[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” إنه لمن المُحزن، على الرغم من كل ما جرى وما يجري، وما يحيق بالأمتين العربية والإسلامية من مخاطر زاحفة .. من المُحزِن ألا يراجع عرب ومسلمون مواقفهم، ومسيرتهم الفاجعة، وأن ينظروا في ما تستحقه شعوبهم وأجيالهم من أمن من جوع وخوف، ومن تعاون منقذ، ومناخ عيش سليم قويم.. ومن المفجع ألا يتفاهموا فيما بينهم، وألا يتنازل كل منهم للآخر عن شيء، بينما يتنازلون لأعدائهم عن أشياء؟!..”

ثلاث ركلات على القفا، تلقّاها بيبي نتنياهو خلال أسبوع واحد. الأولى كانت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجاءت بعد عدوان "إسرائيل"على مطار الـ T4 شرق مدينة تَدْمُر، الذي نفذته ثماني طائرات حربية "إسرائيلية"، أسقَطت المضادات السورية إحداها بصاروخ، وهي من طراز F16، تناثر حطامها فوق فلسطين المحتلة، بين مدينتي شفا عمر والناصرة، في محيط ما يُعرَف بمستوطنة "هاردوف".. حيث ذكر الكاتب والباحث الصهيوني "الإسرائيلي"رونان بيرغمان، في حديث له مع محطة الـ CNN بتاريخ ١٥/٢/٢٠١٨ "أن بوتين اتصل، وهو غاضب، بنتنياهو، بسب سقوط قذائف إسرائيلية، قرب مراكز لقوات روسية، ما دفع نتنياهو إلى توجيه الأوامر للجيش، من أجل وقف الهجوم، وإلغاء خطة توجيه الضربات القاسية لسوريا".. كان ذلك بعد تنفيذ عدوان على عدة مواقع سورية بالطائرات. ومن الجدير بالذكر، أن لروسيا الاتحادية قوات في ذلك المطار، الواقع شرق مدينة تَدْمُر، إلى جانب قوات أخرى سورية وإيرانية.
أمَّا الركلة الثانية، فكانت لنتنياهو من صديقه العنصري الحميم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث وصفه بالكَذَّاب.. فقد أخرج ترامب عن طوره، وغالباً ما يكون مستعداً لذلك، ادعاءُ نتنياهو، في أثناء جلسة كتلة الليكود في الكنيست، يوم الإثنين ١٢ شباط/فبراير، حين طلب في تلك الجلسة، تأجيل طرح مشروع "قانون ضم الضفة الغربية"، وهو قرار اتخذه حزب الليكود، لبسط سلطة "إسرائيل" على الضفة، لا سيما المنطقة ج منها.. في ذلك الاجتماع، قال نتنياهو للمجتمعين من أعضاء حزبه، الليكود:"في موضوع إحلال السيادة في يهودا والسامرة، يمكنني أن أقول لكم، بأنني منذ وقت، وأنا أجري محادثات مع الأميركيين.. علينا أن نحافظ على مبدأ التنسيق، بأكبر قدر ممكن، مع الأميركيين."،أي مع إدارة الرئيس ترامب. فهاج ترامب، وأصدر البيت الأبيض، بياناً رسمياً، بتاريخ ١٣/٢/٢٠١٨ قال فيه:""التقارير التي تقول إن الولايات المتحدة بحثت مع إسرائيل في خطة لضم في الضفة هي كاذبة".. ومن الواضح أن الموصوف بالكذب هو نتنياهو.
