دراسة ـ فهد بن مبارك الحجري :
أصدرت المجلة العلمية المحكَّمة (حقبة ما قبل كولومبوس) وبالاشتراك مع جمعية علم الكتابات القديمة سنة 2014م تقريراً يحمل عنوان: رموز لكتابة تتشارك فيها كولورادو وعُمان، اشترك فيه كل من فيليب إم. ليونارد وعلي أحمد الشحري؛ يوضح هذا التقرير أن " المدونات المنحوتة على الصخر في جنوب شرق كولورادو تحتوي على كتابة قديمة تم اكتشافها أيضاً في سلطنة عمان"(1)، إذ أن هذه الرموز المكتشفة في كولورادو تعود إلى مجموعة مدونات (لاجونتا) والتي اشتغلت عليها، وقد اتضح أن لها علاقة بالأبجدية (شرق أوسطية)، وإنها، أي نقوش كولورادو، تقترب من نقوش صخرية في شبه الجزيرة العربية في سلطنة عُمان؛ وقد أطلقوا على كتابات سلطنة عُمان في ظفار اسم "ظفاري"، إذ وضّح التقرير "أن تشابه الحروف، وتكرار الرموز، والأسلوب، والتقنية، والتأريخ، وغيرها من الظروف قادتنا إلى هذه النتيجة(2)".
توالت الدراسات والبحوث المتخصصة حول النقوش الصخرية في كولورادو ومقارباتها مع أبجديات شبه الجزيرة العربية؛ أثناء العمل اكتشف المتخصصون رسما صخريا في جنوب شرق كولورادو لسفينة تتطابق مع رسما صخرياً آخر في عُمان وبالتحديد في جبال ظفار كما ذكره التقرير.
لقد وضّح التقرير "أن الشعوب التي تتكلم بلسان أوتو آزتيكان (Uto-Aztican) لغة الأمريكيين الأصليين التي توزعت من منطقة أيداهو حتى أمريكا الوسطى(3)"، وُيرجع التقرير إلى أن هذه اللغة من المحتمل أن تكون خليطا لها علاقة باللغات السامية الشمالية الغربية، كما يوضح الباحث ستابس (1988، 1998) أن "هناك تشابه منهجي متطابق بين هذه اللغات المختلفة"(4)؛ بطبيعة الحال هذه يفتح باباً حول علاقة نقوش كولورادو بالنقوش والكتابات العربية القديمة في شبه الجزيرة العربية، وما الأسباب التي موقعتها جغرافياً في تلك البقعة التي تبعد آلاف الكيلومترات عبر البحار والمحيطات؟.
يشير التقرير إلى أن مضاد الجهاز الليمفاوي البشري B-21 بعد أخذ عينات عددها 115 عينة: "13 من أفريفيا، و24 من آسيا، و 31من أوروبا، و28 من الأميركتين، و 19 من المحيط الهادي(5)"، وجدوا بعد أخذ هذه العينات والتي قام بها كافالي سفورزا إيه إل (1994) أنه كان متمركزاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المستضد HLA بي-21 ) وبقية القارات والدول جاء منخفضة بشكل كبي، وبعضها معدوماً؛ هذا المستضد HLA بي-21 متركز في أميركا فقط عند الشعوب التي تتحدث لغة الأوتو أزتيكان الشماليين؛ هذا يؤكد وجود تواصل بين شعوب الشرق الأوسط وسكان الأميركتين من الشعوب التي أطلق عليها (الهنود الحمر)، وخاصة سكان جنوب غرب أمريكا الشمالية.
حول تاريخ الرموز يشير التقرير إلى "الكتابات التي تبدو شرق أوسطية في كولورادو تميل إلى أن تكون متأكسدة بشكل كبير، والتأكسد هنا يقصد به طبقة الورنيش التي تراكمت على النقوش بعد عملية النقش مباشرة وعلى مدى سنين طويلة، إذ يتم أخذ هذه الطبقة المتشكلة المتأكسدة إلى المختبر لمعرفة عمرها التقريبي من خلال تحليل الكربون المشعّ C14 ، لذلك يؤكد لنا التقرير أن عمرها ليس بالقصير، رغم أن التقرير يقول: أن "معرفة تاريخ التأكسد الصخري في المختبر عملية معقدة ومثيرة للجدل علمياً(6)"؛ لكن وبعد ذلك جاءت النتيجة على أن نقوش كولورادو تتراوح بين 2300 و 1900 تزيد أو تنقص عن 200 سنة قبل الحاضر "وهذا يقع تماماً ضمن الإطار الزمني المقترح لاستخدام الرموز الظفارية في عُمان(7)".
لقد وضَح التقرير إنه ونتيجة لنشاط حركة التجارة البحرية والبرية في منطقة ظفار واليمن، واستقبالها لكثير من الأقوام الأخرى، بحكم أن هذه المناطق كانت ثرية جداً بسبب تجارة الُلبان، فقد تركوا، سواء الشعوب الأصلية أو الوافدين إليها أبجدياتهم في تلك البقعة الجغرافية، سواء كنقوش صخرية أو كتابات بأحبار قديمة، إذ هذه الأخيرة هي التي انتشرت بشكل كبير في ظفار، وقد جمعت هذه الأبجديات الوافدة والأصلية عدة عوامل مشتركة؛ وهذا ربما الذي يوضح إشكالية فك شفرة كتابات ظفار حتى هذه اللحظة التي نكتب فيها هذا الموضوع.
