[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تؤكد الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية دولة الاحتلال الإسرائيلي أنهما ماضيتان في مخططهما التآمري على سوريا من منطلق ما يوحدهما من أهداف ومشاريع، وهي إخضاع المنطقة للاستعمار الصهيو ـ أميركي وحده، وعدم ترك ثقب إبرة لمنافسيهما في هذه المنطقة الحيوية؛ فسوريا وفق المنظور الصهيو ـ أميركي، ووفق واقع المنطقة الناتج عن "الحريق العربي" لا تزال هي الدولة العربية الوحيدة التي تستعصي على المشروع الاستعماري المسمى "الشرق الأوسط الكبير"، وهي أيضًا الدولة العربية الوحيدة التي تمثل موطئ القدم لمنافسي الولايات المتحدة وتحديدًا روسيا الاتحادية والصين من خلال العلاقات القائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة والمشتركة بين الدول الثلاث، وقد أكدت موسكو وبكين ما تمثله سوريا من أهمية استراتيجية وقومية ومصالح مشتركة من خلال استخدامهما الفيتو في مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة لإحباط مشاريع القرارات الهادفة إلى إسقاط الدولة السورية وتدميرها على غرار ما حصل في ليبيا والعراق، وبالنتيجة يستتبع إسقاط الدولة السورية وإخراجها من المعادلات الإقليمية ومن ملفات الصراع العربي ـ الإسرائيلي تصفية القضية الفلسطينية، والتهام فلسطين كل فلسطين، والقدرة على مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية؛ أي أن النجاح في كسر أحد أضلاع هذا المثلث سيسهل كسر الضلعين الباقيين سريعًا.
لذلك لا نستغرب أن يترجم معشر المتآمرين تآمرهم في صور شتى لا تكتفي بدعم الأدوات من التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش والنصرة"، وإنما الدخول على الخط باستغلال مساحات الفضاء بعدما ضاقت بهم الأرض بما رحبت جراء القوة القاهرة والصمود الأسطوري للجيش العربي السوري وللشعب السوري، لظنهم أن الفضاء هو الذي سيمكنهم من تغيير الموازين على الأرض لصالحهم، ثم يمكنهم من فرض واقع يتماهى مع مشاريعهم التدميرية ـ الاستعمارية، فاستباحوا متمادين الأجواء السورية ليستهدفوا الجيش العربي السوري وحلفاءه، وليمنعوه وحلفاءه من أي تقدم ميداني، وليعطوا جرعة معنوية لأدواتهم الإرهابية، حيث تعاقبت الهجمات العدوانية من الجو ـ في تبادل واضح للأدوار ـ على مواقع سورية.
وعلى وقع العدوان من الجو على سوريا، ولاستحضار المشهد السوري بصورته الجلية، ولإنعاش الذاكرة العربية والإسلامية، فإنه لا بد من ربط الأحداث ببعضها بعضًا، فالعدوان الأميركي على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور في سبتمبر 2016 جاء انتقامًا على تحرير الجيش وحلفائه لمدينة تدمر من قبضة "داعش" الإرهابي، ولتوفير الغطاء الجوي لفلول التنظيم الإرهابي للسيطرة على هذه المواقع بقصد عرقلة الجيش العربي السوري وحلفائه عن الانتقال إلى تحرير مدينة دير الزور التي كانت الهدف التالي.. وفي سبتمبر 2017م تناوب كيان الاحتلال الإسرائيلي على العدوان على سوريا فقصف منطقة مصياف في حماة، فتصدت الدفاعات السورية آنذاك وأصابت إحدى الطائرتين المهاجمتين، لتعقب هذا التحول السوري في الرد خطوة اللجوء إلى إعداد مسرحية السلاح الكيماوي في خان شيخون واتهام الجيش العربي السوري باستخدامه لتبرير شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدوانًا غاشمًا على سوريا بصواريخ توما هوك على قاعدة الشعيرات العسكرية.
اليوم وفيما يشبه استنساخًا للأحداث، يشن طيران التحالف الأميركي عدوانًا على القوات الشعبية الموالية للجيش العربي السوري في منطقة خشام بدير الزور، موقعة عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، أرادت واشنطن من خلاله فرض معادلتها باحتلال الشرق السوري وحتى الشمال حيث ثروات النفط والغاز والمياه عبر أدواتها المتمثلة في "داعش" الإرهابي و"قسد" الانفصالية، واستباق إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه في إدلب والغوطة وحلب ودرعا وحماة، ومحاولة إرباكهم والتشويش عليهم، وإجبارهم على خفض عديدهم في إدلب، لمنعهم من تطهير المدينة وتصفية تنظيم "جبهة النصرة"، وما إسقاط الطائرة "سو 25" الروسية بصاروخ من قبل التنظيم إلا دليل على ذلك.. ليتبادل كيان الاحتلال الإسرائيلي الدور بعد ذلك، فيشن أمس الأول عدوانًا على سوريا هو الثاني وبعد يومين تقريبًا، فيأتيه الرد السوري الحازم والحاسم بإسقاط طائرة حربية له من نوع "أف 16"، ويتداول أيضًا إسقاط مروحية من نوع أباتشي وطائرات حربية أخرى.
لقد دشن الرد السوري أمس الأول استراتيجية جديدة وهي أنه مثلما تضيق أرض سوريا على الأعداء والخونة والمتآمرين، يضيق فضاؤها كذلك، ولا يتسعان إلا لأبنائها الشرفاء، جيشا وشعبا، ولمحبيها وأصدقائها المخلصين.. وفي المثل "اضرب الكلب يستأدب الفهد"، وها هي سوريا العروبة تضرب الكلب لتؤدب الفهد في شرق الفرات في دير الزور والرقة وإدلب وعموم الشمال السوري، ولترسل رسالة واضحة أن ضرب الكلب ما هو إلا بداية الانتقام لضحايا العدوان على منطقة خشام بدير الزور، وأن مصير طائرات الفهد والضبع والمطية والنعجة كمصير طائرة الكلب إن تمادت، وهي بالمقابل رد الجميل من سوريا لتضحيات حليفها الروسي بالانتقام لطائرته "سو 25".. مع اليقين التام ـ في تقديري ـ وعلى جميع المستويات السورية والحلفاء والأصدقاء بأن الاستراتيجية الجديدة ستضع حدًّا للانتهاكات المستمرة للأجواء للاعتداء على الشعب السوري، إلا أن الانتقال إلى خيارات بديلة لإطالة أمد الأزمة والتدمير والاستنزاف أمر وارد من خلال تجنيد المزيد من الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة والخونة والعملاء، وتزويدهم بأسلحة نوعية كاسرة في الميدان وفي الجو، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة، مع إمكان إعداد مسرحية كيماوية جديدة، وإخراج فصول افتراءاتها أمام الإعلام لتبرير عمل عدواني أو غيره على غرار مسرحية خان شيخون السابقة للانتقام من سوريا لإسقاطها طائرة إسرائيلية، لكن الثقة كبيرة بمحور المقاومة في أن يضاعف غلة إنجازاته، وإيلامه أعداءه، ويكسر شوكتهم.

[email protected]