قبل 63 عاماً من الآن وصلت برفقة عائلتي إلى مسقط في يناير عام 1955م في باخرة تابعة للشركة الهند الشرقية البريطانية

شارون توماس أسس في عام 1909م أول عيادة في مسقط .. وبعد وفاته استكمل مسيرته ابنه ويلز توماس الذي عرفه العمانيون بـ"طومس"

ويلز توماس درس الطب في أميركا بعدما شاهد في طفولته مرضى البرص والجذام الذين كان لا يسمح لهم دخول مطرح تخوفا من انتقال العدوى بين القاطنين

لعبة كرة التنس الأرضي كانت موجودة في عمان بملعب التنس في مستشفى الإرسالية الأميركية بمطرح

حاوره ـ يوسف الحبسي :
بالقرب من بيت البرندة في مطرح بعدما بدأ عمله السابق في البحرين، أسس شارون توماس عيادته التي كانت أولى لبنات الطب الحديث في مسقط آنذاك عام 1909، وقدم الرجل خدمات جليلة في معالجة المرضى وكانت ترافقه زوجته الطبيبة أيضاً، وكان يعالج ما يقرب عشرة آلاف مريض عماني في العام، توفي شارون توماس بعد أربع سنوات من إقامته عندما سقط من على السلم خلال تركيبه خط للهاتف يربط بين مسقط ومطرح، واستكمل مسيرته ابنه ويلز توماس الذي أسماه العمانيون بـ "طومس".
حبي لهذه البلاد لا حدود له .. هكذا بدأ ديفيد باش أو "داوود" كما يناديه أصدقاؤه العمانيون، حديث الذكريات في لقاء مع " أشرعة " بحضور الشاعر والأديب ذياب بن صخر العامري الذي زودنا بالكثير من الصور الخاصة بالموضوع ، حيث سرد ديفيد الكثير من ذكرياته في مسقط، منذ أن جاء مع والده في يناير 1955م على متن الباخرة التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية، وكان عمره حينها ست سنوات.
وديفيد باش هو ابن الطبيب الجراح دونالد باش الذي كان له دور واضح وملموس في تأهيل الكوادر الوطنية في القطاع الصحي، ومعالجة آلاف المواطنين في مستشفى الإرسالية الأميركية بمطرح، مستعرضاً مسيرة عائلته في عمان.
قضى ديفيد جزءاً من عمره في مطرح ومسقط وزار العديد من الولايات برفقة عائلته خلال عمل والده في مستشفى الإرسالية الأميركية بمطرح، بينما كانت والدته إلويز "خاتون بهيجة" من بين المعلمات في أول مدرسة للبنات في السلطنة خلال خمسينيات القرن المنصرم، وتضم هذه المدرسة تلميذات من مسقط ومطرح، تقلد العديد منهن مناصب في مؤسسات الدولة بحسب ما نقل ديفيد عن والدته التي كانت فخورة بهن.
قصة ديفيد باش الذي قدم إلى السلطنة في سن صغيرة عام 1955 تحمل في طياتها ذكريات بدء مسيرة الطب الحديثة في البلاد.
مع وصول الدكتور شارون توماس وعائلته إلى السلطنة قادما من البحرين عام 1909م وأسس أول عيادة في مسقط يقول ديفيد باش: إن شارون توماس أنشأ عيادة في مسقط عام 1909م بالقرب من بيت البرندة في مطرح بعدما بدأ عمله السابق في البحرين، وبقي و قرينته يقدمان خدماتهما للمرضى حتى وفاته عام 1913م.
