يأتي مؤتمر الحوار السوري في منتجع سوتشي الروسي الذي اختتم أعماله أمس تعبيرًا عن حجم الجهود المبذولة من قبل الأطراف المعنية بالحل السياسي للأزمة السورية، وفي مقدمتها الحكومة السورية وروسيا الاتحادية، وأطراف في المعارضة السورية الوطنية تتشارك الرؤية في أهمية الحل السياسي بدلًا من حالة الحرب والدمار.
فالمؤتمر يمثل رافعة حقيقية للجهود القائمة والمبذولة تجاه الحل السياسي، ولعل شعار "السلام للشعب السوري" الذي وفقه سارت جولات الحوار تؤكد الرغبة الأكيدة لمنظميه وداعميه والحريصين على إنجاحه، لا سيما الحكومة السورية ومن هم محسوبون على "المعارضة السورية" الوطنية التي لم تتلطخ أياديها بدماء الشعب السوري، حيث النتائج التي خرج بها المؤتمر تعد قاعدة عملية وتمهد الأرضية المطلوبة للحل السياسي ووضع لبناته تباعًا، والتي تضمنها البيان الختامي كالاتفاق على تأليف لجنة دستورية من ممثلين عن الحكومة وتمثيل واسع للمعارضة بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254. بالإضافة إلى النتيجة الأخرى الأهم وهي الالتزام الكامل بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا، والتفاهم المشترك حول ضرورة إنقاذ الوطن السوري من المواجهة المسلحة، ومن الدمار الاجتماعي والاقتصادي، واستعادة هيبته على الساحتين الإقليمية والدولية، وتوفير الحقوق والحريات الأساسية لجميع مواطنيه وفي مقدمتها الحق في الحياة الآمنة والحرة من دون عنف وإرهاب، والتي لا تتحقق إلا في ظل تسوية سياسية لجميع التحديات الماثلة أمام الجميع طوال سبع سنوات من المعاناة والبؤس والتشرد، والتآمر وتفشي الإرهاب ومواصلة دعمه لتستمر جذوته في الاشتعال، فتواصل حرق الشعب السوري ودولته ومؤسساتها وبناها الأساسية، وإحالتها إلى أطلال.
إن المؤتمر بقدر ما مثله من نجاح في وضع خطوة متقدمة باتجاه الحل السياسي، وإمكانية رؤية الضوء في نهاية النفق، حيث أعطى تمثيله الواسع الذي وصل إلى أكثر من ألف ونصف مشارك من مختلف الأطياف السورية، بقدر ما قام بعملية فرز بين الصادقين في التوجه نحو الحل السياسي وبين المراوغين والمأجورين. فقد أضاف المؤتمر نجاحًا آخر إلى نجاحه الذي ذكرناه آنفًا، وهو قدرته على إسقاط الأقنعة من على الوجوه لتبرز حقيقتها أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد، سواء كانت هذه الوجوه متمثلة في من يوصفون بـ"معارضة" أو متمثلة في الداعمين الأسياد لهذه الوجوه، حيث بدت العلاقة بين المشغِّل والأجير واضحة، سواء لجهة محاولة إفشال المؤتمر وعرقلته عن تحقيق أي اختراقات مأمولة ومطلوبة، أو لجهة محاولة التقليل من أهميته وتهميشه، من خلال الترويج لمؤتمر جنيف وأنه المكان الأوحد لصنع الحل السياسي للأزمة السورية، وصياغة بنوده ومواده وتشكيل لجانه وحكومته الوطنية، ما يعني أن أدوار التعطيل لا تزال حاضرة وتحاول أن تمارس تأثيرها، كما فعلت ذلك من قبل في جولات مؤتمر جنيف السابقة، ولو كان هؤلاء صادقين فيما يتفوهون به بشأن مؤتمر جنيف وأهميته وأن الحل السياسي ينطلق منه لما وصلت جولاته إلى ثماني جولات، وتستعد الأطراف لخوض الجولة التاسعة، فقد كان المعطل لتلك الجولات الثماني هم ذاتهم من يحاولون تعطيل مؤتمر سوتشي والتشويش عليه، ولأهداف معروفة، وهي استمرار الإرهاب في إدماء الشعب السوري وتدمير دولته، وعرقلة الجيش العربي السوري عن إنجازاته الميدانية، مع التأكيد أن الجولة التاسعة المقبلة لمؤتمر جنيف تمثل فرصة لإثبات ما تفوهوا به بشأن سوتشي.