[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
إن حكام "إسرائيل" وقادتها من سياسيين، وعسكريين، وأمنيين، يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى، معنى الواقع العام لقطاع غزة، ومعنى الاحتقان المتراكم وإمكانية انفجاره في وجه دولة الاحتلال، لذلك بدأ بعضهم يقدم اقتراحات محددة كمشروع إقامة جزيرة على ساحل قطاع غزة للتخفيف من وطأة الاكتظاظ السكاني، كما في ضم شريط من سيناء المصرية على طول الحدود مع مصر في إطار أفكار تنوي حكومة نتنياهو طرحها بواسطة الطرف الأميركي.

قطاع غزة، الذي تمنى فيه إسحق رابين "أن يصحو ذات يوم وقد ابتلعه البحر"، يتسع اليوم أكثر من أي وقت مضى، يتسع بتعداد سكانه فيستقبل خمسة مواليد جدد كل ساعة، كما يتسع بحضوره السياسي المُقرر في مسار الأحداث في فلسطين حيث المصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة.
فبعد أكثر من عشرِ سنوات من الحصار "الإسرائيلي" الظالم، ومن الانقسام الداخلي الفلسطيني، وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة إلى نقطة الصفر. فقد تجاوزت أزمات قطاع غزة المُتوالدة عن الواقع السائد منذ العام 2007 كل الحدود، حيث الحالة الإنسانية الكارثية، والضائقة الاقتصادية، وازدياد مُعدّلات الفقر والبطالة، والتي وصلت إلى سقوف مرتفعة. فالبطالة تجاوزت حدود الــ(65%) من بين القادرين على العمل والإنتاج وفق مُعطيات الهيئات الدولية والإنسانية. عدا عن تَعَطّل نحو 5000 منشأة اقتصادية عن العمل بسبب من نقص المواد الأولية، وبالتالي تراجع التنمية في القطاع من الناحية الاقتصادية البحتة.
قطاع غزة، المنطقة الأكثر اكتظاظا في العالم، حيث يُقيم على مساحة القطاع الحالية والبالغة نحو (366) كيلومترا مربعا، نحو مليوني إنسان، منهم نحو مليون وثلاثمئة ألف نسمة من اللاجئين الفلسطينيين. فنسبة (71%) من عدد السكان في قطاع غزة هم لاجئون فلسطينيون من المناطق المحتلة عام 1948 والباقي من المواطنين من أبناء مدينة غزة وجوارها. ووفق المعطيات التي قدمها المكتب الفلسطيني الإحصاء، فإنَّ عدد سكان قطاع غزة وصل إلى مليونين و95 ألف و132 نسمة حتى نهاية العام المنصرم 2017، بنسبة 51% ذكور، و49% إناث، فيما 82% من سكانه ومواطنيه أعمارهم أقل من 40 عاما، ونحو 945 ألف نسمة أعمارهم تقل عن 18 عاما، وما يزيد عن 290 ألف نسمة من سكان القطاع تقع أعمارهم بين 18 عاما إلى 25 عاما، وأكثر من 143 ألف نسمة من سكان قطاع غزة من الفئة العمرية بين 30 عاما إلى 35 عاما. فالمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، مجتمع شاب.
لقد صدرت تحذيرات متكررة، من أكثر من جهة دولية تعمل في القطاع، ومنها وكالة الأونروا، أن العام 2020 سيكون الأصعب على قطاع غزة، وستصعب الحياة فيه في حال لم يتم تدارك هذا الوضع الكارثي الذي بات يطول كل مرافق الحياة اليومية، بما في ذلك النقص الحاد المتتالي في موارد المياه الصالحة للشرب، والاستخدام المنزلي.
العديد من المؤسسات الدولية تشير إلى أن هناك احتمالا بأن يكون قطاع غزة مكان غير صالح للعيش بحلول عام 2020، وكذلك عدم صلاحية مخزون المياه فيها للشرب بحلول العام المذكور، حيث ارتفعت نسبة ملوحة المياه التي يستهلكها سكان القطاع إلى أربعة أضعاف النسبة القصوى التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
إن مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني في القطاع من أصل مليوني مواطن فلسطيني يشكّلون إجمالي سكان القطاع، يعيشون عمليا على المساعدات الأممية، وهناك أكثر من ربع مليون عاطل عن العمل، والكهرباء تصل السكان ثماني ساعات يوميا في أحسن أحوالها، إضافة إلى أن (50%‏) من المنازل التي تم تدميرها بشكل كلي أثناء عدوان 2014، لا تزال تنتظر الإعمار، حيث التعطيل "الإسرائيلي" المُعلن والمقصود أمام الأسرة الدولية.