وأشار ديفيد باش إلى أن ابنه الدكتور ويلز توماس أو كما هو شائع آنذاك الطبيب طومس، خَلَف أباه كطبيب بمستشفى الإرسالية الأميركية الذي أنشئ بمطرح عام 1933م، وقد قرر ويلز توماس دراسة الطب في الولايات المتحدة الأميركية بعدما شاهد في طفولته مرضى البرص والجذام الذين كان لا يسمح لهم بدخول مطرح نظراً لخطورة انتقال العدوى بين القاطنين، ولعدم وجود أقسام مختصصة في مستشفى الإرسالية الأميركية لمثل هذه الأمراض المعدية، وعاد إلى عمان عام 1939م، لممارسة مهنة الطب برفقة زوجته الممرضة "بث" (خاتون جوهرة) حيث ذاع صيته في ربوع البلاد، وكان لا يتوانى عن قطع مئات الكيلومترات من أجل تقديم خدماته للمرضى برفقة زوجته.
وزار خلال فترة عمله ولايات صحار والرستاق ونزوى والسيب وبركاء وصلالة وغيرها من الولايات، ورغم ذلك لم يكن الدكتور ويلز توماس جراحاً ولكنه تخصص بعد ذلك في طب العيون وأجرى العديد من العمليات في عمان.. مشيراً إلى أن الدكتور ويلز توماس طلب من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان سعيد بن تيمور، إقامة مستشفى للأمراض المعدية "أمراض البرص والجذام"، وتمت الموافقة من قبل السلطان وسُمِيَ المستشفى باسم "مستشفى شارون توماس" نظير جهود والده الدكتور شارون توماس في معالجة آلاف العمانيين خلال الأعوام الأربعة التي قضاها في مسقط.. وبعد 37 عاماً من وفاته دشن هذا المشروع.
وأضاف: إننا لم نلتقِ بأولاد ويلز توماس الأربعة "ولديه "ولدين وابنتين" وقد غادروا قبل وصولنا عمان في عام 1955 للالتحاق بالدراسة الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، وكانوا أكبر سناً منا، وقد تخصص أبناؤه الاثنان بالطب بينما بناته تخصصن في التمريض، ولديّ صورة لأسرة ويلز توماس في صلالة التقطها لهم السلطان سعيد بن تيمور أثناء زيارة عائلة توماس لمحافظة ظفار في إحدى السنوات بدعوة من السلطان، وقضى الدكتور ويلز توماس إجازة لمدة شهر برفقة عائلته في صلالة، وقد تابع خلال هذه الزيارة عام 1950م مجموعة الحالات المرضية ، أي قبل مجيئنا إلى عمان للأستقرار بها بنحو خمس سنوات.
دونالد باش
يسترجع ديفيد باش لحظه وصوله إلى مسقط عبر باخرة للشركة الهندية البريطانية في يناير عام 1955م، بالقول: قبل (63) عاماً من الآن وصلت برفقة والدي الدكتور دونالد باش ووالدتي إلويز باش "خاتون بهيجة" وأخي (بول) وشقيقتي (باني) إلى مسقط في يناير عام 1955م قادما من البصرة وتوقفت في الكويت ثم البحرين وبعدها دبي ومن ثم وصلت إلى مسقط، وكان عمري آنذاك ستة أعوام ، وكان الدكتور ويلز توماس في استقبالنا في مطرح، حيث نزلنا من الباخرة في قوارب صغيرة، واستهل والدي الدكتور دونالد باش عمله جراحاً في الأمراض الباطنية بمستشفى الإرسالية الأميركية في مطرح بدءاً من يناير عام 1955م.
ويقول "باش" : إذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء لممارسة والدي مهنة الطب التي بدأت مع انضمامه كطبيب في الجيش الأميركي قبل الحرب العالمية الثانية لمعالجة الجنود في تلك الحرب بأوروبا الغربية مع ثلاثة آلاف جندي أميركي، وبعد انتهاء الحرب عاد للعمل في الولايات المتحدة الأميركية في مستشفى بنوجيرسي ثم انتقل إلى مستشفى آخر بنيويورك ومنها تخصص في الجراحة، سافرنا بعدها إلى العراق لمدة ثلاث سنوات .. كان والداي يَدْرسُان اللغة العربية حتى يتمكنا من التحدث بها عندما نصل للإقامة بمسقط، ومن خلال الاحتكاك مع المجتمع العراقي استطعت تعلم اللهجة العراقية، وكان أصدقائي العمانيون يطلقون عليّ "العراقي" بسبب تأثري باللهجة العراقية، وبعد نحو أسبوع بدأت استوعب بعض المفردات في اللهجة العمانية حتى أتقنتها.
