[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. لماذا تظل طرقنا هي الوحيدة من بين طرق ومسالك العالم خطرة لن يسلم الماشي فيها من الفخاخ ومن الشراك؟ وهل لذلك ارتباط بثقافة الإنسان العربي وبطبيعته ونمط حياته وسلوكه ؟ إننا أمام واقع خطير يتطلب منا جميعا العمل على معالجته وتغييره لتهيئة بيئة صحية يشعر السائر في طرقها بالاستقرار والأمان والاطمئنان، وبأن أعماله وجهوده وإبداعاته وإجتهاداته محل تقدير وتشجيع، ”
ــــــــــــــــــــــ
الطرق أوالمسارات في بلادنا العربية وبدون استثناء تكتنفها المخاطر والتحديات والمشاكل والصعوبات التي نتعمد وضعها وصنعها وإقامتها لضمان تقييد ومنع وتوقيف كل من قرر السير عليها، ذلك في حال أن السائر يريد من سيره هذا الخروج عن المألوف وتجاوزا لما هو معروف وبدون أن يحصل على الإشارة أوالرخصة المطلوبة من هذا الفريق أو ذاك، بل ونتنافس في ذلك ونراه أمرا بديهيا وطبيعيا وعملا مشروعا بحجة أننا نبتغي حماية الخصوصية والثقافة والتقاليد، والدفاع عن الشرف والقيم والتاريخ ، ومن باب الحرص على مصالح المجتمع والوطن والأسرة وتطول القائمة إلى ما لا نهاية ، ويصبح بعد ذلك تحديا وصراعا لا بد أن يحسم بالقوة والإكراه، ولا فرق في ذلك بين هذا الطريق وذاك، والسائر على أي منها كمن يسير في حقل من الألغام، فالمواطن العربي ليس حرا في التعبير عن رأيه، ولا يملك الحق في إختيار المسار الذي يراه مناسبا لممارسة هواياته ويرضي في الوقت ذاته ميوله ويلبي رغباته ويحقق أهدافه وطموحاته، التخطيط للمستقبل، اختيار التخصص والوظيفة أو مجال العمل، ممارسة النقد، الميول الفكرية والسياسية، الإبداع، الرأي أيا كانت مساراته وفي أي مجال كان، وغيرها الكثير، لا يستطيع المواطن العربي أن يؤسس بشأنها منهجا أو يشق طريقا أو يطرح أسئلة أو يبدي رأيا خاصا به يعبر من خلال ذلك عن رأيه الشخصي، أو يخالف ما ألفه مجتمعه أو سار عليه أو جاء ناقضا لجزء من ذلك المتعارف عليه وإن كان في ذلك المنهج إبداعا أو صوابا أو ابتكارا أو يهدف إلى تقدم المجتمع ويدعو إلى ما فيه مصالحه ويسعى إلى تأسيس آليات للتطوير وتغيير البدع وعوامل الجهل فيه وتصحيح ما علق في ثقافته وعقيدته وتقاليده وأفكاره من ترسبات وسلوكيات وقناعات مضرة، وإن كان لا يتعرض للثوابت إلا أن النقد العنيف والهجوم المتعدد الأشكال والصور والاتهامات الكثيفة سوف تنال منه وقد تقضي عليه في نهاية المطاف إن لم يتراجع عن رأيه ويعتذر وينقاد، أو إن لم يلحق نفسه فيشد الرحال إلى بلاد الله الواسعة ليمارس هواياته وإبداعاته هناك، ويحقق أهدافه، ويعبر عن آرائه ويرسم لحياته مستقبلها الواعد الذي يرغب فيه، ففي وطنه وبين مجتمعه اكتشف بأن الجميع يمارس عليه سلطة المراقبة والوصاية والمتابعة والملاحقة والتوقيف المؤدية في نهاية المطاف إلى التدمير، ولهم كل الحق في أن يحددوا له ما يرونه هم صالحا ومناسبا وموافقا له، وإن سلك شرقا أو سار غربا أو توجه شمالا أو مشى في طريق الجنوب فسيجد فيها فئة من بني جلدته متهيئة له بالمرصاد تعترض مساره وتوجه له أشد الاتهامات وأقصاها، لا تريد له أن يسير في مسار يعارض خطها السياسي أو المذهبي أو الفكري او الاجتماعي أو التقليدي، أو يخالف رأيها وقناعاتها في أي أمر أو