثل في "المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا", ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر مؤخرا في فرنسا كتاب للمفكر الأكاديمي الفرنسي المعروف باسكال بونيفاس, تحت عنوان "معاد للسامية", يسرد بالتفصيل وقائع وأحداث جرت معه شخصيا, وتتقاطع كلها حول ما عاناه من "ابتزاز ومحاولات ترهيب" بتهمة معاداة السامية من طرف اللوبي الصهيوني في فرنسا ومن لف لفه, بسبب موقفه الرافض للانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. وصدر الكتاب عن دار نشر "ماكس مالو", ويقع في مائتي صفحة. في أولى صفحات "معاد للسامية", كتب باسكال بونيفاس يقول "لم يثبت عني يوما أني تفوهت أو كتبت كلمة أو جملة واحدة توحي بأني معاد للسامية", ويضيف "ولم ترفع ضدي أية دعوى -ولو مرة واحدة - أمام المحاكم في هذا الصدد", ورغم ذلك فهذه "التهمة الجاهزة تلاحقني" منذ نحو عقدين.
ويمضي الكاتب في شرح أسباب وجذور هذه الاتهامات, مؤكدا أن البداية الأولى لهذه "الافتراءات والأراجيف" ترجع إلى العام 2001, حين كان مستشارا لدى الحزب الاشتراكي الفرنسي, في الفترة التي كان فيها فرانسوا هولاند أمينا عاما للحزب. وكتب بونيفاس تقريرا انتقد فيه الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة, ودعا فيه الاشتراكيين إلى اتخاذ موقف حازم من حكومة أرييل شارون, لكنه تعرض لهجمة شرسة من طرف "اللوبي الإسرائيلي داخل الحزب الاشتراكي", وقامت قيادات يسارية موالية لإسرائيل بتحريف ما جاء في تقريره, واتهموه بالتحريض عليها وبـ "معاداة السامية". لكن بونيفاس اعتبر الأمر مجرد أراجيف وخديعة بهدف إسكاته وإجباره على الاستقالة من الحزب الاشتراكي.
يشرح بونيفاس في كتابه كيف أن "حملة شيطنة ممنهجة" تواصلت ضده على يد خصومه, من خلال استخدام الآلة الإعلامية التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني التي رفضت "إجراء بحث واستقصاء حول الاتهامات الكاذبة" ضده. واعتبر المفكر الفرنسي أن الهدف كان واضحا ويتمثل في "ترهيب أي شخص آخر يجرؤ على انتقاد إسرائيل". ويشرح صاحب كتاب "معاد للسامية" كل أشكال الترهيب التي تعرض لها, بينها رسائل تهديد بالتصفية الجسدية, والتضييق عليه أكاديميا, حيث ألغيت له العديد من الندوات والمحاضرات في عدد من الجامعات والمعاهد. ونجح المتربصون بالمفكر الفرنسي في دفعه الى الاستقالة من الحزب الاشتراكي في 2003, لكنه رغم ذلك واصل فضح انتهاكات إسرائيل منددا بمحاباة الحكومة الفرنسية للوبي الصهيوني المتمثل في "المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا", الذي يعتبر من أهم المؤسسات الفرنسية المدافعة عن إسرائيل. ويعتبر بونيفاس أن الحملة ضده ما تزال متواصلة حتى الآن، وأن شخصيات سياسية نافذة ما تزال تضغط من أجل "اغتياله أكاديميا".
ويشير المفكر الفرنسي إلى أنه بعد فشل الرئيس السابق "للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا" روجي كوكرمان في الضغط على الحكومة الفرنسية بهدف إقالته من إدارة "معهد الدراسات الدولية الاستراتيجية", أحد أكبر المؤسسات البحثية في أوروبا, طالب قبل أشهر رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس ـ أحد أكبر السياسيين الداعمين لإسرائيل ـ بإقالته من جديد من إدارة المعهد وقطع التمويل العمومي عنه على خلفية مواقفه من إسرائيل. ويرى بونيفاس أن من العار استغلال " تهمة جاهزة " تتمثل في معاداة السامية لحماية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من المحاسبة وتبرير جرائمها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني, واعتبر أن اللوبي الإسرائيلي في فرنسا يشهر هذه الفزّاعة في وجه كل من يتجرّأ على انتقاد إسرائيل, ولمنع كل ما من شأنه فضح أو انتقاد انتهاكاتها للقرارات الدولية.
كتبنا في صفحات العزيزة "الوطن" مواضيع عديدة مشابهة, تعرض أصحابها إلى الفصل من مناصبهم, والتعميم عليهم إعلاميا ومنهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي والفرنسي المسيحي الأب دانيال وغيرهم, وأثبتنا أن مصطلح "العداء للسامية" هو مخترع استعمله لأول مرة ليو بنسكر عام 1865, واستغله هرتزل في كتابه "دولة اليهود", وركّز عليه في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897, هذا وفقا لكتابين مشهرين للمؤلفين ولهام ماد, وبرنارد لازار وغيرهما, والقائمة تطول. كما أثبت كاتب هذه السطور على صفحات "الوطن" أن المصطلح يحتوي ضمنا على العديد من المغالطات التاريخية والإثنية, إذ إن اليهود الأوروبيين الذين اخترعوا هذا المصطلح لا ينتمون إلى الساميين, بل هم أوروبيون يعيشون في أوروبا منذ عام 70م بعد أن طرد الرومان اليهود من فلسطين وشتتوهم في كل بلاد العالم, فيما يعرف بالشتات اليهودي العام. وقد تغيرت الأوضاع العقلية والجسمانية لليهود الذين شتتوا في البلاد الأوروبية، وفقدوا المواصفات العربية (السامية) وأصبحوا أوروبيين.