وأضاف: أقمنا في ذات المنزل الذي يقطنه الدكتور توماس الواسع إذ سافر أبناؤه للدراسة الجامعية قبل وصولنا إلى عمان، وعمل الدكتور "باش" طبيباً وجراحاً بمستشفى الإرسالية الأميركية بمطرح من عام 1955م حتى عام 1970م مع تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم في البلاد، برفقة الدكتور ويلز توماس وزوجته، وقد عمل بمستشفى الإرسالية الأميركية بمطرح والمعروف بمستشفى الرحمة، وكذلك بمستشفى السعادة بمسقط منذ أنشأتهما طائفة من الأطباء والممرضين والموظفين المتخصصين في مجالات مختلفة وذلك إلى جانب الأميركيين وهم من العمانيين والهنود بالإضافة إلى مجموعة من الدول الاستكندنافية ومملكة هولندا والكاتبة البريطانية بولين سيرل التي ألفت كتاباً في بداية عهد النهضة المباركة واسمته "بزوغ الفجر على عمان" ومن الأطباء والممرضين الأميركيين أذكر عائلة توماس وهم خمسة "أربعة أطباء وطبيبة واحدة" وطبعاً والدي الطبيب الجراح دونالد باش، ووالدتي إلويز "خاتون بهيجة" التي كانت لها بصمتها في تعليم البنات بمدرسة الإرسالية الأميركية بمسقط وتضم بعض الأولاد، ومن الأطباء هيوزنك فلت، والدكاترة دريبر، وهارفي دورنبوس، ورئيسة التمريض آن ديانج، والممرضة الشهيرة جانيت بورسما التي عرفها العمانيون باسم "خاتون نعيمة" وكذلك من الممرضات الأميركيات مثل مارشيا نيوهاوس المعروفة بـ"أمينة"، وكارولين جونستون المسماة بـ"منيرة"، والقس دنم، وسنثيا باركر وغيرهم من الأطباء والممرضين الأميركيين، أما من الهنود فكان بينهم مس ميري التي كان يسمى مستشفى مسقط باسمها، والدكتور داس، والممرضة سميترا، والدكتورة اشاما فرجيز، والدكتور سي توماس، والدكتور ماثيو، وأشخاص آخرون من الهنود الذين عملوا في مواقع مختلفة بالمستشفى، ومن هولندا الدكتورة أليس التي ولد بين يديها العديد من الأطفال بمستشفى الولادة بمسقط.
كوادر عمانية
وقال ديفيد باش: وضع كوكبة من العمانيين بصمتهم في مجالات الطب الحديثة في تلك الحقبة من تاريخ عمان واشتهر عدد منهم من أولاد ألماس وهم قمبر ومحمد ومبارك ألماس وأولادهم وبناتهم كحسن بن قمبر، وغريب بن قمبر، وموسى مبارك ألماس، ومن النساء عائشة وخديجة ألماس، وتولى قسم الأشعة والمختبر مال الله عبدالله أحمد، وداوود بن قاسم، أما النوبي فقد تولى حينها علاج الجروح، فيما كان يعمل أحمد جانل بقسم استخراج البطاقات الطبية للمرضى، وهناك العديد من الممرضين العمانيين مثل عبدالباقي عبدالله، ويعقوب ميروك، وموسى وزوجته جوليه، وكان موسى مساعداً للدكتور ويلز توماس في علاج مرضى الجذام والبرص، وزوجته عملت بمستشفى مطرح.
