هل يزيح الغاز البترول من عرشه؟ ويتسبب في صراعات إقليمية؟

- إسرائيل تسرق غاز فلسطين وتتعدى على 850 كيلومترا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بحدود لبنان
122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يسهل التنقيب عنه في المنطقة
- تنامي المخاوف من صراعات حدودية بسبب الاستكشافات
- مصر تأمل بأن تتحول إلى مركز إقليمي لصناعات الغاز وتستخرج من حقل (ظهر) العملاق 400 مليون قدم مكعبة يوميا

تنبأت العديد من الدراسات عن تحول الصراع العالمي من البترول للغاز ليزيح البترول من على عرش الطاقة، وبحلول نهايات القرن العشرين أصبح للغاز مكانته الاستراتيجية المهمة في وقت تنبأ فيه الخبراء بإزاحته للبترول من على عرش المواد المولدة للطاقة في غضون عدة عقود».

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/10/godamorsi.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جودة مرسي [/author]

وتقول مجلة «النفط والغاز»: «الفارق الأساسي الآن بين أسواق النفط والغاز أن أسواق الغاز تتغير بسرعة كبيرة، وستصبح دول لم تكن على القائمة، من ضمن أكبر الدول المنتجة للغاز مثل أستراليا وموزامبيق وربما تنزانيا، وخلال السنوات المقبلة ستدخل القائمة دول جديدة مثل سوريا ولبنان والكيان الإسرائيلي، وربما قبرص وبولندا وربما الصومال أو بعض أجزائها». وقد أشار تقرير الولايات المتحدة للمسح الجيولوجي أن حوض البحر المتوسط يمتلك احتياطي نفط يصل إلى 1.7 مليار برميل من النفط يسهل التنقيب عنه، إضافة إلى 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي الذي يسهل التنقيب عنه. وشهدت منطقة شرق البحر المتوسط اكتشافات واستخراج للغاز خلقت خريطة جديدة لأهداف مختلفة منها ماهو اقتصادي أو تعاون إقليمي أو أهداف سياسية مبطنة بعوامل اقتصادية أبرزت للصورة خلافا إقليميا قد يتغير حسب ماتفضى عنه المواءمات أو طاولة المفاوضات، إلا أن أطماع بعض الدول في هذه الاكتشافات باتت واضحة من تقسيم للحدود وتهديد بتوقيف الاستخراج .. أي أن هناك صورة مضيئة وأخرى مظلمة قد تنتج من هذا الغاز.
وقد أعلنت الاثنين الماضي شركة "ديلك" الإسرائيلية، عن توقيع اتفاقية ضخمة لتوريد الغاز إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدى 10 سنوات. وقالت الشركة إنه سيتم تزويد شركة "دولفينوز" المصرية بـ7 مليارات متر مكعبة من الغاز سنوياً". ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوقيع الاتفاقية وقال "أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو، والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذا وفي الواحد والثلاثين من يناير الماضي احتفلت مصر ببدء الإنتاج المبكر من حقل ظُهر العملاق للغاز الطبيعي، الذي يعد أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط.
وتدير شركة «إيني» الإيطالية الحقل منذ اكتشافه في أغسطس 2015. ومن المتوقع أن تتحول مصر بفضل الحقل إلى مركز إقليمي لصناعات الغاز الطبيعي.
وبلغت الاستثمارات في حقل ظُهر حتى الآن 5 مليارات دولار، من إجمالي استثمارات متوقعة بقيمة 12 مليار دولار، وتقدر احتياطات الحقل البالغ مساحته مائة كيلومتر مربع، بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز؛ أي ما يعادل 5.5 مليار برميل زيت مكافئ. بينما بدأ الإنتاج التجريبي من حقل ظُهر في نهاية ديسمبر الماضي بطاقة 350 مليون قدم مكعبة يوميا، التي ارتفعت حاليا إلى 400 مليون قدم مكعبة يوميا. وتسعى مصر إلى تسريع الإنتاج من حقولها المكتشفة حديثا، وتستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال 2018 العام الجاري. وتشير التقارير أن ذروة إنتاج الحقل ستتحقق مع نهاية عام 2019 بإنتاج يبلغ 2.7 مليار قدم يوميا، أي ما يعادل نصف إنتاج مصر من الغاز المسال. وتعتبر مصر هي الدولة الوحيدة في مجمل الدول الباحثة عن غاز شرق المتوسط التي لها حدود متفق عليها بخلاف بقية الدول التي تقع على حدود مشتركة لإقليم شرق البحر المتوسط مثل دولة الاحتلال إسرائيل وقبرص واليونان وتركيا.
