قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾
[الحجرات:11]َ
اخي القارئ نزاصل ما تبقى من هذا الموضوع
أيها الأحبة :
هذا القرآن أمامنا ، ليس فيه إلا صنفان :
مؤمن وكافر
محسن ومسيء
مستقيم ومنحرف
وهذا هو التقسيم الحقيقي، وأيّ تقسيمٍ آخر فتقسيمٌ جاهلي لا قيمة له !
* النبي عليه الصلاة والسلام سمع كلمة قالها رجل بحق إنسانٍ أسود البشرة،،
قال له: يا بن السوداء
فقال له النبي عليه الصلاة و السلام: ((إنك امرؤٌ فيك جاهلية )).
فالجاهلية : أن تستخدم مقاييس غير مقاييس القرآن،، وأن تزن الناس بميزان غير ميزان الكتاب والسنة،، وأن تعظِّم إنساناً بماله وتعظمه لقوته وأن تحابيه لقربه منك ،،،،، فكل ذلك مقياس جاهلي!!

فالمؤمنون جميعاً يُقَيَّمون : بمقياسٍ واحد و بمعيار واحد ..والإنسان كلما اقترب من الإيمان ،،اقترب من مقاييس القرآن،،فلا يُعَظِّمُ إلا المؤمن،،
ولذلك:النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))
*إذاً من خلال تحركنا بهذه الآية يتضح لنا :
تحريم أن يعيب المؤمنون بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية،،،
1) أما الصفة الخَلْقية التي تعود إلى الخلقة فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه - عز وجل - فالذي خلق الإنسان هو الله عزوجل.. والذي جعله على هذه الصفة هو الله عزوجل..والإنسان لا يمكن أن يكمل خِلقته فيكون الطويل قصيراً !! أو القصير طويلاً !! أو القبيح جميلاً !! أو الجميل قبيحاً ؟
فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته فقد عبت الخالق في الواقع !!!
إذاً لننتبه،،، ونزيل الغشاوة التي وضعها الشيطان أمام أعيننا فالمسألة خطيرة
2) أما عيبه بالخُلُق :
بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب ، شديد الانتقام ، بذيء اللسان ، فلا تعبه؛ لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب ، ولهذا جاء في الأثر: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» ، وقد ورد في الأثر أيضا أن : «من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله»!
ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل :
((لو رأيت رجلا يرضع عنزاً فضِحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع))
وعن عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول ،،
لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً!!
أنظر كيف فهموا أمر الله و أنتهوا عن نهيه ، حتى أنهم يخشون السخرية من الحيوانات ...
*وفي قوله عز وجل : {عسى أن يكونوا خيراً منهم } ،،،، حقيقة تعكس ما نراه في واقعنا :
فرب ساخر اليوم مسخور منه في الغد،،، ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد،،،
انظر في نفسك وحياتك وحياة من حولك.. وكيف يتغير حال الناس بين لحظة وضحاها..
كن شاكراً لله و أحذر من داء السخرية الذي يفتك بصاحبه ..
******
ونحن عندنا مشكلة : لو أنّ إنسانًا أخطأ ثم تاب،، فكلما رأيناه تذكرنا ذلك الخطأ !!
وهذا من لؤم الإنسان
*امرأةٌ زلّت قدمها في عهد سيدنا عمر وأقيم عليها الحد،،وبعد حين جاء من يخطبها،،فجاء أخوها لسيدنا عمر يستفتيه:
" أأذكر للخاطب ما كان منها ؟؟"
فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن قال له: "والله لو ذكرت له لقتلتك ".
و نحن تمر علينا القصص الكثييرة عن فتيات اخطأن في حياتهن ثم تغير حالهن ،،فلما يتقدم لهن من يخطبهن !! ترى ألسنة الناس لا تتوقف عن ذكر ما فعلته هذه الفتاة !
ف كم من خطبة أُنهيت
وكم من أسرة تفرقت
بسبب ألسنتنا التي تفضح ولا تستر !
*وفي قصة نبي الله يوسف عليه السلام ،،،
إخوة يوسف عليه السلام ماذا فعلوا بأخيهم ؟ ألقوه في الجب لماذا ؟ ليموت،،أي أرادوا قتله !!
ولكن عندما دخلوا عليه بعد ذلك قال:﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾
لماذا لم يذكر الجب ؟
رغم ان الجب أخطر ! فالإنسان تكون حياته مضمونة في السجن،، وغذاؤه موجود ،،لكن تؤسر حريته، أما في الجب فموته محقق!
لماذا يا أيها النبي الكريم لم تذكر موضوع الجب بل ذكرت موضوع السجن ؟
إنه لم يذكر الجب لئلا يذكِّر إخوته بعملهم السابق !!
*فإذا كان لك أخ تاب من موضوع فهل تظل تذكره بالموضوع؟!
ليس لك حق ،،، لقد غلط في حياته، وتاب وأنتهى الأمر ..فالكمال يقتضي إذا وقع أخ في ذنب وتاب منه فعليك أن تتجاهله تجاهلاً كاملاً .