ومن الكوادر العمانية أيضا وديع وربيّع ومبروك وعبدوك، ومنصور بن عبدالله الذي عمل في النجارة بالمستشفى، وجمعة وأخوه خميس اللذين عملا في البناء، ومحمود سبيل، وخلفان عزيز، ومحمود عبدالله، وديشوك، وعوض سالم، وعبدالله بن ناصر الخصيبي، وغلام عبدالله، وعلي يوسف المعلم مزار، وعلي عبداللطيف المعلم مزار، وشاهوه، وعلي بن خلفان بن علي الشيباني، وهناك من النساء العمانيات اللواتي وضعن بصمتهن في القطاع الصحي آنذاك بمستشفى مسقط ومستشفى مطرح ومنهن عائشة، وجوخة، وعزيزة، وأمنة، ومريم موسى عبدالرضا الفارسي، ولطيفة ربيع، والمعلمات موزة، والزون، والأساتذة أميرة عبدالعزيز الكندي، وذياب بن صخر العامري، ومحمد بن علي البحراني، ومحمود بن إبراهيم بن أحمد الرئيسي، الذين كانوا أساتذة في مدرسة الإرسالية الأميركية سواء بمطرح أو مسقط.

دعائم الطب الحديثة
وأشار ديفيد باش إلى أن الدكتور دونالد باش أجرى العديد من العمليات للمرضى وكان لا يتوانى عن الذهاب خارج مسقط من أجل زيارة المرضى وتقديم العلاج لهم، إذ لم يقتصر عمله على المستشفى فقط، بل أسهم في إرساء دعائم الطب الحديث عبر تدريب الكوادر العمانية على ممارسة هذه المهنة.
ومع بزوع فجر النهضة المباركة تم ضم مستشفى السعادة للولادة في مسقط، والمستشفى الأميركي في مطرح إلى مظلة وزارة الصحة، وكان يضم المستشفى الأميركي آنذاك نحو مائة عماني مدربين تدريباً جيداً، وأصبح للدكتور باش دوراً بارزاً بعد تولي جلالة السلطان الحكم في البلاد، وكان بين كبار المدعوين في المناسبات الوطنية.
وقد أنعم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بوسام عمان للدكتور دونالد باش كأول أميركي يتقلد هذه الوسام السامي عام 1972م، تقديراً لجهوده الإنسانية و لتدريبه الكوادر الوطنية في مجال الطب.
بعدها في عام 1974م، أنشأت الحكومة مستشفى خولة وأوعزت إلى الدكتور باش أن يتولى إدارة المستشفى، وكان يعالج آلاف المرضى، وربما كل عائلة عمانية لها فرد تمت معالجته من قبل الدكتور باش، وأنهى والدي ممارسة هذه المهنة عام 1985م.
خاتون بهيجة
كانت خاتون بهيجة معلمة في أول مدرسة حديثة للبنات في مسقط ـ حسبما يذكر ديفيد باشـ، وامتدت رسالتها التعليمية حتى عام 1985م منذ وصولها إلى البلاد عام 1955م، حيث كان التعليم مقتصراً على الصفوف من الأول إلى الرابع الإبتدائي آنذاك وتشمل المواد التي يتم تدريسها اللغتين العربية والإنجليزية بالإضافة إلى مادتي الرياضيات والعلوم، لم تكن هناك مدارس حديثة أخرى في تلك الحقبة من الزمن، وهذا شهادة على إقبال المرأة العمانية على التعليم، وجلّ التلميذات كن من مطرح ومسقط، نظراً لبعد المسافة والطرق الوعرة في ذلك الوقت ، وكان والدتي فخورة بهؤلاء التلميذات العمانيات اللواتي تبؤن مراكز مهمة في مؤسسات الدولة.