أمَّا الركلة الثالثة، الموجعة لنتنياهو أكثر من غيرها، فهي تلك التي جاءته من الشرطة الإسرائيلية، مؤيَّدَة من معظم فئات التجمعات الصهيونية في فلسطين المحتلة، ولا سيما من المعارَضة، وحتى من شركائه في الحكومة، المناوئين له، أو المزاودين عليه.. فقد أوصت الشرطة بتوجيه تهم:"الرشوة، وخيانة الأمانة، والفساد، وسوء استخدام السلطة"، لنتنياهو، فضجّت الصحافة وأجهزة الإعلام بذلك الخبر، وتحرّك الشارع، أو حركته هي .. ويمكن تلخيص المشهد الداخلي الذي حدث، بما قاله جدعون ليفي في جريدة ها آرتس:".. الاحتفالات في ذروتها.. نيكولاي تشاوتشيسكو الإسرائيلي في طريقه إلى بيته، وكما يبدو إلى السجن. الأشخاص الطيبون في منتصف الطريق في شارع بيتح تكفا روتشيلد مبتهجون، والمناضلون من أجل العدالة سعداء، والمعلّقون يحتفلون.. مختبرات للحرية، نهاية للفساد. الابتهاج لسوء حظه، ووصفه كشيطان، كسبهما نتنياهو باستقامة. سلوكه الشخصي مرفوض، الضرر الذي سببه للدولة كبير، الاتهامات ضده ثقيلة، ولايته يجب أن تنتهي.. نتنياهو، إذهب الى البيت."/ها آرتس-١٥/٢/٢٠١٨..وهناك ركلة رابعة، أو هي رديفة للثالثة، ومعزِّزة لها، لأنها من نوعها ومتممة لمضونها، تسعى إليه بعزم.. فقد تمَّ القبض على سبعة أشخاص، بينهم اثنان من أنصار نتنياهو المقربين، في قضية شركة الاتصالات الإسرائيلية "بيزك"، المالكة لموقع الأخبار المُسمَّى "واللا".. وتلك قضية سيُدعى نتنياهو للتحقيق بشأنها، بتهمة تقديم رشوة لصاحب الشركة المالكة للموقع، لينشر أخباراً طيبة عنه.. وهو أمرٌ كانت تثيره الصحافة منذ زمن، وتوجه فيه اتهامات لنتنياهو. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت بهذا الصدد، في خبرها الرئيس،يوم الاثنين ١٩/٢/٢٠١٨ "في إطار التحقيق، ثار اشتباه ظاهر حول منح تغطية ـ أي تغطية إعلامية ـ ايجابية لرئيس الوزراء وعقيلته في موقع "واللا"، من مجموعة بيزك، مقابل الدفع إلى الأمام بصفقات كبرى في صالح شاؤول الوفيتش."، وهو صاحب موقع الأخبار"واللا"الذي تملكه الشركة.
ولمواجهة هذا كله، وربما لصرف الأنظار عنه، وعدم التركيز عليه، وبهدف جذب متعاطفين ومؤيدين، قام الإرهابي نتنياهو، بقصف غزة المُحاصرة منذ أكثر من عشر سنوات، وبتصعيد العدوان عليها، بذريعة انفجار لغم في مَن حاولوا تفكيكه من جنوده، وقد أدى ذلك إلى جرح أربعة منهم.. ودائماً، وفي أزمات، ومنافسات داخلية، ومناسبات متنوعة،، يتحنى المجرمون الصهاينة بالدم الفلسطيني والعربي، للظهور بمظهر البطولة، وكسب الرأي العام الداخلي إلى جانبهم. وفي خطوة مكمِّلة، قصَدَ نتنياهو ميونيخ للظهور أمام مؤتمر الأمن المنعقد فيها، وفي تصعيد حاد ضد إيران، هددها أمام "مؤتمر عالمي للأمن"، بضربها مباشرة، حيث قال، وهو يرفع بيده حديدة من قطع طائرة "درون"أُسقطت فوق أرض فلسطين المحتلة:".. سنعمل، ليس فقط ضد جماعات "مَرعيَّات"،إيران التي تهاجمُنا، بل ضد إيران نفسِها.".. وهناك استعرَض، وعرَض أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، في آخر يوم من أيام انعقاده، ما وصفه وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف بـ "الفيلم الكرتون، الذي لا يستحق التعليق عليه."، وكان من الملائم وصف نتنياهو أيضاَ بـ "غراندايزر"في هايد بارك مع إضافة أنه"النووي، والإرهابي الفظيع.
