[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” وفدَ إلى عمان منذ بواكير عصر النهضة كوكبة من الإعلاميين المصريين الذين ساهموا في انطلاق إذاعة و تليفزيون سلطنة عمان في سبعينيات القرن الماضي, كما جاء صحفيون وفنيون مصريون للمساهمة في انطلاق الصحافة العمانية بالتعاون مع زملائهم العمانيين الذين يتحملون اليوم المسؤولية كاملة في قيادة وإدارة المؤسسات الصحفية العمانية بكافة إصداراتها.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدثنا كثيرا عن رسوخ العلاقات العمانية المصرية على المستوى السياسي أوالرسمي ولكن هناك جانب آخر لم يأخذ حظه من الضوء , وهي العلاقات على مستوى الشعبين والتي شهدت تطورا كبيرا منذ قيام النهضة العمانية في العام 1970م , وشروع جلالة السطان قابوس بن سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ في إطلاق مشروعه النهضوي الذي شمل تحديث وتطوير كافة مناحي الحياة على أرض عمان, وكانت وجهة نظر جلالته أن الإنسان العماني يستحق الكثير لذلك كان البدء من حيث انتهى الآخرون, فجلبت السلطنة أمهر البنائين لتشييد المدن والبنى التحتية الحديثة, واستعانت بأكفأ الكوادر والخبرات العربية والأجنبية في مجالات التعليم والصحة والأمن, وكان للمصريين نصيب كبير في هذه الإسهامات التنموية, فوفد إلى عمان آلاف المدرسين المصريين الذين ساهموا في العملية التعليمية وأخلصوا في أداء رسالتهم التربوية تجاه أجيال عديدة من الطلبة العمانيين الذين مازال كثير منهم يرتبط بعلاقات إنسانية متينة مع مدرسيهم المصريين سواء من غادر عائدا إلى بلده أو من استمر على أرض السلطنة حتى الآن.
كما استعانت السلطنة بأمهر الأطباء المصريين الذين انتشروا في ربوع عمان يقدمون خدماتهم الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة بعد أن نالوا ثقة المواطن العماني وأصبحوا جزءا من الأسرة, فضلا عن المهندسين المصريين الأكفاء الذين ساهموا في التنمية والتعمير وشاركوا إخوانهم العمانيين في تشييد الصروح المعمارية بمسقط وسائر المدن العمانية, كما وفد إلى عمان منذ بواكير عصر النهضة كوكبة من الإعلاميين المصريين الذين ساهموا في انطلاق إذاعة و تليفزيون سلطنة عمان في سبعينيات القرن الماضي, كما جاء صحفيون وفنيون مصريون للمساهمة في انطلاق الصحافة العمانية بالتعاون مع زملائهم العمانيين الذين يتحملون اليوم المسؤولية كاملة في قيادة وإدارة المؤسسات الصحفية العمانية بكافة إصداراتها.
كما كانت السلطنة محطة مهمة في حياة كثير من هؤلاء الصحفيين الذين جاءوا إلى عمان في بداية حياتهم العملية وعادوا إلى مصر ليتبوأوا أرفع المناصب القيادية في المؤسسات الصحفية المصرية, ومازالوا حريصين حتى الآن على التواصل مع زملائهم العمانيين والمشاركة في الفعاليات التي تجري على أرض السلطنة ونقلها للقارئ المصري المتلهف لمتابعة كل ما ينشر عن عمان وأهلها وتجربتها الفريدة في التنمية والتطور.
لقد حرصت النهضة العمانية على تطوير البشر ليس على المستوى الحسي والمادي فحسب, وإنما على المستوى الوجداني والروحي والمعنوي, فكان الاهتمام بالثقافة والفنون والآداب والحرف التقليدية, وكان للسلطنة الريادة والسبق في تطوير الموسيقى وحفظ التراث بجميع أنواعه المادي وغير المادي في الخليج والمنطقة العربية.