ديفيد باش
وتحدث ديفيد باش عن مسيرته التعليمية قائلاً: تعلمت من الصف من الأول إلى الثالث في مسقط، وكنت أدرس المنهج الأميركي برفقة أحد الزملاء من الولايات المتحدة الأميركية الذي كانت والدته معلمتنا في تلك الأيام، وأكملت الصف الرابع في أميركا، وبعدما عدت إلى عمان قرر والديّ إرسالي إلى المدرسة الأميركية في "مدراس" بالهند لاستكمال الدراسة حتى الدبلوم العام، وفي إجازة نهاية العام التي تستمر ثلاثة أشهر كنت أعود إلى عمان، وأسافر من مسقط إلى الهند في باخرة، لكن وبعد خمس أعوام تم إنشاء مطار بيت الفلج في روي، حيث كانت الطائرة التي تقلنا تأخذ (12) مسافراً فقط، وتهبط في دبي ثم الشارقة ثم الدوحة إلى أن تصل البحرين، وتستمر الرحلة قرابة أربع ساعات، ومن البحرين نستقل طائرة كبيرة نسافر بها إلى الهند.
وبعدما انهيت الدبلوم العام التحقت بجامعة في أميركا ودرست الاقتصاد وإدارة الأعمال، وفي كل إجازة أعود إلى عمان سواء أيام الدراسة وحتى حين أصبحت موظفاً سواء في بيروت أو السعودية أو أميركا.
طفولته بمسقط
ويقول ديفيد: كان لدي مجموعة من الأصدقاء العمانيين، وفي ذلك الزمان كان هناك عائلتنا أميركيتان لديهما أولاد، عائلة الدكتورة باش، وعائلة كابنجر مدير مدرسة في مسقط الذي لديه ولد وابنتان، وابن كابنجر كان صديقي الأميركي الوحيد في عمان، وكنت أذهب إلى مسقط حتى أتمكن من الدارسة مع زوجة كابنجر برفقة ابنهما.. مشيراً إلى أن الأوقات كان يملؤها المرح برفقة الأصدقاء العمانيين حيث كنا نلعب التنس والهوكي بالإضافة إلى لعبة "قب توفه" والحواليس (هكذا يقولها ديفيد)، كما كنا نقوم بصيد السمك بالقرب من الطريق الذي يربط بين مسقط ومطرح وهذه أجمل الذكريات التي ما تزال تراودني بين الفينة والأخرى، وما يزال بعض الأصدقاء العمانيين على قيد الحياة ونتبادل الزيارات إلى اليوم ومنهم سيف بن سعيد الذي كان جاري في الخمسينيات واليوم يقطن في ولاية العامرات، ويملك العديد من الصور القديمة، وكذلك ذياب بن صخر العامري الذي كان يعمل في المستشفى حيث كانت مهمته تسجيل المرضى والترجمة والتعليم في مدرسة التمريض مع مدرسين آخرين، ويتم معالجة المرضى الفقراء مجاناً في المستشفى خلال تلك الفترة.
وأتذكر أفضل الأصدقاء سليمان عبدوك الذي فاضت روحه في سن الـ21 عاماً بسبب مرض ألمّ به، وكان والده يعمل في المستشفى، وأيضاً من الأصدقاء غريب بن قمبر الذي تخصص في الطب، مثل والده، ومال الله أحمد مسؤول قسم الأشعة بمستشفى الأميركي بمطرح، والعديد من العمانيين تعلموا الطب من خلال الممارسة في مستشفى الإرسالية الأميركية والتحقوا مع بزوغ فجر النهضة المباركة بوزارة الصحة.
وأضاف: إن لعبة التنس الأرضي كانت موجودة في عمان عبر ملعب التنس الأول الذي يتبع مستشفى الإرسالية الأميركية في مطرح ثم تم إنشاء ملعب آخر في نادي مقبول بمسقط الذي أصبح لاحقاً نادي عمان، وكان ثمة دوري يقام في كرة التنس، وتوج الدكتور دونالد باش بطلا بالدوري عدة مرات.
مغامراته مع والده
ويتحدث ديفيد باش عن ذكرياته مع والده وأخيه بقوله: كنا نقطع بسيارتنا الطريق من مطرح إلى السيب من أجل ممارسة صيد الصفارد وتستغرق الرحلة نحو أربع ساعات للوصول إلى السيب، ونقصد بركاء أيضاً من أجل ممارسة هذه الهواية حيث تستغرق المسافة بالسيارة نحو سبع ساعات ذهاباً، ومثلها إياباً.
