[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لايمكنني كشامي، أي تابع للشام، إلا أن أصحو على تدريب تخوضه قلعة الأمة حيث الذئب الكبير يحاول نهش لحمها. تتطلع الشام الى جنوبها المختال بأريحية ما يفعله من جهاد، كي تربت على كتف أبنائها .. القلعة الغزاوية ليست مضطربة كبعض العرب الذين يخافون على اسرائيل اكثر من خوفهم على حالها، بل إن حقدهم عليها تفهمه وتتفهمه .. هم لايريدون قتالها عن نفسها ولا حتى عنهم، لقد أسلموا راياتهم للكيان الغاصب، سلموه مفاتيح قلوبهم منذ زمن، صاغوا الود إليه، حتى جامعتهم العربية بطلت ان تكون عربية ومن الأسف أن نقول إنه تنطق بالعبرية.
زمن التحولات حينما لايكون هنالك من مرجعية لها قامتها مثلما كانت مصر إبان جمال عبد الناصر أو كان هنالك حافظ الاسد. النطق بالعبرية إذن صار من مستلزمات المرحلة، ومن صنوف التعبير عن التعاضد مع أصل تلك اللغة وأهلها.
حتى بعض المحطات العربية صارت تنطق بالعبرية، إنها لغة نسيان التاريخ الذي تألقت فيه الأمة وكانت نور الأرض .. لم يعد النطق بهذه اللغة هواية بل احتراف في مساحات العشق لأصحابها .. ان تنطق بها يعني انك محظوظ لدى اسرائيل ولمن هم وراء إسرائيل، ولكل من اعتمد اسقاط الممانعة، بداء من قلب العروبة النابض سوريا الى مقاومتها التابعة لها.
لكن غزة تخوض زمن المخاض لتعرية الواقع العربي الذي بدا دائما عريانا، واضحا كعين الشمس، لكل المتأمل بهذه الأمة سوف يجد مبتغاه، غزة التي تقع في جنوب الشام، والتي كونتها لغتها الخاصة التي هي لغة المجد، تكشف الكثير عن أسرار العرب، زمن الغربة التي يعيشها كثير من العرب الذين لهم أحلام وردية ندية كالعروبة والحس القومي بل الجمع القومي.
ليس اسحق رابين وحده من تمنى أن يبتلع البحر غزة عند صباح ما، بعض العرب تمنوه وما زالوا، حلم لن يتحقق لأن القلعة الشامخة ستظل بوجه الريح، تتحول اليوم الى صرخة حق، الى عنوان يسأل عنه كل حر كي ينضم اليه، وتسأل عنه الانسانية كي تتعرف على مثار قوته، والقوة الكامنة فيه من صلب القضية تكونت، من روح فلسطين العاصية على المحو والانقراض كما يشاءون.
لينطق كل مختار بلغته التي تأخذه حيث يهوى، لنا العربية التي تقوى على كل اللغات وأن ننطق بها يعني أننا نهوى أمة تنتمي لها .. نتعلم اللغات لا لكي تكون الاحساس البديل عن لغتنا الأم، بل لنعرف الآخر.
غزة القلعة صار لها نفوذها وإن كانت جيبا صغيرا الناظر اليه يشك بقوته، لكنها أصيلة في عربيتها وعروبتها، جميلة وهي ترسل قوتها صواريخ لها وقع اللغة التي تمتلك. يعني ذلك حرية مكانها، لقد اختارت اللحن الذي يشبهها، فها هي تجعل العالم يشعر كم هو لحنها مؤات حتى لو كرهوه، لكنها تسأل عن أهل الميدان في مصر العروبة أين هم وأين كل الميادين التي ملئت ذات يوم.
ومع ذلك لا نشعر غرابة الدهر، ولا الزمن، هنالك طريقتان للتعبير في هذا المحيط العربي لا ثالث لهما: أما النطق بالعربية احساسا وقولا ، وأما النطق بالعبرية لغة واحساسا.