شأن أو حال تراه، ولا ترغب أن يتبوأ نجاحا خارج إرادتها وبدون رغبتها وبدون جواز مرور منها ممهور باسمها، بل ولا تريد له التحرك والانطلاقة والبحث والتحدث بحرية تؤثر على مصالحها أو قراراتها أو أهدافها أو بما يؤدي إلى خروجه بعد ذلك عن نطاق السيطرة، الأسرة، الأب والمعلم، رجل الدين والمذهب، الحزب والقبيلة، المجتمع، المعارضة، الدولة جميعها تمارس هذا الدور الإشرافي على المواطن الفرد بإختلاف ميولهم وتوجهاتهم وأفكارهم ومذاهبهم ومشاربهم ومواقعهم، فيهم من يترصد خطواته ومن ينتقد توجهاته ومن يملي عليه إراداته وأجندته وأفكاره ومن يعمل جاهدا على استقطابه، إلى جانب أن ثقافة الحسد والغيرة والتحكم والوصاية والتعصب والأهواء والمصالح الشخصية التي ابتليت بها الثقافة العربية لا تريد ولن تسمح لأحد أن يجتهد وأن يأتي بالجديد أيا كان هذا الجديد علما أو فكرا أو فنا، أو يحقق نجاحا وهدفا كبيرا وسبقا لم يسبقه إليه أحد وينطلق إلى المعالي خارج نطاق المجموعة أو خارج نطاق النظام الرسمي، والأمثلة على ذلك عديدة ومتزاحمة، فالكثير من المفكرين والمبدعين والعلماء وأصحاب الابتكارات في عالمنا العربي إما أنهم تلاشوا وذابوا وانتهوا إلى لا شيء بعد ظهور سريع وسطوع لم يدم كثيرا كنتيجة طبيعية لتلك الأسباب ، أو أنهم انطلقوا إلى بلاد الله الواسعة هاربين مما وجدوه وسيجدونه ليحققوا طموحاتهم ويواصلوا أبحاثهم واجتهاداتهم ودراساتهم ويعملوا في جامعات ومراكز أبحاث ومستشفيات ومؤسسات الغرب، وحتى مؤلفاتهم وكتبهم وأبحاثهم ودراساتهم حرمنا منها لأنها صدرت بلغات الدولة التي يعيشون ويعملون فيها.
فإن كان على كل مبدع ومفكر وعالم وصاحب منهج وباحث أن يحرص لزاما في طرحه وفي آرائه وفي دعوته وما يقدمه من إبداع على عدم الخروج على العرف أو على التقليد أو على البدعة التي يؤمن بها بضعة نفر أو الخط الذي يسير عليه أفراد مجتمعه أو أسرته ، وإن كان عليه ضمان إرضاء نظامه السياسي، فهل نتوقع أن يشهد عالمنا العربي إبداعا أو حراكا أو تحديثا أو تجديدا أو تغييرا إلى الأفضل أو خطوات ملموسة إلى التقدم؟ وهل سيقف المواطن العربي في مفترق تلك الطرق جامدا ساكنا لا يتحرك أشبه بالموات ؟ وإن ظل في مكانه فكيف له أن يتقدم ويتطور وينفض عن ردائه ثوب التخلف والجهل والفقر؟ ولماذا تظل طرقنا هي الوحيدة من بين طرق ومسالك العالم خطرة لن يسلم الماشي فيها من الفخاخ ومن الشراك؟ وهل لذلك ارتباط بثقافة الإنسان العربي وبطبيعته ونمط حياته وسلوكه ؟ إننا أمام واقع خطير يتطلب منا جميعا العمل على معالجته وتغييره لتهيئة بيئة صحية يشعر السائر في طرقها بالاستقرار والأمان والاطمئنان، وبأن أعماله وجهوده وإبداعاته واجتهاداته محل تقدير وتشجيع، وأن الوسائل والبرامج والأدوات والمؤسسات جميعها تعمل معه لإنجاز مهمته وأعماله حرصا على المصالح العامة للأمة، فنحن في أمس الحاجة اليوم إلى المبدع والمفكر والمجتهد والباحث وأصحاب الكفاءات والخبرات من أي يوم مضى ، وبدلا من أن ندفع بهؤلاء قهرا وقسرا إلى الهجرة إلى خارج أوطاننا فتستفيد منهم الأمم الأخرى ونحرم نحن من خدماتهم وإنتاجهم الخصب ، علينا أن نعمل ونسعى ونحرص على الإبقاء والحفاظ عليهم من خلال تحسين وتجويد ومعالجة الأوضاع والثقافة والبيئة التي نعيشها.