[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
حدثت عام 1178م فتنة كان سببها يهود المدائن، فقد حضروا إلى بغداد وشكوا من يهودها الذين اعترضوا على اذان المسلمين في الجامع المجاور لكنيسهم، فاستمر المؤذن دون ان يأبه لما أرادوا لأن هكذا هو الاذان في الإسلام، فاختصموا وكانت هناك فتنة، واستظهر دور اليهود في تلك الفتنة كما يصف ذلك (ابن الاثير في الكامل) وأمر ابن العطار وهو صاحب المخزن بحبسهم، ثم أُخرجوا فقصدوا جامع القصر واستغاثوا قبل صلاة الجمعة، فخفف الخطيب الخطبة والصلاة، فعادوا يستغيثون فاتاهم جماعة من الجند ومنعوهم فلما رأى العامة ما فعل بهم غضبوا وقصدوا دكاكين المخلطين، لأن أكثرهم من اليهود فنهبوها وأراد حاجب الباب منعهم فرجموه فهرب منهم، وانقلب البلد وخربوا الكنيس الذي عند دار البساسيري واحرقوا التوراة وأمر الخليفة ان ينقض الكنيس الذي بالمدائن ويجعله مسجداً.
وحصل تغير كبير في اوضاع اليهود بالعراق عندما احتل السلاجقة بغداد في سنة (1055م) وحكموا فيها ما يقارب المئة سنة، حتى سنة (1150م) وكانوا الحكام الفعليين للإمبراطورية الإسلامية ولم يبقوا للخلفاء الا شكلهم الديني فقط ، ولم يلحقوا اذى باليهود بل منحوهم عدة وظائف رفيعة، واشتهر في وقتهم يوسف بن دافيد السفوني اليهودي الذي كان مقرباً من الحكم، وكان حاخاماً وشاعراً باللغة العربية.
ويذكر د.احمد سوسة انه قد أعيد لليهود في القرن الثاني عشر للميلاد حريتهم وحسن معاملتهم، وذلك على اثر استيلاء السلطان مسعود بن محمد بن ملك شاه سنة 1132م على مقاليد الحكم في بغداد وقد استمر حكمه في عهد الخليفة المسترشد بالله (1118-1135م) وفي عهد الخليفة المقتفي بأمر الله (1136-1160م) استمر معه حسن معاملة اليهود.
وبعد نهاية حكم السلاجقة، تسلم الخلفاء العباسيون بيديهم الحكم مرة ثانية وتحسن وضع اليهود وخاصة في زمن المستنجد بالله (1160-1170م) ومنحهم حكماً ذاتياً، وكتب الرحالة بنيامين التطيلي الذي زار العراق في سنة 1170م عن الخليفة المستنجد بالله بانه كان يحب اليهود جداً، وكان عارفاً باللغات وضليعاً في توراة إسرائيل ويقرأ ويكتب في اللغة المقدسة (رحلات بنيامين لندن 1897 ص35).
وكان وضع اليهود جيداً في ايام الخليفة المستضيء بأمر الله (1170-1179م) وكتب الرحالة الرباني فتحيا ريجيسنبروج الذي زار بغداد ايام الخليفة الناصر (1180-1225م) بان الملك الذي سبقه احترم رئيس الجالية الرباني شلومو، ومال بقلبه الى دين اليهود (رحلة الرباني فتحيا، القدس 1905،ص27).)
اما الرحالة بنيامين التطيلي فقد وجد في بغداد 40.000 الف يهودي يسكنون بهدوء وطمأنينة وبينهم تلاميذ حاخاميين كبار ورؤساء يشيبوت واغنياء كبار، ولهم ثماني وعشرون كنيسة.
وكان لليهود في بغداد عشر جمعيات او عشرة مجالس ولكل منها رئيس، ولم يكن لاعضائها عمل غير النظر في مصالح الشعب الإسرائيلي في كل ايام الاسبوع ما خلا يوم الاثنين، اذ كانوا يجتمعون اجتماعاً عاماً ينظرون في مصالح الناس من أي دين كانوا والى أي مذهب انتسبوا، وكان للطائفة مستشفيات وكان عددهم في الحلة 10000نسمة
ولابد من ذكر ان يهود العراق قد تعاطوا التجارة وعلى مختلف الحقب والعصور وازدهرت تجارتهم في العصر العباسي وقد أثروا من تجارتهم تلك ويصف لنا ابن خردازيه في كتابة (المسالك والممالك ) ص153 وص154 نشاطهم في مجال التجارة بما نصه :
مسلك التجار اليهود الراذانية الذين يتكلمون بالعربية والفارسية والرومية والافرنجية والاندلسية وانهم يسافرون من المشرق الى المغرب وبالعكس براً وبحراً، ويجلبون من المغرب الخدم والجواري والغلمان والديباج وجلود الخز والفراء والسمور والسيوف، ويركبون من فرنجة في البحر العربي، فيخرجون بالفرما ويحملون تجارتهم على الظهر الى القلزم وبينها خمسة وعشرون فرسخاً ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم الى الجار وجدة ثم يمضون الى السند والهند والصين فيحملون من هناك المسك والعود والكافور والدارصيني وهكذا.
وكان الصيارفة اليهود في العراق على شيء من الوجاهة، وكان رجال الدولة العباسية يودعونهم دراهمهم، وقد قال ابن الفرات وزير الدولة العباسية ان له عند يوسف بن فنحاس وهرون ابن عمران الجهبذين اليهوديين مبلغاً عظيماً من المال. (مجلة المقتبس ع7 ص425 اب/اغسطس 1908).