[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”لقد تأكد من خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي, كم هو الانكشاف الأمني العربي, وكم هي محنة العرب في عدم القدرة على لم أنفسهم والكف عن البحث عن أمنهم ضمن مصالح دول أخرى يهمها أن يكون العرب مجرد موالين لهم, ليس في إطار استراتيجية أمنية إقليمية، وإنما في تداعيات تجعلهم وقودا لحروب عديدة.”

أي فقر أشد من فقر الحضور العربي في مؤتمر الأمن الدولي الذي انعقد بمدينة ميونيخ خلال الأيام القليلة الماضية, أقصد في الفقر هنا ليس بعدد المسؤولين العرب الذين حضروا المؤتمر, ولا أيضا بشأن العوز في توفر الفرص لهم للحديث أمام المؤتمرين, وإنما أقصد انعدام القضية القومية المشتركة التي كان يجب أن تكون محورا موحدا لهم في تطلعاتهم الأمنية، بالرغم أن جميع المسؤولين العرب الذين تعاقبوا على المنصة كانوا يتحدثون عن منطقتهم التي اتصفت منذ عدة سنوات وحتى الآن بالمزيد من الاحتدامات السياسية والخصومات الدموية.
لم تكن أحاديثهم في إطار مناشدة العالم لإنصاف الحق العربي في السلام والتنمية والشراكات المنصفة, بينما لمست مقابل ذلك العديد من الذين تحدثوا من خارج المنظومة العربية, أنهم كانوا يتماهون في أفقين من الأمل, الأول يتعلق بالحاجة الإقليمية التي يحتمها وجود بلدانهم ضمن حزام المنطقة التي هم من نسيجها, والثاني في إطار رؤيتهم لمنظومة الأمن الدولي على وفق ما يتمنونه لإرساء علاقات وطيدة تحقق الاستقرار وامتلاك القدرة على مواجهة التحديات بروح الفريق المشترك, ولولا مداخلة وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف الذي قال فيها إن اللبنانيين وحلفاءهم مستعدون للاستشهاد في سبيل بلدهم, أقول لولا هذه الإطلالة السيادية فإنك لا تستطيع أن تمسك ولو نقطة واحدة أقر فيها المتحدثون العرب أن الأمن الإقليمي، وكذلك الأمن الدولي ينبغي أن يمرا من خلال حقوق الأمن العربي القومي لمجموعة بلدان جامعة الدول العربية.
إجمالا لقد خذل أغلب المتحدثين العرب في المؤتمر شعوبهم عندما غربوا واتسعوا في اجتهادات سياسية وأمنية لم ولن تجذب غير المزيد من التيه السياسي مع أن أحد (رموز) الصورة القومية المتمثلة بأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط كان حاضرا، لكنه لم يستطع أن يسعف المطالب القومية ولو بورشة واحدة من ثلاثين ورشة عمل عقدها المشاركون في المؤتمر.
هو العيب برمته أن يكون العوز الأمني العنوان الأكثر ثقلا في الحياة العربية، ومع ذلك لم يجد المتابعون للمؤتمر أثرا له فيه, وتباعا لم ترتسم في أفق المؤتمر أية عناوين لافتة تستدعي التوقف عندها بشأن مفهوم الأمن القومي العربي, أو أن هناك أزمة هوية تعصف به, ولذلك جاءت الرؤية الدولية بشأن المنطقة العربية وكأنها لا تستجيب لأي علاج ينهي أزماتها.
إن هذا الوضع سيكون أكثر سوءا إذا لم تنتصر الدول العربية لمواقف مشتركة, ولو بالحد الأدنى الذي نصت عليه التوجهات التي طالبت بها مؤتمرات سياسية عربية تعددت عواصم انعقادها ورياحها الموسمية, ولي أن أضيف هنا حسنة لوزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري الذي أكد من خلال مداخلته في المؤتمر كم هو العوز الأمني والسياسي الذي تعيشه المنطقة العربية, علما أن مداخلته تضمنت معلومات غير مسبوقة أشار فيها إلى عسر الفهم العربي إقليميا, وكأنه يقول للعرب خلال تلك المداخلة لقد أضعتم أنفسكم, في تصورات ساذجة, وإن قوس الأزمة الذي يضرب مناطقكم تتحملون المسؤولية الأكبر في اشتعالاته.
الحال, لقد تأكد من خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي, كم هو الانكشاف الأمني العربي, وكم هي محنة العرب في عدم القدرة على لم أنفسهم والكف عن البحث عن أمنهم ضمن مصالح دول أخرى يهمها أن يكون العرب مجرد موالين لهم, ليس في إطار استراتيجية أمنية إقليمية وإنما في تداعيات تجعلهم وقودا لحروب عديدة.
الخلاصة إننا عربيا الآن في الشتات النفسي الأمني مع ضياع للبوصلة, ولي هنا أن أتوقف عند توصية للأديب الكولومبي الراحل ماركيز (لا تنظر إلى الآخرين من فوق إلا في حالة واحدة عندما تساعدهم على الوقوف), فمتى يحقق المسؤولون العرب أصحاب النفوذ الأقوى ذلك في بلدانهم؟