وفي هذا السياق يظهر اسم الدكتور يوسف شوقي عالم الموسيقى والملحن المصري الذي استعانت بخبراته السلطنة في ثمانينيات القرن الماضي؛ وكلفه جلالة السلطان ـ أعزه الله ـ بجمع التراث الموسيقي العماني والإشراف على تأسيس مركز عمان للموسيقى التقليدية عام 1984م , فانطلق الرجل الذي كان على مشارف الستين من عمره إلى القرى والولايات والمدن في طول عمان وعرضها يقطع الفيافي ويعبر الوديان ليستمع للأغاني والشلات والموسيقى والإيقاعات والرقصات الشعبية, ويوثق ميدانيا الفنون الشفهية وأنواع الآلات الموسيقية التقليدية ويستنبط قواعدها النظرية ولغتها الموسيقية وصيغها اللحنية وموازينها وضروبها الإيقاعية ويقوم بتحليلها ونقدها فنيا وجماليا, ليترك لنا مسودة كتاب "معجم موسيقى عمان التقليدية " الذي خرج إلى النور في العام 1989م بعد أن قام مركز عمان للموسيقى التقليدية بطباعته بعد وفاة الدكتور شوقي في العام 1987م.
ورغم قصر المدة التي قضاها يوسف شوقي في عمان والتي لا تتجاوز خمس سنوات لكنه وقع في هوى عمان وأوصى بأن يدفن ويرقد جسده في الأرض التي أحبها وأحبته أرض عمان؛ بعد أن ساهم في تأسيس فرقة الأوركسترا السلطانية العمانية بتكليف من جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ في 4 سبتمبر 1985م , والتي تعتبر الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي, ولم يكتف الدكتور شوقي باختيار أعضاء الفرقة من العازفين العمانيين وتدريبهم وصقلهم بالاحتكاك بالخبرات الأجنبية التي استعانت بها الفرقة عند تأسيسها, ولكنه قام بتأليف أعمال موسيقية عمانية خالصة: منها المتتالية السيمفونية "عمانية" كما شارك الموسيقار المصري الشهير عزيز الشوان تأليف العملين الأوبراليين المبدعين "الرقصات السيمفونية العمانية " و"سيمفونية عمان" , هذه الأعمال التي منحت السلطنة مكانة متميزة ودعاية واسعة على المستوى العالمي خصوصا بعد أن قامت أوركسترا لندن السيمفوني بتسجيلها وتقديمها أمام المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم في مسقط على مسرح قصر البستان, كما شارك الدكتور يوسف شوقي خلال الفترة القصيرة التي قضاها في عمان بعدد من البحوث الموسيقية القيمة عن التراث الموسيقي العماني في العديد من الندوات والمؤتمرات الموسيقية التي نظمتها السلطنة في تلك الفترة وشارك فيها أبرز علماء الموسيقى من مختلف دول العالم .
وعندما فكرت جامعة السلطان قابوس في إنشاء قسم للمسرح تابع لكلية الآداب في العام 1991م , قررت الاستعانة بالمخرج المصري الكبير هاني مطاوع ـ الذي أخرج مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" للفنان المصري الشهير عادل إمام ـ التي حققت نجاحا منقطع النظير في ثمانينيات القرن الماضي ومازالت كثير من مشاهدها وجملها محفورة في وجدان المشاهد العربي ـ الأكاديمي الحاصل على الدكتوراه في المسرح من الولايات المتحدة الأميركية والذي كانت له تجربة لم تكتمل في التدريس بمعهد الفنون المسرحية بدولة الكويت الشقيقة بسبب الغزو العراقي الذي تعرضت له الكويت في أغسطس 1990م , ومكث الدكتور هاني مطاوع عشر سنوات في السلطنة أسس خلالها لتجربة مسرحية حديثة قوامها شباب عمانيون موهوبون ومؤهلون قاموا بالعمل تحت إشرافه في كافة فروع الإبداع المسرحي من تمثيل وإخراج وتأليف ونقد, وأثروا الحركة الثقافية العمانية طوال السنوات الماضية وحملوا لواء التجديد في المسرح العماني الحديث وأسهموا بعلمهم وتجربتهم في تخريج كوادر مسرحية شابة تتولى المهمة الآن في المسرح العماني, وظل خريجو قسم المسرح يتذكرون الراحل هاني مطاوع الذي رحل عن دنيانا منذ أعوام قليلة, ولكنه سيظل متواجدا بأعماله الفنية وتلاميذه المخلصين الذين أحبوا المسرح وفنونه حبا في هاني مطاوع لتظل العلاقة بين الشعبين العماني والمصري مثالا حيا للتواصل والتعاون القائم على المحبة والاحترام .