وقد تسببت حقول الغاز المكتشفة في شرق البحر المتوسط في اتخاذ مسار جديد للصراع بين بعض الدول بالمنطقة والتي تعيش منذ سنوات توتراتٍ سياسية كبيرة، ما يهدد باتخاذ النزاع أبعاداً أكثر خطورة في المستقبل القريب. ولا يُستبعد أن يتطور الصراع متعدد الأطراف إلى مناكفات إقليمية قد تصل في آخر المطاف إلى حرب إقليمية أو عالمية؛ فالمنطقة تضم احتياطات استراتيجية ضخمة وصلت، وفقاً لتقديرات المسوح الجيولوجية الأميركية إلى ما يقارب 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وتؤجج عمليات ونوايا التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط التي أعلن عنها، مؤخراً، نيران الأزمة الإقليمية المحتدمة التي يشترك فيها كل الدول المشتركة في حدود الاكتشافات الغازية. ولتشابك الحدود بفعل دولة الاحتلال الإسرائيلي المرشحة لنزاعات إقليمية عديدة ينشأ النزاع مع لبنان على جزء من حقل غاز يقع على حدود البلدين، وماتبعه من رفض لبنان للاتفاقية التي وقعت بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وقبرص كون الاتفاقية تعدت على مايقارب 850 كيلومترا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بحدود لبنان، وتقول دراسة إن اكتشاف حقل «لفيثان» البحري للغاز الطبيعي قبالة سواحل فلسطين المحتلة يعد أحد أهم اكتشافات الغاز في عام 2010، إن لم يكن أكبرها في العالم لغاية الآن، إلا أنه ليس بجديد على إسرائيل أن تكتشف مثل هذه الحقول في مياه البحر المتوسط، فكان أول اكتشاف لها في عام 1999 لحقل « ماري- بي » الذي استمد منه نحو 2.8 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 10 سنوات، تلاه اكتشاف حقل تامار البحري الذي يعد قريباً من حيفا، وقُدر احتياطيه بحسب بعض الجهات الصهيونية الرسمية أنه قد يفي باحتياجات إسرائيل للغاز الطبيعي لمدة 20 عاما.
ويوازي هذا رفض تركي لاتفاقية ترسيم الحدود الموقَّعة عام 2010 بين قبرص ودولة الاحتلال الإسرائيلي لكون الجزيرة لا يحق لها البدء في أية عمليات تنقيب لانقسامها بين جزئين تركي وآخر يوناني ..( مع أن الجزء الشمالي من الجزيرة الذي أعلن انفصاله عن الدولة القبرصية لا تعترف به سوى تركيا) كما أن تركيا بسبب مشاكلها السياسية مع القاهرة ترفض اتفاقية ترسيم خط الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص الموقَّعة عام 2013، بحجة أنها تمس بحقوقها الاقتصادية بمنطقة شرق المتوسط. وقد أعلنت تركيا اعتزامها بدء التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط في المستقبل القريب خاصة وأنها في حاجة متزايدة لاستخراج الغاز الذي تستورد أكثر من 95٪ من احتياجاتها منه من الخارج لا سيما من روسيا وإيران. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد حذر دولاً وشركاتٍ من التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية الواقعة قبالة سواحل قبرص. ونصح الشركات الأجنبية التي تقوم بالتنقيب قبالة هذه السواحل بألا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها من خلال ثقتها بالجانب اليوناني. وقال أردوغان: "نحذّر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة (في إشارة إلى اليونان) وقبرص ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية". من جانبه أكد وزير الطاقة والاقتصاد السابق في حكومة شمال قبرص التركية، سونات أطون، على حق تركيا في التنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية، معتبرا أن التحركات التركية في مياه البحر المتوسط، تأتي في إطار القوانين الدولية. ومؤخرا اعترضت قطع بحرية تركية، طريق سفينة تابعة لشركة «إيني» الإيطالية لاستكشاف النفط، التي كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز المكتشف أخيرا في المياه القبرصية مما يدخل إيطاليا طرفا في الصراع لحماية العمل بشركتها (ايني) صاحبت الاكتشافات الأكثر في المنطقة، ولم تقف مصر لمشاهدة الحدث بل أعلنت بقوة عن نيتها لحماية حدودها البحرية وحقوقها في استخراج الغاز فبثت فيلما أظهر البحرية المصرية وهم يحمون حقل ظهر للغاز الطبيعي، بالبحر المتوسط، وذلك باستخدام القطع البحرية الحديثة «ميسترال».
ومع كل هذه الاختلافات الإقليمية المصحوبة بأطماع الفوز بثروات هائلة نتيجة هذه الاكتشافات ترتسم في الأفق خريطة جديدة للصراع قد تجر المنطقة لحرب كبرى تتشابك فيها المصالح الاقتصادية مع الخريطة السياسية التي يجرى رسمها للمنطقة بتدخل أطراف من خارج المنطقة، ويساعد على ذلك حجم تأثير الغاز في تحريك السياسات الدولية في ظل معاناة أغلب الدول من الطلب المتزايد على مصادر الطاقة داخلياً والنقص الذي تعاني منه.