وأتذكر فيما مضى أن سيارتنا الجيب علقت في الساحل وكان البحر يتقدم وقام مجموعة من العمانيين بجر السيارة من خلال وصلها بالجمال عبر مجموعة من الحبال، وتمكنوا من إخراج السيارة، وكنا نصل إلى الرستاق والعامرات مع والدي، أما الدكتور ويلز توماس كان أكثر تجوالاً في عمان منا، وفي أحد المرات وصلنا إلى جزيرة مصيرة في السبعينيات لعلاج المرضى برفقة والدي وكانت فرصة للاستجمام والاستمتاع بأجواء هذه الجزيرة، وأذكر في عام 1977 الطوفان الذي ضرب مصيرة ورغم تأثيره على الجزيرة إلا أنه لم تسجل حالات وفاة، وشهدت هذه الجزيرة تطوراً كبيراً حيث زرتها قبل نحو ثلاث سنوات.
وأضاف: كنا نحرص مع نهاية كل أسبوع على مرافقة والدي إلى الساحل لجمع المحار، ونغوض في البحر من أجل جلب المحار الذي تتميز به عمان، ومنها قدم الدكتور دونالد باش (25) نوعاً من المحار العماني لمتحف التاريخ الطبيعي في نيويورك بأميركا وألف أربعة كتب عن المحار في السلطنة خلال الفترة (1982 ـ 2002م) وكان الدكتور دونالد باش بالإضافة إلى مهنة الطب التي يمارسها خبيراً في المحار والأسماك في المياه العمانية.
عهد النهضة المباركة
وقال ديفيد باش: فرحنا كثيراً بتولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم في البلاد، ولمسنا مراحل البناء والتطور الذي أصبحت عليه السلطنة بعد بزوع فجر النهضة المباركة إلى اليوم والذي شمل كافة القطاعات ومناحي الحياة ومنها الإنسان العماني، وربما أنا أحد الشهود الأحياء الباقين على قيد الحياة من الغرب الذي عايش مراحل مسيرة النهضة المباركة، وأسجل شهادة للتاريخ العماني بصفة عامة بأن شعب عمان كان ولا يزال مضيافاً وخلوقاً ويملك الحب والإبتسامة سواء في الحقبة السابقة أو بعد النهضة المباركة، فلقد عرفتهم منذ زمن طويل.
ماذا درس ديفيد؟!
وأشار إلى أن أبناء الدكتور دونالد باش لم يتخصصوا في الطب مثل والدهم، فأنا مثلا ـ يقول ديفيد باش ـ تخصصت في الاقتصاد وإدارة الأعمال، وأخي بول تخصص في الجيولوجيا، أما أختي (باني) فقد تخرجت معلمة في اللغة الإنجليزية، وعمل بول في التنقيب عن النحاس في وادي الجزي بولاية صحار في السبعينيات من القرن المنصرم .. وأنا اليوم أب لطفلين "ذكر وأنثى" ولدا في المملكة العربية السعودية حيث كنت أعمل سابقاً في الدمام، ومنذ كانا طفلين أحرص على جلبهما إلى مسقط والزيارات لم تنقطع عن هذا البلد إلى اليوم مع اقترابي من عمر السبعين عاماً.
وفاة الوالدين
ويختتم ديفيد اللقاء قائلاً: توفيت والدتي "خاتون بهيجة" في أواخر أكتوبر عام 2016م عن (97) عاماً، وكانت تتمنى أن تتوفى في عمر (100) عام!! أما والدي الدكتور دونالد باش فقد توفي قبلها في عام 2012م بمستشفى خولة الذي كان أول مدير له، عن عمر (94) عاماً، طبعاً كلاهما كانت وفاتهما في السلطنة وتم دفنهما أيضاً هنا، وقبل وفاته طلب أن يبقى في السلطنة وقال هذه بلدي ولم يعد إلى أميركا.