[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. رغم الموقف المصري البارد مما يحدث في غزة، لكنني استنكر الأصوات التي تزعم وجود تواطؤ مصري إسرائيلي في هذه العملية، لأن إسرائيل تسعى إلى إحراج النظام المصري الجديد، ومحاولة فصله عن شعبه، ولكن على السيسي الخروج عن صمته، وإدانة العدوان، والضغط على إسرائيل للوقف الفوري له، وفتح معبر رفح بشكل دائم دون الانتظار لتدخل الأمين العام للأمم المتحدة أو أي مسؤول دولي،”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ألقت الأزمة الداخلية التي تعيشها مصر بظلالها على الموقف من العدوان الصهيوني على الأطفال والنساء الفلسطينيين في غزة.
وانعكست تداعيات هذه الأزمة على الموقفين الرسمي، والشعبي؛ فالموقف الرسمي لم يتجاوز بيان خجول لوزارة الخارجية المصرية يدين العدوان ويعرب عن قلق مصر الشديد من استمرار تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويطالب بضبط النفس والإيقاف الفوري لأعمال العنف.
أما على المستوى الشعبي؛ فرغم انشغال قطاع كبير من المصريين كغيرهم من العرب ببرامج ومسلسلات رمضان، ومتابعة مباريات المونديال، إلا أن قطاعات أخرى آلمها ما يحدث في غزة، وقررت تنظيم وقفات احتجاجية على أبواب نقابتي المحامين والصحفيين، واستجاب عدد لا بأس به من الناشطين السياسيين والمثقفين، والناس العاديين، وتوجهوا للمشاركة في هذه الوقفات، وما أن اكتمل توافد المشاركين وبدأت الهتافات إلاّ وظهرت شارة (رابعة) وصور الرئيس المخلوع محمد مرسي، وتعالت الهتافات تسب السيسي وتندد بالانقلاب، واختفى ذكر غزة وفلسطين، ومجازر إسرائيل، بالطبع أدى ذلك لفض الوقفات، بعد انصراف الكثيرين اعتراضاً على اختطاف الجماعات المناوئة للسيسي والمؤيدة للأخوان ومرسي للمناسبة ومحاولة استغلال المصاب الفلسطيني لتحقيق أهداف سياسية في آتون الأزمة التي تعيشها مصر منذ الإطاحة بمرسي والإخوان من الحكم.
ويعتقد كثيرون أن السيسي لا يملك أوراق الضغط التي كان يملكها سابقه محمد مرسي بسبب تأزم علاقته بحماس الطرف الفاعل في الأزمة الراهنة على خلفية اتهامات لحماس بالتحالف مع الإخوان والجماعات المسلحة في سيناء لتنفيذ عمليات تخريبية لتقويض الأمن والاستقرار في مصر، وكان آخر هذه العمليات تفجير حدث أثناء القصف الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة راح ضحيته جندي مصري في رفح المصرية، وأعلنت ما يسمى بجماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنه.
وإذا أضفنا لكل ما سبق المشاكل المتعددة التي تعاني منها مصر؛ السياسية والأمنية والاقتصادية، والتي جعلتها تنكفئ على نفسها، وأثرت على مواقفها ودورها المأمول لوقف هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم.
ورغم الموقف المصري البارد مما يحدث في غزة، لكنني استنكر الأصوات التي تزعم وجود تواطؤ مصري إسرائيلي في هذه العملية، لأن إسرائيل تسعى إلى إحراج النظام المصري الجديد، ومحاولة فصله عن شعبه، ولكن على السيسي الخروج عن صمته، وإدانة العدوان، والضغط على إسرائيل للوقف الفوري له، وفتح معبر رفح بشكل دائم دون الانتظار لتدخل الأمين العام للأمم المتحدة أو أي مسؤول دولي، واستقبال الجرحى والفارين من جحيم القصف الإسرائيلي المتوحش، والسماح للأطقم الطبية بالدخول للقطاع لتقديم العلاج وتوصيل المساعدات الإنسانية لسكان غزة خصوصاً ونحن في شهر رمضان ، وهناك مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون ظروفاً غير إنسانية ويتعرضون للقتل وهم صائمون.
ويحدونا الأمل أن يتجاوز السيسي خلافاته مع حماس، وأن يفي بوعده للرئيس الفلسطيني محمود عباس بالعمل على وقف العدوان الإسرائيلي، من خلال التنسيق الأمني الذي سبق وقامت به مصر لوقف عدوان 2012م ؛ أيام حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وكان وقتها السيسي وزيراً للدفاع وطرفاً فاعلاً في المحاولات التي قادها مرسي للتهدئة بين حماس وإسرائيل والتي كللت بالنجاح ومازالت حتى الآن نموذجاً تشيد به مختلف الأطراف لنزع فتيل الأزمة ووقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.
