[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/10/godamorsi.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جودة مرسي [/author]
”الحقيقة أن ماكرون يبحث عن أي مدخل ليكون متواجدا في سوريا، وحقيقة استخدام أسلحة كيمياوية يراها الرئيس الفرنسي واقعا ومبررا قويا للتدخل ولذلك يحاول التنسيق مع روسيا عن طريق رئيسها فلاديمير بوتين ومع واشنطن عن طريق إدارة دونالد ترامب، وتصطدم مبرراته وقناعاته بتقارير الاستخبارات الفرنسية والرؤية الروسية وتتعثر أمام عدم رصد أدلة ضد النظام السوري.”

الدفاعات السورية تسقط طائرة اسرائيلية وانباء تقول انها اكثر من طائرة وهذا هو اخر الجديد في الأحداث بسوريا التي أصبحت مسرحا لاستعراض القوى الدولية نفوذها كما يستعرض أبطال بناء الأجسام عضلاتهم أمام الجمهور، حيث تعددت الدول التي تحاول بسط نفوذها على سوريا، فبخلاف الدول ذات الامتداد الإقليمي، نجد أن دولاً كبرى تحاول البحث عن أدوار لها، فمن الهيمنة الأميركية إلى الرعاية الروسية، مرورا بالدور التركي، طفا على السطح مؤخرا إرهاصات فرنسية تبحث عن الارتقاء لتكون لاعبا في المسرح السوري.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هدد بضرب سوريا إذا كان هناك "أدلة دامغة" على استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية ضد المدنيين السوريين، وقال "سنضرب المناطق التي انطلقت منها الأسلحة الكيماوية أو حيث تم التخطيط لها"، لكنه اعترف في الوقت ذاته أن المخابرات الفرنسية لم تعثر على أية أدلة تشير إلى استخدام مثل هذه الأسلحة المحظورة في سوريا.
التصريحات الفرنسية تعكس أن هناك رغبة جادة لمحاولة إيجاد دور على الأراضي السورية، لأنها انطلقت بناءً على رغبات وليست على معلومات، فقد نفت الحكومة السورية استخدام أسلحة محظورة في حملاتها وغاراتها الجوية أو استهداف المدنيين أيضا، بينما تعتبر باريس استخدام الأسلحة الكيماوية "خطا أحمر" وتجاهر بأن الحكومة السورية استخدمتها – رغم عدم رصد المخابرات الفرنسية لأية دلائل حول هذا الشأن.
الإدعاءات الفرنسية تعود لطموح الرئيس الفرنسي الشاب، فمنذ ترشحه للانتخابات الرئاسية لخلافة سلفه فرنسوا هولاند، أحاط نفسه بنخبة من الدبلوماسيين الفرنسيين المخضرمين، للاستعانة بهم في فهم طبيعة الأزمات الدولية خاصة الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وهو قرار لسد فجوة نقص خبرة العلاقات الدولية.
لكن هذا لم يمنع أن يعلن ماكرون العام الماضي وقبل الاقتراع على انتخابه عن طموحاته في الشرق الأوسط بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة ـ شاهدنا تدخله في ازمة سعد الحريري بعد تقديم استقالته والرجوع عنها مؤخرا ـ والتي تعكس "الاضطراب الشبابي"، فهو يرى أن الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، يزيد من حدة التوتر ولن يكون مجديا، رغم أن هذا الاعتراف مطلباً للبرلمان الفرنسي، لكنه في الوقت ذاته يندد بالاستيطان الإسرائيلي وبسياسة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ويعتبرها مخالفة للقانون الدولي.
ودعا إلى ضرورة دعم المؤسسات الليبية وخاصة الجيش، لجعله قادرا على مواجهة الإرهاب، كما ربط بين الأزمة في ليبيا وظاهرة الهجرة تجاه أوروبا، في حين رفض إقامة مخيمات للاجئين، وأكد على ضرورة التصدي لشبكات تهريب البشر، وتوقيع اتفاقات ثنائية بشأن الهجرة.
وفي سوريا أعلن أن أولويته هي القضاء على تنظيم داعش، ولكنه عاد وطالب بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عبر عملية انتقال سياسي، ومثوله أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، واتهمه بارتكاب جرائم حرب وشن هجمات بأسلحة كيمياوية ضد شعبه، ولم يعارض ماكرون مشاركة بلاده في عمليات عسكرية ضد سوريا، لكن شريطة أن يكون ذلك في إطار مجلس الأمن الدولي.
الحقيقة أن ماكرون يبحث عن أي مدخل ليكون متواجدا في سوريا، وحقيقة استخدام أسلحة كيمياوية يراها الرئيس الفرنسي واقعا ومبررا قويا للتدخل ولذلك يحاول التنسيق مع روسيا عن طريق رئيسها فلاديمير بوتين ومع واشنطن عن طريق إدارة دونالد ترامب، وتصطدم مبرراته وقناعاته بتقارير الاستخبارات الفرنسية والرؤية الروسية وتتعثر أمام عدم رصد أدلة ضد النظام السوري.
يبدو أن خبرة ماكرون الدولية لم تتبلور بالصورة الكافية، ويفتقد خبرة لعب المباريات السياسية، فلم يقدم دليلا واحدا لدعم قناعاته، ولم يتخذ خطوة سياسية أو دبلوماسية واحدة تدعم رؤيته، فرغم أنه أعلن أن هدفه الرئيسي في سوريا هو محاربة داعش؛ إلا أنه لم يبادر بإجراء اتصالات مع الحكومة السورية أو القوى الدولية التي تحارب التنظيم الإرهابي، وقام بصب غضبه على الرئيس السوري بشار الأسد - فقط - وهدد بالتدخل العسكري.
ويبدو أن ماكرون يحاول أن يكون ماكرا باختلاقه المبررات؛ لكن لم يرتق بعد لمكر الذئاب، ولهذا لم تفلح محاولاته في إيجاد ذريعة إعادة أمجاد أجداده بالتواجد في سوريا، وربما لو كان واثقاُ في قوة نفوذه وهيمنته على الواقع السياسي والعسكري في سوريا لكان يدير الأمور الآن.