[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
حقيقة, أن المعارضة, التي باتت لا تملك شيئا على الأرض, بل تعيش مرحلة "وهم القوة" غير الموجودة إلا في أذهان قادتها, وممن يدفعون إليها الأموال الطائلة, ويدفعون إقامة أفرادها في فنادق الخمس نجوم وتكاليف رحلاتهم على الدرجة الأولى, حقيقة أنهم افتقدوا الصراحة والوضوح لذكر الأسباب الحقيقية لمقاطعتهم, وهي أن أوامر صدرت من عدة عواصم لهم بالمقاطعة..

بداية, فإن الناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف أعلن صراحة قبيل انعقاد المؤتمر: أن المؤتمر لن يضع حلا للصراع في سوريا, ولكنه سيقارب وجهات النظر بين الأفرقاء السوريين في محاولة تسمية لجنة دستورية تشرف على التعديلات الدستورية. من جانبها, فقد أعلنت ماريا زخاروفا أن حوالي 1600 ناشط سوري سيحضرون المؤتمر. للعلم حضر المؤتمر 1511 ناشطا, بمعنى أن روسيا كانت تضع في حساباتها تصورا واقعيا للمؤتمر, ووضعت في حساباتها إمكانية مقاطعة قسم كبير من الهيئة العليا للمعارضة, التي تألفت من ثلاث منصات: منصة الرياض, منصة اسطنبول ومنصة موسكو, التي تحتوي المعارضة داخل سوريا أيضا. بالفعل صوّت 26 معارضا مع المقاطعة من 36, أين أن نسبة 28% هم مع الحضور. البعض ممن صوت مع المقاطعة سمحت لهم موسكو الحضور بصفة شخصية. هؤلاء انقسموا قسمين: الأول ظل في المطار رافضا الذهاب إلى القاعة معتبرا أن تركيا تمثلهم, الجزء الثاني الذي حضر, جاء للتشويش على سير أعمال المؤتمر!
المقاطعون في إبداء أسبابهم للمقاطعة ذكروا أن مؤتمر سوتشي سيكون بديلا عن مسار جنيف! وأنه دفن لقرار الأمم المتحدة حول سوريا رقم 2254. الرئيس بوتين في الخطاب الذي ألقاه بالنيابة عنه سيرجي لافروف كان واضحا في أن مؤتمر سوتشي لن يكون بديلا عن مسار جنيف, وأن الحل في سوريا سيكون وفقا للقرار الأممي. لقد راهن المقاطعون على عدم حضور ممثل للأمم المتحدة لأعمال المؤتمر. فشل رهانهم وخاب ظنهم, فقد وصف أمين عام الأمم المتحدة جوتيريس قرار المقاطعة, بأنه صفعة قوية للجهود المبذولة لحل الأزمة السورية من خلال الحوار السياسي, وأن المعارضة أخطأت تماما في قرارها المتسرع.

حقيقة, أن المعارضة, التي باتت لا تملك شيئا على الأرض, بل تعيش مرحلة "وهم القوة" غير الموجودة إلا في أذهان قادتها, وممن يدفعون إليها الأموال الطائلة, ويدفعون إقامة أفرادها في فنادق الخمس نجوم وتكاليف رحلاتهم على الدرجة الأولى, حقيقة أنهم افتقدوا الصراحة والوضوح لذكر الأسباب الحقيقية لمقاطعتهم, وهي أن أوامر صدرت من عدة عواصم لهم بالمقاطعة, والعواصم هي واشنطن, تل أبيب, أنقرة وبعض عربية بالطبع. إن الهدف الواضح لهذه الأطراف, هو إعاقة حل الأزمة السورية والإبقاء عليها مشتعلة, في انتظار ظروف ميدانية وإقليمية ودولية مواتِية لمخطَّطها, الذي لم تتراجع عنه منذ سبع سنوات قارفت خلالها كل الجرائم والارتكابات, من تسهيل لعبور الإرهابيين وتسليحهم وتدريبهم وتوفير المعلومات والملاذات الآمنة لهم, وانتهاكها السافر للسيادة السورية. هذا في ظل تسريبات أميركية (تصريح وزير الخارجية تيلرسون) الذي كشف فيها حقيقة السياسة الأميركية في سوریا, فهو قد قال: إن الجیش الأمیركي سیبقى في سوریا لتحقیق الهزيمة الكاملة لـ"داعش", ولمواجهة نفوذ إیران, ولإسقاط الرئیس السوري بشار الأسد, لأن مصلحة أمیركا الوطنیة توجب الحفاظ على وجود عسكري ودبلوماسي في سوریا, ومنع تنظیم "داعش" من الظهور مجددا, وأن عدم الالتزام بذلك من قبل أمیركا, سیوفّر لإیران فرصة ذهبية لتعزیز مواقعها في سوریا والسیطرة على المنطقة. إسرائيل من جانبها تهدد بعدم السماح لإيران ببناء قواعد لها في سوريا, وتهدد بضرب قوافل السلاح التي ترسل من سوريا إلى حزب الله.
إن كل ما يجري من عسكرة في سوريا له أهداف متعددة: خدمة مبدأ أساسي أمني إسرائيلي نصه: عدم السماح لأي طرف عربي بامتلاك أية أسلحة متطورة تهدد أو قد تهدد الأمن الإسرائيلي. امتلاك قواعد عسكرية متقدمة في سوريا, تماما كالست قواعد الأميركية في العراق, فهل یمكن لعاقل أن یصدق أن العشر قواعد الأميركية التي يجري بناؤها في الشمال والشرق السوري هي من أجل قتال داعش؟ هل يمكن أخذ هذا الأمر على محمل الجد أو حسن النیة؟ وهل احتلال أمیركا لأجزاء من شمال وشرق سوریا هو أيضا لقتال داعش؟ یعلم القاصي والداني أن أمیركا هي المصنّع والمسلّح الأول لـ"داعش", وهذا ما أثبتته الوثائق الأمیركیة السریة, وصور الأقمار الصناعیة الروسیة, والاتهامات الرسمیة الروسیة التي تجاهلتها أمیركا, والأحداث على الأرض التي كشفت قیام القوات الأمیركیة بنقل عصابات التكفیریین من "داعش والنصرة" من المناطق المحاصرة من قبل الجیش السوري وحلفائها إلى مناطق أخرى. لم یأتِ الأمیركیون إلى سوریا لمحاربة "داعش" والتكفیریین, ولكنهم أتوا لإطالة أمد الحرب واستنزاف سوریا وتفكیكها, وزیادة معاناة الشعب السوري, ولمنع إیران من البقاء في سوریا, ولإبقاء حزب الله, عدو إسرائیل اللدود تحت عیونها, وفي مرمى نیرانها في الوقت المناسب ولإقامة توازن مع الوجود الروسي وذلك حمایة لإسرائیل, وكل من یعتقد أن لأمیركا بوصلة غیر إسرائیل وأمنها وحمایتها فهو مخطئ. كذلك هو الغزو التركي الطامح لأهداف توسعية عثمانية في حلب والموصل. نعم, نجح مؤتمر سوتشي.