إن هذا الواقع المعاش في قطاع غزة، جاء واستدام مع استمرار الحصار المفروض على عموم القطاع منذ العام 2007، مع اعتبار سلطات الاحتلال لقطاع غزة كيانا معاديا، حيث عملت على تقييد حركة مرور البضائع بشكل غير قانوني وإنساني وأخلاقي، ومنعت إدخال نحو (500) صنف من المستلزمات الأساسية خاصة اللازمة للصناعة، وأغلقت جميع المعابر ما عدا معبر (كرم أبو سالم) بين القطاع والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الذي يفتح بشكل جزئي وتحت إرادة ومشيئة الاحتلال و"كرمه"، كما في منع السكان من المرور عبر معبر بيت حانون (حاجز إيرتز) باستثناء من تمنحهم سلطات الاحتلال تصاريح خاصة.
دولة الاحتلال، تحاصر قطاع غزة من البر والبحر والجو، وتشن حروبا مستمرة على القطاع، بلغت ذروتها ثلاث مرات بين 2008 و2014، حيث أحصت الأمم المتحدة 2251 فلسطينيا فقدوا أرواحهم في تلك الحروب العدوانية التي استهدفتهم، منهم 551 طفلا، ولا يزال نحو 100 ألف شخص بدون مأوى في غزة.
إن إجراءات الاحتلال المتتالية بحق قطاع غزة، وعموم مواطنيه، والاعتداءات العسكرية من حين لآخر، أوصلت الحالة العامة في قطاع غزة إلى حدود كارثية، حيث يعيش 80% من أبناء ومواطني القطاع تحت خط الفقر وفق معطيات وكالة الأونروا وعدة مؤسسات دولية مع نهاية العام 2017.
إن حكام "إسرائيل" وقادتها من سياسيين، وعسكريين، وأمنيين، يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى، معنى الواقع العام لقطاع غزة، ومعنى الاحتقان المتراكم وإمكانية انفجاره في وجه دولة الاحتلال، لذلك بدأ بعضهم يقدم اقتراحات محددة كمشروع إقامة جزيرة على ساحل قطاع غزة للتخفيف من وطأة الاكتظاظ السكاني، كما في ضم شريط من سيناء المصرية على طول الحدود مع مصر في إطار أفكار تنوي حكومة نتنياهو طرحها بواسطة الطرف الأميركي. فأصحاب الوجهة إياها يقولون إنه ‏"ليس لدى إسرائيل وقت للانتظار، فالواقع يتطلب قرارات". بينما طالب آخرون بتخفيف وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة، خوفا من انفجار الأوضاع الإنسانية فيه، وتأثير ذلك الانفجار بشكل كلي على "إسرائيل"، كونه سيكون باتجاههم، وهو ما ليست مستعدة له الجبهة الداخلية "الإسرائيلية".
وعليه، ووفق المعطيات المتوفرة، والموثّقة، فقد كان العام ٢٠١٧ الأكثر صعوبة من الناحية الإنسانية والاقتصادية، ومن مختلف نواحي الحياة في قطاع غزة مع استمرار الحصار "الإسرائيلي"، وتبعات الانقسام الداخلي الفلسطيني.
إنَّ الواقع الراهن لأحوال قطاع غزة، باتت تتطلب تدخلا دوليا عاجلا يُمارس على الاحتلال حتى ينتهي الحصار "الإسرائيلي"، ويتم عندها فتح جميع المعابر دون استثناء، ووقف العمل بقوائم الممنوعات على المعابر، وتشغيل الممر الآمن الذي يربط قطاع غزة بالضفة الغربية، وتسهيل حركة تنقل الأفراد من خلاله، ورفع الطوق البحري، بما يضمن تشغيل ممر بحري لحين الشروع في ميناء غزة، إلى جانب إعادة بناء وتشغيل مطار غزة الدولي.