فيا لهذا الكذَّاب المُحتَرف، والإرهابي العريق، من "محظوظ"، ليس بتلقي هذه الركلات والاتهامات الموجهة إليه أخيراً، في أسبوع واحد، بل بالأيدي التي امتدت وتمتد إليه لتنقذه من مصير شبه محتوم، وتبقيه في السلطة.. إذ أن هذا هو ما يحرص عليه، حرصه على البقاء حياً.. فبعد تاريخ طويل، حافل بالاحتيال، والخداع، والنّصب، والإجرام.. وبكل أنواع الحقد العنصري، الذي لم يسلم منه أطفال فلسطين، ولا شعبها الصابر، المنكوب بالاحتلال الصهيو-أميركي، الذي يقتل، ويدمر، ويسرق الأرض، وينشر الأكاذيب، ويشوه الحقائق، ويبقى فوق المساءلة والقانون.. بعد هذا، وبعد موضوع القدس.. تحتشد روافع سياسية، واقتصادية، لتحول دون غرق نتنياهو. ففي يوم الاثنين ١٩ شباط/فبراير ٢٠١٨ أعلنت "شركة الطاقة الإسرائيلية "ديليك دريلينغ"، التي تتشارك مع "نوبل إنرجي"الأميركية، أن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليين، تمار ولفياثان، وقعوا اتفاقات مدتها عشر سنوات لتصدير ما قيمته 15مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى شركة دولفينوس المصرية.". وهو اتفاق بيع الغاز لمصر بملبلغ ١٥ مليار دولار. وبهذه المناسبة اعتبر نتنياهو أن"اليوم هناك عيد في إسرائيل"، وقال بهذه المناسبة، أمام مجلس وزرائه:"إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضاً علاقاتها الإقليمية .. أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو، والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة، وستُصرف هذه الأموال لاحقاً على التعليم، والخدمات الصحية، والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين.".
وعلينا أن نلاحظ توقيت الإعلان عن الصفقة، فهو توقيت ذو دلالات متصلة بالشخص والحدث، أي في الوقت الذي يكاد فيه نتنياهو يغرق، وقوله إن ذلك "سيعزز أمن إسرائيل، وعلاقاتها الإقليمية".. من حيث توظيف المال، وربط "إسرائيل"بعلاقات اقتصادية وأمنية، مع دول عربية في المنطقة، وهي علاقات سيكون لها تأثير سياسي وأمني.. حيث من المنتَظر، حسب بيان شركتي "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية، و"نوبل إنرجي" الأميركية، أن تجري مفاوضات مع شركة غاز شرق المتوسط، لاستخدام خط الأنابيب العائد لها في نقل الغاز، إضافة إلى الخط الناقل نحو الأردن. و[[شركة شركة غاز شرق المتوسط EastMediterraneanGas-EMG، هي شركة مشتركة، تملكها الهيئة العامة للبترول المصرية بنسبة (68.4%)، والشركة الإسرائيلية الخاصة مرحاڤ بنسبة (25%) وشركة أمپال-إسرائيل الأميركية، بنسبة (6.6%).والشركتان الأخيرتان يملكهما رجل الأعمال الإسرائيلي يوسف مايمان، ضابط المخابرات السابق في الموساد. والشركة تزاول نشاطها في منطقة حرة خاصة بالإسكندرية."/هذا عن ويكيبيديا -شرق المتوسط./.
كما أن علينا أن نلاحظ، أن إشارة نتنياهو إلى هذا الحدث، وغمغمته بسواه، وتهديده، وغطرسته.. كل ذلك يأتي في ظل الحدث الذي ما زال يدوِّم في الفضاء العربي -الإسلامي، أعني ذاك المتعلّق بإعلان القدس، المدينة التي أسسها اليبوسيون العرب، وما زالت عربية وستبقى.. القدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.. إعلانها عاصمة لكيان الإرهاب والعنصرية، "إسرائيل".. وفي ظل العمل الصهيوني على ضم الضفة الغربية، واستمرار العدوان والحصار على غزة، وتهديدها بإبادة تتوالى فصولها وظواهرها ومظاهرها والإرهاصات بها، عبر صمت وتواطؤٍ فاجعين.. ويأتي في ظل قتل الفلسطينيين يومياً، وزج الآلاف منهم في السجون والمعتقلات النازية الجديدة، وفي ظل التهويد، والتوسع الاستيطاني فيما تبقى للشعب الفلسطيني من أرض وطنه التاريخي، فلسطين .. وفي ظل العدوان المستمر على سورية، والتآمر على وحدتها، أرضاً وشعباً.. وتهديد لبنان "بإعادته إلى العصر الحجري"، إذا لم يتنازل عن مقاومته، وثروته النفطية، وأرضه، وحدوده البحرية لكيان العنصرية والإرهاب "إسرائيل"؟!.
