لا يخلو أي سوق عمل من تحديات عديدة تفرز نتائج سلبية على ذوي العلاقة؛ وتحديدًا المؤسسة أو الشركة والعاملين، ما يؤثر بدوره على سير العمل وعملية الإنتاج، الأمر الذي يتطلب بصورة ملحَّة التدخل من قبل الحكومة ممثلة بالجهات المعنية لتنظيم سوق العمل بما يحقق مصلحة الجميع، ولا يؤثر على سير العمل وعملية الإنتاج.
وتأتي مبادرة وحدة دعم التنفيذ والمتابعة بديوان البلاط السلطاني لتطوير النظام القضائي المتعلق بقضايا سوق العمل ـ كإحدى المبادرات التي خرج بها قطاع سوق العمل والتشغيل ضمن خطط وبرامج الحكومة ـ ملامسة للواقع الذي يعيشه سوق العمل، واستجابة مباشرة وملحَّة للأطراف ذوي العلاقة في السوق، لتذليل ما يمكن وصفه بأنه عقبة كأداء أمام هؤلاء الأطراف لا سيما العاملون الذين يتعرضون لفصل تعسفي أو لمضايقات قد تكون بإسناد مهن لهم لا تتناسب وتخصصاتهم وخبراتهم، أو لا تتناسب مع أعمارهم، أو لا تتفق مع طبيعتهم الإنسانية وحقوق الإنسان، أو قد تصل إلى انتقاص معاشاتهم أو حرمانهم من الترقيات أو العلاوات الدورية، وغير ذلك من أساليب المضايقات، وكذلك على الجانب الآخر قد تعاني المؤسسة أو الشركة من استهتار أو تسيب وعدم التزام أو عدم معرفة كافية من قبل عامل بها، ما قد يمثل عبئًا عليها، فكما هو معروف عن القطاع الخاص أنه ينظر كثيرًا إلى الإنتاج والربح والالتزام وعدم الهدر المادي والوقتي.
وحين نقف على التحديات التي تواجه قطاع العمل والتشغيل ندرك حينها حجم المعاناة الحاصلة وما تبعثه من آثار ونتائج سلبية، فحسب ما أبرزته المبادرة فإن نظام حل المنازعات في السلطنة يواجه العديد من التحديات التي تحد من تطور سوق العمل والتشغيل منها عدم مواءمة الأحكام القضائية، وطول المدة الزمنية لعمليات التقاضي التي تستمر في بعض القضايا لمدة تقارب 600 يوم، وارتفاع نسبة النزاعات التي يتم رفعها إلى القضاء، والتي تصل إلى 40% من مجمل النزاعات، ومنها 44% ترفع إلى محكمة الاستئناف، ما يزيد من طول الفترة الزمنية المطلوبة لحل القضية.
وبالنظر إلى تلك التحديات التي بدورها تنتج أثرًا نفسيًّا لدى العاملين، وتوجد انطباعًا يتحول مع مرور الوقت إلى ثقافة عامة ومزاج عام بأن المستقبل المعيشي والحياة الكريمة مصونان من خلال العمل بالقطاع العام، في حين أنهما معرضان للمساس في القطاع الخاص، وهذا ما لا يستقيم مع الجهود المبذولة والقائمة من قبل الحكومة لتوفير فرص العمل لآلاف الباحثين عن عمل؛ لذا ـ في تقديرنا ـ أن هذه المبادرة التي تقوم بها وحدة دعم التنفيذ والمتابعة بديوان البلاط السلطاني لتطوير النظام القضائي المتعلق بقضايا العمل ستعمل على رفع كفاءة القضاة المعنيين في قطاع سوق العمل والتشغيل وموظفي وزارة القوى العاملة، ورفع مستوى توافق الأحكام، وخفض الفترة الزمنية لحل النزاعات، ما سيؤدي إلى دعم بيئة الأعمال والارتقاء بسوق العمل والتشغيل، ويغير الانطباع والمزاج العام تجاه العمل بالقطاع الخاص، ويبعث على الاطمئنان النفسي بأن حقوق الجميع مصانة، خصوصًا وأن المبادرة جاءت جراء طول فترة إصدار أحكام القضايا العمالية أو صدور أحكام متضاربة سلبًا على سهولة ممارسة الأعمال التجارية في السلطنة؛ فالنزاعات العمالية تحتاج إلى إيجاد حلول سريعة وفعالة لتقليل التكاليف والتأثير سلبًا على أصحاب العمل والعاملين، حيث قامت وزارة القوى العاملة بالتوقيع على برنامج تعاون مع وزارة العدل ممثلة بالمعهد العالي للقضاء بنزوى لتدريب وتأهيل عدد من قضاة الدوائر العمالية وأعضاء الادعاء العام وعدد من المتعاملين في بحث وتسوية منازعات العمل، ما يترجم حرص الحكومة من خلال الجهات المعنية لتطوير الأدوات والإجراءات لحل القضايا التي تقع بين طرفي الإنتاج أصحاب العمل والعاملين معهم وفقًا لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم تلك العلاقة والإسراع في البت في القضايا المعروضة، سواء على المختصين بوزارة القوى العاملة أم المحاكم.