والموقف الأميركي متواطئ مع إسرائيل كالعادة، ولكنه هذه المرة يثير الحيرة ويطرح تساؤلات؛ ففي الوقت الذي دعا أوباما الطرفين لاحترام هدنة مرسي التي تم على أساسها وقف عدوان نوفمبر 2012م، وخرج كتّاب أميركيون وغربيون يتحسرون على أيام مرسي ويرون أن الأزمة الحالية كانت تحتاج لأمثاله ، وأشادوا بحكمته وقدرته في التأثير على حماس وإسرائيل وراهنوا أنه لو كان مرسي موجوداً الآن لما كانت الأزمة اتسعت لهذا الحد؛ وسقط أكثر من مائة وعشرين شهيداً فلسطينياً جراء القصف الوحشي للقطاع، ولا انطلقت مئات الصواريخ الفلسطينية على البلدات الإسرائيلية حتى وصلت مشارف تل أبيب محدثة حالة من الذعر والهلع بين الإسرائيليين، ولا دُمرت كثيرُ من المرافق الاقتصادية والحيوية في قلب إسرائيل ـ وأتساءل إذا كان مرسي رئيساً نموذجياً لهذا الحد لماذا لم يحظ بمساندة أوباما والإدارة الأميركية إلاّ بعد سقوطه وعزله من الحكم؟! فكلنا يتذكر كيف أن أوباما رفض الاتصال بمرسي طوال عام حكمه، حتى عندما زار مرسي نيويورك لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفض أوباما استقباله، وتهرب من مصافحته؛ رغم التقائه معظم رؤساء العالم المشاركين في هذه القمة العالمية.
والمحزن في الأزمة هو موقف فرنسا ورئيسها هولاند الذي انحاز لإسرائيل وحمل حماس مسؤولية ما يحدث، وسبب حزني أن اليسار الفرنسي طالما وقف بجانب الحق الفلسطيني، وكثيراً ما أدان الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، حدث ذلك واليسار الفرنسي في صفوف المعارضة، ولكن عندما وصل هولاند اليساري لكرسي السلطة تغيرت الحسابات، وأصبح يخشى اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا، ولا يريد إضافة متاعب لحكمه الهش المثقل أصلاً بالمشاكل ويحتاج دعم اليهود الفرنسيين، كما أن آلة الدعاية الصهيونية نجحت في تحويل العدوان الإسرائيلي على غزة إلى صراع بين العالم المتحضر الذي تمثله إسرائيل وبين التطرف والإرهاب المتمثل في حركات المقاومة الفلسطينية.
وآخر المواقف المحيرة هو موقف الجماعات المتأسلمة من أمثال " داعش وأجناد الأرض ، وأنصار بيت المقدس، وجبهة النصرة"، الذين أخرجوا بياناً يؤكدون فيه أن قتال منافقي العرب أهم من صد العدوان الإسرائيلي على غزة؛ وبهذه الفتوى فربما نصبح جميعاً مستهدفين فنحن لا ندري في شرعهم من هم منافقو العرب الذين يستحقون القتل.
الموقف المضئ في هذه الأزمة جاء من جنوب لبنان، عندما أطلقت المقاومة اللبنانية صواريخها على شمال إسرائيل لتخفف الضغط على غزة وتشتت جهود العدو الإسرائيلي، والذي أصبح هذه المرة في مأزق، فاتساع نطاق الأزمة وتحولها لحرب شاملة وارد، وإذا حدث ذلك في ظل حالة الانفلات والسيولة التي تعيشها المنطقة، وضعف سيطرة الأنظمة في الدول العربية المحيطة بإسرائيل على حدودها؛ كل هذا ليس في صالح إسرائيل وربما يفتح عليها أبواب جهنم، خصوصاً بعد وصول صواريخ المقاومة الفلسطينية لأول مرة إلى أعتاب تل أبيب؛ وإذا كانت القوة التدميرية للصواريخ محدودة هذه المرة ولكن مجرد وصولها لهذا المدى يثير ذعر إسرائيل، لأنها في المرة القادمة يمكن تعبئتها بمواد أشد فتكاً وتدميراً وهو ما يقلق أميركا وإسرائيل ويجعلها تندم على افتعال هذا العدوان بسبب مقتل ثلاثة مستوطنين، أو لتقويض المصالحة الفلسطينية.
وأخيراً بدا واضحاً الحالة المحزنة التي وصلت إليها جامعة الدول العربية والضعف الشديد الذي أصبحت عليه بعدما ضربتها أعاصير الربيع وتسببت في تشظيها وانطفائها ، فحتى الدعوة لاجتماع وزاري للإدانة والتنديد أصبحت عاجزة عن تأمينه ، رغم مرور أيام على بدء العدوان.