فعلى سبيل المثال قد يكون لسوريا حق في هذه الاكتشافات خاصة وأنها تقع على التماس من هذه الاكتشافات وقد يكون بإيعاز من عملاق الغاز الروسي ـ صاحب أعلى احتياطات للغاز في العالم والتي وصلت إلى ألف و688 تريليون قدم مكعبة ـ البحث والاستكشاف لحقوق الجانب السوري في هذه الاكتشافات لتجد روسيا لها موضع قدم في الاستفادة من أرباح الاكتشافات وهدفها العودة مرة أخرى لتكون أكبر مصدر للغاز في العالم بعد أن تفوقت عليها أميركا وأصبحت أكبر منتج للغاز في العالم. يصاحب ذلك الخوف الروسي وهو أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا من تغيير الخريطة بسبب وجود بديل ممكن للغاز الروسي، خاصة وأن هناك «حديثا عن أن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، متمثلة بسوريا ولبنان وإسرائيل وقبرص، ستصبح مصدرة غاز لأوروبا، لذلك فأن المعركة التي تدور في منطقة الشرق الأوسط لها علاقة بالغاز.
فبجانب التدخل الروسي في سوريا وأطماع إسرائيل في غزة وشنها بين فترة وأخرى حروبا عليها طمعا في الفوز باستخراج الغاز وامتلاكه، وغيرها الكثير من الصراعات التي حملت في طياتها أو أحد جوانبها شكوكا كبيرة بوجود أهداف وخلفيات خفية لها تتمثل في الصراع العالمي المتزايد للسيطرة والاستفادة من مصادر الطاقة.
وقد شهدت المنطقة خلال الفترة الأخيرة بروز تحالفات متصاعدة تتشكل في المنطقة وتحركها دوافع اكتشافات الغاز منها احتمالات التقارب التركي الإسرائيلي، والحراك التركي في إفريقيا، وعلاقات أنقرة مع جورجيا، وكما هو الصراع محتدم على المنابع تنشط الدبلوماسية الدولية من أجل السيطرة على خطوط النقل، حيث تقدم تركيا نفسها على أنها الخيار الأفضل عالمياً لنقل الغاز الطبيعي من الشرق إلى الغرب، متسلحةً بموقعها الجغرافي الذي يتوسط القارتين ويجعل من تكاليف نقله عبر أراضيها الأسهل والأرخص عالمياً. كما أن الاتفاقية التي وقعت مؤخرا لتوريد الغاز إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار على مدى 10 سنوات فتحت المجال لتصدير الغاز الاسرائيلي الى اوروبا عبر مصر ويشير الخبراء إلى أن مصر لديها بالفعل البنية التحتية التي تتيح لها إسالة الغاز، كما أن خط الأنابيب الموجود بالفعل يمكن استخدامه بسلاسة بشكل عكسي، مما يتوافق مع رغبة مصر في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة. كما وان ايران التي تزيد استثماراتها في الغاز لديها احتياطي عالمي ضخم وكانت شبه غائبة عن السوق لكنها ستتمكن خلال الفترة المقبلة من زيادة التصدير للعديد من الدول من خلال سوريا، وهو ما يفسر برأي مراقبين زج إيران بكل قوتها من أجل الحفاظ على نظام موالٍ لها في سوريا، حيث تتوقع مصادر اقتصادية أنه «لو سمح لإيران تصدير الغاز لكان دخلها السنوي يصل على 130 مليار دولار في السنة». إن اعتلاء الغاز على عرش الطاقة وإزاحته للنفط من هذا العرش يدفع العديد من الدول الكبرى لفرض وصايتها على هذا الذهب الجديد فكما كانت روسيا تتحكم في أوروبا بإمدادها بالغاز أصبحت منطقة شرق البحر المتوسط محط أنظار للسيطرة على الغاز خاصة وأن المنطقة بها الكثير من المشاكل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار وفرض القلاقل والأرضية جاهزة لمثل هذه المحاكات أو لفرض الوصاية لإنشاء طرق أسهل وأرخص لنقل الغاز كما يشار إلى إمكانية إيجاد اتفاق روسي إسرائيلي على عدم توجيه أي نيران إلى موانىء استخراج الغاز في دولة الاحتلال تكون قادمة من سوريا. قادم الأيام سيكشف الكثير عن الاتفاقات السياسية التي ستدفع إلى التحكم في ذهب شرق البحر المتوسط، ونجم الاقتصاد القادم الغاز إما باتفاقات اقتصادية على حساب الأطراف العربية أو تكون سببا لإشعال نيران النزاعات التي قد تتحول إلى مواجهات مسلحة.