وبصرف النظر عمّا يفعله نتنياهو لنفسه، وعمّا يجنيه شخصياً من ذلك الدعم الذي يجنيه، فإن ما يتم، يشكل دعماً غير محدود، وتقوية "مستدامة"، لكيان الإرهاب الصهيوني المحتل، وتغاضياً عن أطماعه وممارساته وتمدّده، وعن نشره لنار الفتنة في المنطقة، واستهتاره بعرب ومسلمين..
ومن المؤسف، الفتاك في الصميم، أن يشارك في دعم كيان الاحتلال، بعض من يُفتَرَض فيهم أن يقاوموه، لينقذوا شعبهم، وليحرر الأرض والأمة منه ومن شروره.. ومما يدخل في أبواب من المثالب، والمعايب، والسلبيات، والكوارث والكبائر التي لا أريد أن أعدد بعضها، أن يرى عربٌ ومسلمون، في أعداء العرب والمسلمين، وفي الذين يشنون حرباً شعواء عليهم منذ عقود، بل منذ قرون من الزمن، وفي من وصفوا الإسلام بالسرطان -وهم وباء العالم، مادياً ومعنوياً، بوقائع ومواقع تاريخية - وأن يروا في من وصفوا ملياراً وستمئمة مليون مسلم، في أنحاء العالم، بأنهم مصابون بسرطان "الإسلام"؟!، ويجب إبادتهم لتخليصهم منه؟! وأن يرى عربٌ ومسلمون، في عنصريين تاريخيين، هم عبء وعار على الإنسانية كلها.. أن يروا فيهم حلفاء ومخلِّصين، وأن يستعينوا بهم على بعضهم بعضاَ، في الحرب والسلم.. بينما يبصرونهم بالعين والعقل والفعل، وهم:"يقتلونهم، وينهبونهم، ويفسدون بينهم، ويستبيحون بلادهم، ومقدساتهم، وحيواتهم، ويشوهون قيمهم وعقيدتهم، وما يعبدون ويعظِّمون.. يفعلون ذلك بغِيٍّ ظاهر، ووهم غامر، بل بعماء، وعَته، وظلم للذات والأخ، والآخر الشريك في الرأي والرؤية والمصير.. ويعجبهم أن يبقوا في غيّهم سادرين، يرون أنفسهم "جبالاً تسير"؟!، بكِبرٍ يعلو فوق كل كِبْر؟!مخالفين العقل والمنطق والحكمة والمصلحة، ودروس التاريخ وعِبَرِه، ومفرّطين بحقهم في الحياة الكريمة، والحرية القويمة، واتباع النهج المستقيم، باستقلال وجلال وإجلال.. ومخالفين أيضاً، ما أمرهم الله سبحانه وتعالى به، في قوله:﴿ لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ﴿٢٨﴾ - سورة آل عمران.
إنه لمن المُحزن، على الرغم من كل ما جرى وما يجري، وما يحيق بالأمتين العربية والإسلامية من مخاطر زاحفة .. من المُحزِن ألا يراجع عرب ومسلمون مواقفهم، ومسيرتهم الفاجعة، وأن ينظروا في ما تستحقه شعوبهم وأجيالهم من أمن من جوع وخوف، ومن تعاون منقذ، ومناخ عيش سليم قويم.. ومن الفجع ألا يتفاهموا فيما بينهم، وألا يتنازل كل منهم للآخر عن شيئ، بينما يتنازلون لأعدائهم عن أشياء؟!.. إنهم مطالبون بفعل شيئ بناء، ضمن المسؤولية التاريخية والأخلاقية، لمن يتولى أمر الناس.. لكنهم لن يفلحوا في الوصول إلى شيئ من ذلك المَنشود، إلا بعد أن يتنازل كلٌّ منهم عن ادعائه العريض، بأنه الأول والآخر، والظاهر والباطن، ومن يمتلك الحق المطلق، والعصمة التامة.. إذ عند تلك العتبة فقط، من عتبات العقل والمنطق والحكمة والرؤية، يستطيعون الدخول بصدق وثقة وشرف، إلى بيت الأمة الواحدة، الواعية العزيزة، وإلى ميادين النصر المبين.. بعون من الله، وبهدي العقل، ونور القلب، وبصر البصيرة.