أضحى التوجه نحو تنويع مصادر الدخل الوطني ضرورة ملحة لكافة دول المعمورة، فتواصل وديمومة التنمية الشاملة واستدامتها، ترتبط بالتأكيد بتنويع مصادر الدخل، فقد أثبتت التجارب التنموية السابقة أن إقامة الاقتصاد الوطني على طريق تنموي واحد أو الارتكان إلى مصدر واحد من مصادر الدخل قد ينجح في تحقيق انطلاقة تنموية جيدة، لكنه يفتقد الديمومة ويجعل هذا البلد أو ذلك رهينة وضع هذا العنصر السوقي، وهو أمر بالتأكيد لديه مخاطره الحقيقية. لذا تسعى كافة بلدان العالم النامية إلى السعي الدؤوب الحقيقي نحو تعديد وتنويع مصادر الدخل بسبل متعددة تجعلها تستوعب الظروف والمتغيرات المحلية والإقليميـة والعالمية، وتستفيد من فرصها المتاحة وتتصدى لتحدياتها بوسائل مبتكرة قادرة على التطور والتفاعل مع التطورات العالمية، مما يعد أهم ضمانة لديمومة النمو الاقتصادي المستدام.
وتعتمد عملية التنويع الاقتصادي دائمًا على مجموعة من القواعد الأساسية، أبرزها السعي نحو توطين التقنية، والاعتماد على المشاريع الابتكارية ذات القيمة المضافة، وتوفير الكادر البشري المؤهل والمدرب، بجانب القراءة الذاتية الجيدة للمقومات الاقتصادية التي تملكها الدولة، وسيحتاج هذا النمو المتنوع القطاعات لرؤوس أموال استثمارية، سواء من داخل الدولة أو خارجها، لذا اتجهت معظم هذه الدول إلى إنشاء مناطق اقتصادية حرة، يتم إنشاؤها في مواقع جاذبة، ويتم وضع التسهيلات والحوافز الجاذبة لرؤوس الأموال، مع الاهتمام والاعتناء بالبنية الأساسية داخل المناطق أو التي تربطها بمحيطها الوطني والإقليمي، وقد ترعرعت المناطق الحرة، وتزايدت أعدادها وتنوعت أشكالها وأنماطها مع تصاعد دورها التنموي، وغدت تحتل صدارة أساليب جذب وتوطين الاستثمارات وواحدة من أولويات السياسة الاقتصادية فيها، مستهدفة من ذلك مواكبة التطورات المتسارعة في ميادين التنمية والتقنية والمعلوماتية.
وتعد السلطنة إحدى الدول التي توجهت منذ بواكير نهضتها المباركة، إلى إنشاء المناطق الاقتصادية والصناعية، واستثمرت العائدات النفطية طوال العقود الماضية بهدف إقامة العديد من المناطق الاقتصادية والصناعية التي تدعم توجه الحكومة نحو التنويع الاقتصادي المأمول، وزيادة الدخل الوطني ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير المزيد من فرص العمل أمام المواطنين، وتحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف المحافظات، وقد اعتمدت السلطنة في اختيارها لمواقع المناطق الاقتصادية والصناعية في ربوع السلطنة على ما حباها الله من موقع جغرافي متفرد يتوسط جميع طرق التجارة العالمية بين شرق آسيا وشرق وشمال إفريقيا، ومنطقة الخليج العربي.
وتأتي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وما تحتويه من مشتملات واعدة مثل ميناء الدقم ومصفاة الدقم، وغيرها من المشاريع الصناعية والسياحية، وما تملكه من موقع جغرافي فريد، كأحد المشاريع الرئيسية التي تدعم التنويع الاقتصادي في السلطنة، حيث تقع على ضفاف بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي القريب من خطوط الملاحة الدولية والواقع بين موقعين يعتبران من الأماكن المزدحمة بالسكان بين إفريقيا وآسيا، وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1745 كيلومترًا مربعًا، قسمت على ثماني مناطق هي: المنطقة الصناعية التي تضم ثلاثة أجزاء خصصت للصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ومنطقة ميناء الدقم، والحوض الجاف، كما يتضمن المخطط الشامل للمنطقة مطار الدقم، بالإضافة إلى الأحياء السكنية والتجارية والمنطقة السياحية، ومجمع الصناعات السمكية وميناء الصيد، ومجمع الصناعات البتروكماوية.
كما تشتمل المنطقة على مصفاة الدقم التي وقعت مؤخرًا على 3 عقود تتصل بالأعمال الهندسية والإنشائية والمشتريات للشروع في تشييد مجمع المصفاة والخدمات التابعة له بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والتي ستصل طاقتها التكريرية إلى 230 ألف برميل يوميًّا، ما يؤكد أن مشروع مصفاة الدقم سيكون له مردود إيجابي على المنطقة، حيث سيعمل المشروع على تحويل منطقة الدقم إلى أحد أهم مراكز الطاقة في المنطقة والتي ستشجعها وتحفزها على قيام صناعات متعلقة بمجال الطاقة على مستوى المنطقة وعلى المستوى العالمي، كما يعد المشروع إحدى أبرز الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية بين السلطنة ودولة الكويت، وسيعمل بلا شك على تعزيز القيمة المضافة، ويسهم في تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين.