إجابة الدعوة
أخي القارئ الكريم تحدثنا في اللقاء السابق عن إفشاء السلام وعلمنا أنه حق واجب على كل مسلم لأخيه المسلم وعلمنا أن السلام اسم من أسماء الله تعالى وإفشاء السلام ثوابه عظيم ولقاؤنا اليوم مع الحق الثاني من الحقوق الواجبة على المسلم لأخيه المسلم ألا هو إجابة الدعوة أي إذا دعاك أخوك المسلم إلى منزله لتناول طعام أو غيره فأجبه فإجابة الدعوة حق واجب على المسلم لأخيه المسلم لما فيها من جبر قلب الداعي وجلب المودة والألفة لذا حث الإسلام على إجابة الدعوة كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت) ( الكراع ) كراع الشاة وهو ما دون الكعب ومستدق الساق وهو شيء حقير فأشار صلى الله عليه وسلم بالكراع إلى إجابة الدعوة ولو على شيء قليل وفيه دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعوه إلى منزله ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل قال المهلب: لا يبعث على الدعوة إلى الطعام إلا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الذمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الإجابة ولو نزر المدعو إليه وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر وجاء أيضا في سنن أبي داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ) إذا دعاك فأجبه أي: دعاك لدعوة طعام وشراب فاجبر خاطر أخيك الذي أدلى إليك وأكرمك بالدعوة وأجبه لذلك إلا أن يكون لك عذر وجعل الممتنع عنها عاصيا لله ورسوله كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ) رواه أبو داود فيا أخي القارئ الحبيب لا تميز الغني بالإجابة عن الفقير فذلك التكبر المنهي عنه فمن المتكبرين من يجب الغني إذا دعاه ولا يلبي دعوة الفقير ولنا في رسول الله القدوة والأسوة فكان صلى الله عليه وسلم يجلس مع المساكين ويحب المساكين وهذا هو الحسين بن علي رضي الله عنهما ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء رضي الله عنها قد مر بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على قارعة الطريق وقد نشروا طعاما لهم على الأرض وهو عبارة عن قطع من الخبز وجلسوا يأكلون فمرَّ عليهم الحسن وهو على بغلته فسلم عليهم فردُّوا عليه السلام قالوا: هلمَّ إلى الطعام يا ابن بنت رسول الله فقال نعم إن الله لا يجب المستكبرين فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل ثم سلم عليهم وركب بغلته وقال: قد أجبتكم فأجيبوني قالوا: نعم فوعدهم وقتا معلوما فحضروا فقدم إليهم فاخر الطعام وجلس يأكل معهم .
ومن شرط وجوب إجابة الدعوة هي أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما- على الأصح- وأن لا تتضمن الإجابة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمنت ذلك حرمت الإجابة وأن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن تحتاج إجابة الدعوة إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم وينبغي أن لا يكون عند الداعي ما يتأذى من حضوره من منكر أو غيره وأن يختص باليوم الأول فقد تكون الوليمة أياما فعلى المشهور إن دعي في اليوم الأول منها وجب عليه أن يجيب وإن دعي في الأيام التالية لم يتوجب عليه الإجابة وإن سبق داع غيره وجبت إجابته دون الثاني لما أخرجه أحمد وأبو داود عن رجل من أصحاب النبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما ديارا فإذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق ) يعني إذا دعاك اثنان أجب أقربهما بابا فله حق الجوار وإذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق ولو كان المسبوق جارا والسابق غير جار
فإن استويا في القرب والبعد قال العلماء أقرع بينهما ويوضح هذا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: إلى أقربهما منك بابا ) كما أن دعوة المسلم ليست بالسهلة وبعض الناس لا يجيب إلا طائفة من الناس لكبر في نفسه فلا يجيب إلا طائفة الأغنياء والمترفين والسادة أما المساكين والفقراء والمحرومون فيجد خجلاً أن يذهب إلى بيوتهم سبحان الله! أأنت أكرم أم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟! يقول صلى الله عليه وسلم: ( لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت ) تدعوه العجوز على كسرة خبز فيذهب فيجلس على حصير ويأكل معها وهو حبيب الله وأشرف خلق الله أجمعيين
هذا وللحديث بقية إن شاء الله تعالى مع الحق الثالث والرابع ( وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته )
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه آآآمين والله الموفق لما فيه الخير والرشاد

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج
إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد ـ حلة السدر ـ السيب