[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بالأمس عايشنا كيف نسجت الولايات المتحدة حبال الكذب في إطار تحضيرها لتدمير العراق ونهب ثرواته، وذلك من خلال صياغة الاتهامات الباطلة والكاذبة بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وارتباطه بإرهاب تنظيم القاعدة، ووفق هذه الاتهامات الكاذبة بدأت فصول الافتراء وإخراجها إلى الرأي العام العالمي عبر الماكينات الإعلامية الأميركية والصهيونية والتابعة لهما، ولا يزال مشهد جلسة مجلس الأمن الدولي في يناير عام 2003م التي كان بطلها كولن باول وزير الخارجية الأميركي في إدارة جورج بوش "الصغير"، وهو يتلو سِفرًا من أسفار الكذب المعدة للتحريض ضد العراق وتدميره، مع ما صاحبها من مقاطع صوتية أعدتها وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، زعمت أنها لقادة عسكريين ومسؤولين عراقيين، حيث قال باول في تلك الجلسة الشهيرة ما نصه: "إن المواد التي سأعرضها عليكم تأتي من مصادر مختلفة. بعضها مصادر أميركية وبعضها مصادر لدول أخرى، وبعض هذه المصادر مصادر فنية مثل أحاديث هاتفية جرى اعتراضها وصور التقطتها أقمار صناعية. ومن المصادر الأخرى أناس جازفوا بأرواحهم كي يعرّفوا العالم ما يدبر له صدام حسين. ولا يمكنني أن أبلغكم كل شيء نعرفه بل فقط ما يمكنني أن أشاطره معكم، ومجموع ما علمناه نحن جميعًا على مدى السنوات، هو مقلق جدًّا. وما سنشاهده هو تراكم لحقائق وأنماط مزعجة من السلوك. وحقائق مسلك العراقيين تبين أن صدام حسين ونظام حكمه لم يبذلا أي مجهود لنزع الأسلحة كما اقتضاه المجتمع الدولي. وفي الواقع فإن الحقائق ومسلك العراق تبين أن صدام حسين ونظامه إنما يخفيان قيامهما لإنتاج مزيد من أسلحة الدمار الشامل. سأبدأ بإسماعكم شريط تسجيل. ما أنتم على وشك أن تسمعوه هو محادثة رصدتها حكومتي. وهي جرت في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أي قبل يوم من استئناف فرق الأمم المتحدة أعمال التفتيش في العراق. المحادثة جرت بين ضابطين كبيرين، عقيد وعميد، من وحدة نخبة عسكرية عراقية هي الحرس الجمهوري".
وكان على الجانب الآخر ـ وفق تبادل الأدوار ـ توني بلير رئيس وزراء بريطانيا المستقيل يتلو بدوره ما أعده من أسفار الكذب والافتراء أمام البرلمان البريطاني ليمرر ما اتفق عليه مع حليفه بوش "الصغير" من مخطط تدمير العراق.. ويعد اتهام عراق صدام حسين بأنه قادر على ضرب أوروبا بأسلحة دمار شامل في غضون خمس وأربعين دقيقة، أبرز أسفار الكذب، وأبرز سقطات بلير التي أطاحت بتاريخه السياسي في نهاية المطاف، كما حصل مع كولن باول الذي قال بأن خطابه الشهير أمام مجلس الأمن الذي اتهم فيه العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل أمام الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني) 2003 سيظل نقطة سوداء في ملفه، مقرًّا بأنه لم يعقد أي صلة بين العراق وأحداث 11 سبتمبر لأنه ببساطة لم يرَ أي دليل على وجود مثل تلك الصلة، قبل أن يعترف بأنه كان مقاتلًا رغم أنفه، مبررًا انسياقه خلف بوش في حربه على العراق بأن الرئيس بوش أقنعه بأنه ليس من الممكن ترك العراق يخالف قرارات مجلس الأمن.
اليوم ـ وكما قيل ما أشبه اليوم بالبارحة ـ تصر الولايات المتحدة على هذه السياسة القائمة على نسج فصول الافتراء والكذب وتوزيعها على من تريد وفق أطماعها ومشاريعها، حيث تقوم باستنساخ ما فعلته بالعراق ضد سوريا، شاهرة مزاعم امتلاك الحكومة السورية السلاح الكيماوي واستخدامه ضد المدنيين، فكما أصرت على اتهام العراق رغم شهادات المفتشين الدوليين بعدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، وتدميره ترسانة صواريخه، تصر على اتهام سوريا رغم استلام الولايات المتحدة ذاتها وعبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتدميرها، وتأكيد المنظمة بعدم امتلاك دمشق هذا السلاح، ما يعني أن المخطط واحد وهو تدمير الدول العربية الفاعلة والتي ترفض سياسة الولايات المتحدة في المنطقة المنحازة بصورة كاملة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك ترفض الاحتلال الإسرائيلي وتناصر الشعب الفلسطيني ومقاومته حتى استعادة حقوقه، ولا يخفى ما قدمته كل من العراق وسوريا إلى جانب مصر من تضحيات كبرى من أجل القضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطيني؛ لذلك ما حصل في العراق وما يحصل الآن في سوريا هو معاقبتهما على مواقفهما العروبية القومية، وما قدماه من تضحيات، ولا تزالان على العهد نفسه.
اللافت في محنتي الاستهداف الممنهج ضد كل من العراق وسوريا هو أن الغزاة والقائمين بالاستهداف والتدمير ومن يتبعهم ويعمل لحسابهم قاموا بزرع بذور الطائفية والمذهبية ونثر بذور الإرهاب، حيث جلبوا الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة من أصقاع العالم ومن السجون ليكونوا جيوشًا بالوكالة، وليحققوا هدف التدمير والتقسيم والتفتيت. غير أن الأخطر ما يحدث على الساحة السورية هو تزويد التنظيمات الإرهابية التي جلبها وأنتجها القائمون بالاستهداف والتدمير بالأسلحة المتطورة كالطائرات المسيرة "بدون طيار" والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، وهذا تحول وتطور خطير ينذر بمرحلة جديدة من الصراع في المنطقة وليس في سوريا، ما سيهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم أجمع، فحادثة إسقاط الطائرة الروسية من نوع سوخوي فوق محافظة إدلب أمس الأول، وقبلها حادثة استهداف قاعدتي حميميم وطرطوس بطائرات مسيرة، تكشفان هذا التحول الخطير وتنذران باحتدام المواجهة، فقد اعترف ما يسمى تنظيم "جبهة النصرة" بإسقاطه الطائرة الروسية.. فمن أين أتى بهذا النوع من الصواريخ؟ ومن زوده بها؟
إن ما يدفع معشر المتآمرين على سوريا إلى هذا النوع من المواجهة هو التحولات الميدانية التي أنجزها الجيش العربي السوري من جهة، ومؤتمر الحوار السوري في منتجع سوتشي وما خرج به من نتائج تصب لصالح الدولة السورية، وتعاكس مخطط تدمير سوريا وأهدافه.. فاللعبة باتت واضحة ومكشوفة ومفضوحة.

[email protected]