[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
جاء قرار الحكومة السودانية الأول بإطلاق عدد يفوق الثمانين شخصاً من المعتقلين السياسيين والناشطين والطلاب الذين كانوا محتجزين على خلفية الاحتجاجات التي شهدها الشارع السوداني خلال الفترة الماضية، مبشراً بحدوث انفراجة سياسية كان يتطلع إليها الشارع السوداني منذ اتخاذ الحكومة لحزمة من القرارات ذات الصبغة الاقتصادية التي أدت نتائجها إلى تضييق ظروف المعيشة لقطاع عريض من المواطنين خصوصا من ذوي الدخل المحدود.
وفيما كان انطلاق الاحتجاجات تعبيراً عفويا من المنكوين بنار تداعيات الإجراءات الاقتصادية التقشفية التي طبقتها الحكومة برفع الدعم عن السلع الأساسية بما فيها الدقيق وغيره من السلع الضرورية، فمن الطبيعي أن تصبح تلك الظروف الاقتصادية الخانقة فرصة سانحة للمعارضة الداخلية والخارجية لتوسيع دائرة الاستقطاب السياسي، وكلاهما أي الاحتجاجات الشعبية العفوية، والمعارضة السياسية المنظمة، يصنفان بالسودان بأنهما من الممارسات السياسية الأصيلة في الشارع السوداني الذي يتمتع بثقافة سياسية متأصلة لم تنكرها أو تستنكرها كافة الأنظمة التي حكمت السودان سواء كانت ديمقراطية أو عسكرية أو انتقالية أو غيرها.
وعليه، وبينما يعتبر التعاطي السياسي للمواطن السوداني البسيط بمختلف فئاته العمرية، وبمختلف درجات وعيه ومشاربه السياسية والثقافية أمراً أقرب إلى منهاج الحياة اليومية للمواطن السوداني، فإن استمرار حالات الاستقطاب السياسي على الدوام لدرجة يصبح فيها ذلك التعاطي السياسي اليومي مع قضايا الحياة التي يتعلق غالبيتها بمتطلبات المعيشة اليومية، فينبري سؤال عن وماذا بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في السودان اليوم؟
وبما أن السؤال موجه إلى الحكومة السودانية التي هي المحرك الأساسي سواء لآليات إطلاق الحريات السياسية وتوسيع نطاقاتها، أو لغضبة الشارع العفوية بحكم مساسها بلقمة عيشه والتأثير عليها بقوة القرار السياسي النافذ المفعول، فإن الإجابة عليه وطالما أنها ستكون من جانبها ، فالبضرورة أن تكون محددة الاتجاه، ألا هو في العشم في اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية التي يرجى منها ردم الهوة السحيقة التي أحدثتها الإجراءات الاقتصادية التقشفية بين الدخل المحدود للمواطن البسيط والمنصرفات الفالتة على المتطلبات الحياتية اليومية.
ولذلك يتمنى المراقبون على الحكومة السودانية التي أطلقت سراح المعتقلين السياسيين والمحتجين والطلاب والمتفاعلين مع قضاياهم اليومية، بأن توسع تلك المساحة الانفراجية، وذلك عبر اتخاذ المزيد من الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية في كل مايمس حياة الناس، سواء بالتراجع عن رفع الدعم عن بعض السلع الضرورية .. وليس عيبا التراجع عن قرارمحدد إذا تبين أن أضراره تطول الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا.
وعلى الجانب الآخر، فإن المرحلة المقبلة، تطلب أيضا استيعابا عقلانيا من الاقتصاديين وشركات الاستيراد والتصدير لمتطلبات مرحلة مابعد رفع الحظر الاقتصادي الأميركي عن السودان، حيث يبدو أن إعادة فتح قنوات التجارة الخارجية للسودان قبل إعادة تأهيل مؤسساته الإنتاجية ربما أتي بنتائج عكسية أدت إلى زيادة الطلب على العملات الصعبة كالدولار للإيفاء بالتزامات تجارية ومالية خارجية دون أن تبدأ المؤسسات الإنتاجية في إنتاج وتصدير مايكفي بأن يضمن للدولة عائدات مقدرة من نفس العملات لتغطي أو تقارب الطلب على تلك العملات للاستيراد الخارجي.
وبهذا يظل السؤال قائما ثم ماذا بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وأحسب أن الإجابة بيد الحكومة وماهي إلا قرار سياسي شجاع يمس حياة الناس إيجابا وأسهله هو إعادة الدعم لبعض السلع الأساسية فضلا عن زيادة مخصصات الصحة والتعليم في الموازنة العامة للدولة، وحينها سيخلو الشارع السوداني من المحتجين فيماعدا المحتجين على أداء فريقي الهلال والمريخ لكرة القدم الذين هم أكثر حرصاً على أن يتأبط كل فرد منهم جريدته الصباحية حتى لو لم يكن يملك ما يشتري به صحن الفول بالجبنة و"الطعمية " في " فتة " ضحوية تجمع الأحباب والأصحاب والقاصي والداني ومن يمر بجانبهم الذي يدعونه بإصرار ليشاركهم لقيمات الفتة أو كما تعرف سودانيا وشعبياً بــ " اللهمات أي لهمة لهمتين "من الأكلات الجماعية التي يحرص عليها السودانيون في مختلف ظروفهم الاقتصادية .

طارق اشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]