[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]
”مهما كانت نتيجة تطورات الاوضاع في سوريا، فإن المواجهة مع اسرائيل وان كانت تبدو قادمة على الأرجح الا ان احدا لا يرغب فيها الآن. ليس فقط من قبيل الردع المتبادل ـ فإسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، حريصة على ان تظل صاحبة اليد العليا في الردع العسكري في المنطقة. وانما لأن أي مواجهة تجر الأطراف الى تعقيد الوضع السوري لن تكون في مصلحة أحد، ”

أصرت اسرائيل على اعتبار المواجهة الأخيرة فوق سوريا وشمال فلسطين صراعا بينها وبين إيران، ساعدها في ترسيخ ذلك الإعلام العالمي والعربي الذي ينقل عنه والواقع على الأرض من نفوذ إيراني يمتد من العراق إلى لبنان عبر سوريا. ورغم التصريحات الرسمية والنفي الرسمي من جانب الأطراف المختلفة، فما جرى هو استعراض قوة بين الطرفين فعلا: اسرائيل وإيران. صحيح أن وضع الأمر هكذا يؤكد نتيجة بائسة وهي أن "سوريا" لم تعد سوى مساحة صراع أكثر منها بلد ويقلل حتى من النفوذ الروسي الذي يتحدث كثيرون على أنه الأكبر في سوريا. ومنذ بدأت تركيا عملية غزو ومحاولة احتلال أجزاء من سوريا في عفرين وغيرها من مناطق ريف حلب وادلب، تشكك البعض وفي مقدمتهم إيران في أن الروس يستهدفون أساسا حماية "استقلال وسلامة أراضي سوريا" وليس فقط نفوذهم في إطار توازن القوى مع الأميركيين. وبغض النظر عن دقة ما جرى، إذ إن الحقيقة هي الضحية الأولى في أي حرب، فإن الدرون (طائرة بدون طيار) الإيرانية حلقت فوق اسرائيل وردت اسرائيل بغارات تصدى لها الدفاع الجوي السوري فأسقط مقاتلة اسرائيلية اميركية الصنع ويقال انه أصاب أخرى.
وسواء كان ذلك كمينا، من قبل السوريين أو إيران، أو مواجهة روتينية تطورت فإن الأهم هو اسقاط الطائرة الأميركية إف 16 المتطورة بصاروخ دفاع جوي روسي من طراز قديم ـ يشكل عماد منظومة الدفاع الجوي الروسية. هذا الجانب التقني يخص "المصنعين"، الروس والأميركيين. أما الدرون فليس أمرها بجديد، فإسرائيل تسير درونز فوق لبنان وسوريا وحزب الله اللبناني يرسل درونز (غالبا ايرانية الصنع أيضا) فوق اسرائيل. وحتى الغارات والقصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا فقد تكرر مرارا في الآونة الأخيرة، دون أن تتمكن سوريا من إصابة تلك الطائرات. ما حدث هذه المرة هو تصعيد تدريجي يسير إلى شكل الحرب المقبلة، التي يتحدث الكل عنها في الفترة الأخيرة، وهي المواجهة بين اسرائيل وحزب الله. وحين اسقطت اسرائيل الدرون الإيرانية وشنت غاراتها واسقطت مقاتلتها المتطورة بالدفاعات الجوية السورية حبس الكل أنفاسهم خشية أن تكون تلك شرارة "الحرب الكبيرة" المتوقعة. لكن كل الأطراف اكتفت بما جرى ذلك اليوم وكل يمني نفسه بانتصار ما. فإسرائيل اعلنت انها اسقطت الدرون وستستفيد من تحليلها لمعرفة "قدرات العدو"، وسوريا تمكنت من اسقاط مقاتلة اسرائيلية لأول مرة منذ زمن والروس تفاخروا بصاروخهم القديم الذي أسقط مقاتلة اميركية حديثة وإيران بعثت رسالتها بامكانيتها أن تجعل اسرائيل تدفع ثمنا لمغامراتها.
لكن ذلك لا يعني أن الحرب ليست واردة، بل إن ما جرى ربما كان "بروفة" لها ورغم أن كل التقديرات أن تكون المواجهة بين حزب الله اللبناني واسرائيل فإن الجوار كله ربما لا يسلم من الشرر المتطاير منها. فغارات وقذائف لبضع ساعات شهدت سقوط بقايا نيران في لبنان والاردن. ويعلم الله في حال المواجهة الكبرى إلى أين يمكن أن يصل الشرر. ورغم أن كل التقديرات تشير إلى طرفين أساسيين في الصراع المقبل بين اسرائيل وإيران هما حزب الله واسرائيل، فإن ساحة المواجهة قد لا تقتصر على لبنان، بل على الأرجح ستمتد إلى سوريا. وربما لا تتوقف النيران في شمال شرق سوريا (قوات أميركية) وشمال غرب سوريا (جيش تركي) لفترة، إذ أن ذلك لا ينفصل عن توقعات المواجهة المتوقعة والتي سيكون جنوب غرب سوريا جزءا منها في الأغلب. ورغم ما يبدو من تنسيق روسي/ايراني/ تركي في سوريا، فإن موسكو لديها حسابات لن تجعلها تصف في الطرف المعادي لإسرائيل– ليس فقط لحسابات علاقاتها مع الولايات المتحدة ولكن أيضا لحساب علاقاتها بإسرائيل في اطار استراتيجيتها في الشرق الاوسط.
مهما كانت نتيجة تطورات الأوضاع في سوريا، فإن المواجهة مع اسرائيل وان كانت تبدو قادمة على الأرجح الا ان احدا لا يرغب فيها الآن. ليس فقط من قبيل الردع المتبادل ـ فإسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، حريصة على ان تظل صاحبة اليد العليا في الردع العسكري في المنطقة. وانما لأن أي مواجهة تجر الأطراف إلى تعقيد الوضع السوري لن تكون في مصلحة أحد، ورغم انه احتمال بعيد جدا لكنها قد تؤدي إلى توتر شديد ما بين موسكو وواشنطن لا ترغب العاصمتان فيه ولا احد آخر في العالم. أما الأطراف الاقليمية، فلا احد فيها يحتمل نافذة حرب اخرى في المنطقة، خاصة اذا لم تكن مضمونة العواقب بنهاية سريعة وحاسمة. ولا شك انه لا نهاية سريعة ولا حاسمة لتلك المواجهة المتوقعة، ومن شأن استمرارها ان يضر ليس فقط بشكل مباشر بمحيط اندلاعها وانما ربما يأتي بتدخل ونفوذ غير مقبول من كثير من قوى الإقليم. من غير الواضح ان كانت تلك "بروفة" اخيرة، ام نتوقع مواجهات اكبر منها ولكنها تظل محدودة دون المواجهة الكبرى بين اسرائيل وايران.