تشكل معارض الكتاب فرصة حقيقية لتلاقح الأفكار وتبادلها، حيث تعد تظاهرة ثقافية تجمع كل المهتمين بصناعة الثقافة، من كتاب ومؤلفين ودور نشر، مما يعزز التفاعل الفكري بين رواد المعارض، وبين القائمين على إصدار الكتاب، كما تفتح الآفاق للمواهب الثقافية والفكرية والعلمية على اختلافها، فتظهر الإبداعات النخبوية والشعبية، وتشكل فرصة للمبدعين الشباب، لعرض أفكارهم على نطاق أوسع من النطاق المحلي، فكلما تضخم عدد الإصدارات والعناوين ودور العرض المشاركة في هذا المعرض أو ذاك كانت فرص عرض الإبداعات الوطنية على نطاق أوسع متاحة بشكل كبير، مما يخلق نوعًا من التنوير الثقافي، يدعم التوجه نحو إثراء العقول وتوسع مدارك المعرفة لدى أبناء الوطن، ويتيح لهم التعرف على ثقافات وفنون ونظريات علمية بلغات مختلفة، لم يكونوا يستطيعون الوصول إليها إلا بشق الأنفس.
وتمثل معارض الكتاب منبرًا فاعلًا لعرض التوجه الفكري للبلدان، وعرضًا وافيًا للثقافة الوطنية، واستعراض أبرز القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تميز هذه الدولة عن أخرى، حيث تراجعت الأفكار المسبقة عن معارض الكتاب التي كانت ترى هذه المعارض مجرد مساحة للقاء الناشرين، وتطورت النظرة للمعارض من منظور وطني يسعى إلى الدعاية الوطنية، وتحسين الصورة الذهنية لها، خصوصًا وأن هذه المعارض تستضيف قادة الفكر النخبوي على مستوى المنطقة والعالم، الذين لهم دور دعائي مؤثر، إذا ما أحسن إبراز المفردات الثقافية للدولة المضيفة، واستطاعت تلك الدولة إقناعهم بتنوعها وثرائها الثقافي، وتفردها على المستويين الإبداعي والتاريخي.
لقد تعدت المعارض دورها الثقافي لتتحول كجزء من صناعة الثقافة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالواقع الاقتصادي ومفهوم السياحة بمختلف أشكالها، لذا فقد تشعبت مردودات معارض الكتب ومساراتها بشكل يتناغم مع كافة القطاعات المعرفية والاقتصادية، وأضحى القائمون على التنظيم يحرصون على أن يخرج المعرض بشكل يتناسب مع كافة المسارات المرجوة من ورائه، وأصبح المكون الوطني جزءًا أصيلًا من مراسم إقامة معارض الكتب، بشكل يسمح بالنهوض بمختلف أهداف المعرض، سواء كانت معرفية أو ثقافية أو اقتصادية يتفرع منها النظرة نحو التنمية السياحية، أو الاقتصادية بالصناعات المرتبطة بالجانب الثقافي خصوصًا صناعة الكتب.
ولعل معرض مسقط الدولي للكتاب يشكل نموذجًا جيدًا لحالة التطور المستمرة لفكرة المعارض الدولية للكتاب، فقد حقق المعرض طفرة نوعية وكمية خلال السنوات الأخيرة السابقة، واستطاع أن يجتذب كبريات دور النشر في المنطقة والعالم، مما عزز من الحالة الاقتصادية لصناعة الثقافة، فقد أتاح المعرض فرصًا كبيرة لدور النشر المحلية، وما يدور في فلكها من مبدعين عمانيين، وحقق احتكاكها مع الكبار لاكتساب خبرات في الطباعة، والتسويق، والتوزيع، والتعرف على الحركة الثقافية العالمية، كما استطاع المعرض إثراء حركة السوق التجارية والاقتصادية، وإحياء النشاط السياحي بكل مستوياته، إذ شكل المعرض فرصة بما يقدمه من الندوات، أو عروض الكتب، أو الأمسيات، أو غيرها من الفعاليات، لإظهار هذا النوع من السياحة خلال فترة إقامته، كما أنه أضحى علامة فارقة في التاريخ الحضاري للسلطنة، فتنظيمه يقوم على إبراز الثقافة والهوية العمانية أمام سائر البلدان والحضارات.
فبجانب اختياره مدينة صلالة كضيف شرف له هذا العام، وما يتبع ذلك من مناشط وفعاليات ضمن برنامج ثقافي وفكري وفني أُعد خصيصًا للاحتفاء بها في المعرض، مما يعزز قيمة المدينة سياحيًّا، وثقافيًّا في عيون رواده، استطاع المعرض جذب أكثر من 500 ألف عنوان؛ 35% منها إصدارات حديثة، ومشاركة 783 دار نشر، ما يؤكد بشكل ملموس أهمية هذا المعرض على خريطة المعارض الدولية، وذلك حسب تصنيف اتحاد الناشرين العرب لمعرض مسقط الدولي للكتاب على أنه واحد من أهم معارض الكتاب على مستوى العالم، كما أن مشاركة أكثر من 28 دولة على مستوى العالم يوحي بالاهتمام العالمي للمعرض في نسخة هذا العام.