وهذه إحدى قواعد التعامل مع المؤمنين :
( أنه إذا ترك الإنسان ذنباً فلا تذكّره به ! )
فلا تذكِّره به لا من قريب، ولا من بعيد،،،، ولا إشارة ولا عبارة، ولا تنويهاً،ولا تعليقاً ..فالذنب شؤمٌ على غير صاحبه:
إن ذكره أمام غيره فقد اغتابه،وإن عيَّره ابتلي به،وإن رضي به شاركه في الإثم!!
ولتشكر الله عزَّ وجل على أن نجَّاك من هذا الذنب وادعُ لأخيك بالتوبة منه .
********
((وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ))
لا يلمز بعضكم بعضاً ؛ لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان،أخوك بمنزلة نفسك فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك! المؤمن ينادي أخاه المؤمن بأحب الأسماء إليه. فهذا هو المؤمن.
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
لا تقل: أنا أمزح ! لأن مزاحك قد يجرحه !!
و لا تنسى موقف السيدة عاائشة عندما قالت إن صفية إمرأة قصيرة فقال لها الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ). كلمة واحدة فقط ستفسد البحر !!
ونحن نمزح و نسخر و نقول الآف الكلمات ولا نلقي لها بالاً !!
* ذكر الإمام الغزالي رحمه الله أفات اللِّسان، وكانت نحو أربعة عشرة آفة منها:
المحاكاة ،،،، وتقليد بالمشي ،،،،، وأن تصف الإنسان باسم لا يحبّه .
* معلِّم يدّرس بالابتدائي ،،إذا كان في اسم أحد الطلاب إشكال غيَّرهُ !حتى يرفع معنويَّاته!!
فهل فكرنا يوماً برفع معنويات شخص ألتقينا فيه ولو بإبتسامه !!
* روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه) ، ولهذا كانت (الكنية) من السنة والأدب الحسن.
* قال عمر رضي الله عنه : أشيعوا الكنى فإنها منبهة ، وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب .
* و حبيبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً فسأله: من الرجل ؟ قال له: زيد الخيل،
فقال عليه الصلاة والسلام: "زيد الخير"..
* و سأل عليه الصلاة والسلام فتاة صغيرة، "ما اسمكِ يا فلانة؟ "
قالت: عاصية
قال: " بل أنتِ جميلة "
اللهم صلّ عليه وسلم ،،،، غيَّر الأسماء الجاهلية كلها ..
فالدروس المستفادة للإنسان هي أن :
*لا يكن طَعَّاناً ولا عَيَّاباً ولا منتقداً ولا يكن معول هدمٍ في المجتمع ،،، بل يكون بَنَّاءً.
* ولا يكن سلبياً ولكن يكون إيجابياً.
* ولا يبحث عن العيوب بل يبحث عن الفضائل ويوسِّعها وينَمِّيها.
*وإذا جلس مع إنسان فليبحث عن نقاطه الإيجابية ولا يلتفت إلى عيوبه،ويُثنِ عليها تنمُ،
أما إذا تغافلت أيها المؤمن عن إيجابيته ونقَّبت في عيوبه فهذا موقف سلبي هدّام .
فلا تكن معول هدمٍ في المجتمع ولكن كُنْ أداة بناء
*****
بعض اﻷفكار التي تساعدنا على التحرك بالآية وتطبيقها في حياتنا:
* إذا ارتكبنا الذنب مثل السخرية أو غيرها ممكن نكفر عن الذنب بالدعاء عن ظهر غيب للأشخاص الذين سخرنا منهم .
* نعود أنفسنا على الصدقة أو الصلاة ركعتين كلما ارتكبنا هذا الذنب.
* اﻹبتعاد عن أصدقاء السوء الذين يعيبون ويسخرون ويلمزون على الناس.
* بدلا من السخرية من اﻷقوام اﻷخرى نقوم بمدحهم وذكر محاسنهم.
* حث الاطفال وتربيتهم على عدم السخرية.
* منع تداول النكت الساخرة عن اي قوم أو أشخاص.
*اذا كنا في مجلس ما وتحدث أحدهم يسخر من آخر ننصحه بالكلمة الطيبة.
* إقامة حلقة ذكر في المنزل لتدبر هذه اﻵية ومناقشتها والعمل بها.
* استشعار الآية ومحآولة تطبيق ما جاء بها والعمل بها وحث الآخرين على ذلك .
* محااسبة النفس وفرض العقااب في حالة السخرية كحرماان النفس من شئ تشتهيه.
* تعليق لوائح في المنزل للتذكير تحتوي على أحاديث أو الآية التي تحث على عدم السخرية .
* تعويد اللسان على ذكر محااسن النااس وذكرهم بأحب الأسماء كمنااداتهم بكنايتهم أو أي اسم محبب.
* نستشعر أن التنابز بالألقاب لايجوز و أن السخرية من الأخرين شئ قبيح .
* نتذكر عيوبنا قبل تذكر عيوب الآخرين .
* نقتدي بسنة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم ونعود أنفسنا بذكر محاسن الناس.
* نتقي الله في أنفسنا وفي الأخرين ، ونتذكر بأن هناك عقاب وحساب من رب العباد.
* نحب لأخينا المسلم مانحبه لأنفسنا ، فكما لانحب أحد أن يسخر منا فلا نسخر من غيرنا.

اعداد ـ جوخة الحارثية