من خلال مقارنة قام بها التقرير بين أربع أبجديات هي العربية الحالية، و الثمودية ، و الظفارية، وأبجدية كولورادو، الهدف منها الوصول إلى الأبجدية الأكثر قرباً وشبها بكتابات كولورادو؛ موضحا أن اللغة العربية الحالية فيها 28 صوتا متمثلة في 28 حرفا، وأن الأبجدية الثمودية تمثل العدد ذاته 28 صوتا؛ وأن الأبجدية الشحرية يوجد فيها 33 صوتا ، تشمل 28 صوتا مقاربة ل28 صوتا في اللغة العربية الحالية.
بعد ذلك عرج التقرير ليوضح بداية أبجدية ظفار ومقارنتها مع الثمودية وأبجدية كولورادو، ولأهمية الموضوع سوف أورد الفقرة من التقرير: "واحد من الأدباء الحاليين يعيش في صلالة، عُمان، قضى ما يقارب عقدين من الزمن يجمع الكتابات القديمة ويعيد البحث في الثقافات القديمة للمنطقة، وقد جمع مدونات كبيرة من الكتابات التي تشير إلى الوجود السابق لأبجدية من 33 حرفاً، وهو يعتقد أن هذه الأبجدية ترجع لما يقرب من 2000 سنة قبل الآن، وعند فحص هذه الكتابات شاهدنا أحرفاً تعود لأبجدية معروفة في المنطقة، مثل الجوفية، والإثيوبية، والثمودية، والتيمية؛ قمنا بإهمالها لأن مضمون لغتها معروف ويمكن تحليلها باستخدام لغة غير اللغة الشحرية، ولكن بما أن المخطوطات التي تحتوي على أحرف غير محددة بالنسبة للأبجديات المعروفة التي يبدو أنها تستخدم الأحرف الثمودية بالدرجة الأولى؛ وجدنا أن الكتابات/ النقوش الظفارية تستخدم 33 حرفاً: 28 منها مطابق أو مشابه للأحرف الثمودية، مع خمسة رموز إضافية؛ إن المتخصصين الذين باستطاعتهم ترجمة الكتابات الثمودية لم يكونوا قادرين على ترجمة الكتابات الظفارية باستخدام اللغة ذاتها التي يترجمون بها اللغة الثمودية(8)".
بعد ذلك تأتي المقارنة بين أبجدية كولورادو وأبجدية ظفار، بحيث توضح أن "المخطوطات التي وجدت في كولورادو تتضمن 27 رمزاً من الرموز الثمودية البالغ عددها 28 رمزاً، كما وتستخدم خمسة رموز إضافية، ثلاثة من تلك الرموز ،الإضافية، تتطابق مع ثلاثة من الأحرف الظفارية الإضافية، والرابع تقريباً شبه مطابق، بينما الخامس لديه صفات بعيدة عن الرمز الظفاري(9)".
هذا يعطي مؤشراً قوياً حول التطابق بين أبجدية كولورادو مع أبجدية ظفار؛ أما بالنسبة للرمز الخامس من الرموز الإضافية فإن الباحث علي الشحري يؤكد عكس ذلك وإن الرمز الإضافي الخامس في أبجدية كولورادو يتطابق مع الرمز الخامس من أبجدية ظفار، وذلك لأن الكتابة اليدوية في الصخور تؤدي إلى عدم وضوح بعض الكتابات لبعض الباحثين في بعض الأحيان، وبالتالي أدى ذلك إلى التطابق التام بين الأبجديتين.
لقد وضّح التقرير في خاتمته "أن بعض الباحثين ومن ضمنهم الأدباء المعاصرين يشعرون أن المخطوطات الظفارية هي أبجدية وتحتوي على رسائل تركها السكان القدماء في المنطقة؛ يبدو أن الشعب استخدم كتابة مشابهة للثمودية لكن عند النظر فيها بالمجمل هي بالتحديد متلائمة مع لغتهم التي اعتبرناها على أنها شكلاً قديماً من اللغة الشحرية(10)"؛ بعد ذلك يوضح اختبار فكرة الموضوع "التي تقول أن الرموز في نقوش كولورادو منشؤها الأصلي ظفار يجب أن يتم تحليل الكتابات والنقوش الظفارية أولاً، عندها يمكن استخدام المعلومات المستقاة من ذلك في محاولة تحليل نقوش كولورادو(11)".
من خلال ما ورد في التقرير يمكن الوصول إلى نتيجة وهي أن كتابات/ نقوش ظفار وأبجديتها لا يمكن قراءتها وفك شفرتها من خلال الأبجدية الثمودية رغم التشابه الحاصل بينها، وهذا راجع إلى أن اللغة السائدة في المكان والتي يتحدث بها السكان تختلف عن اللغة الثمودية، في مفرداتها ومعانيها وتراكيبها، ليؤكد هذا ويقود إلى نتيجة تؤدي أن الأبجدية الظفارية لها خصوصيتها التي لا تشبه اللغات الأخرى؛ لذلك إذا أردنا ترجمة الحروف والتراكيب في كتابات ونقوش ظفار لا بد من الرجوع إلى اللغة المحلية في جغرافية المكان، ودراسة اللغة المحلية دراسة جيدة للتمكن من فك شفرتها؛ ومما سوف يساعد على ذلك هي محاولة تحليل الكتابات مع الرسوم المصاحبة لها من خلال ربطها، تحليلياً؛ ثم لا ننسى النبش في الحياة الدينية القديمة التي كانت سائدة في المكان ودراستها دراسة ميثولوجية وتحليلها من خلال المنهج الأسطوري الذي قد يوفر معطيات لا يمكن توقعها؛ وإضافة إلى كذل ذلك لا بد من التركيز على الدراسات الثقافية التي تعقب الكشف الآثاري، على اعتبار أن علم الآثار بمثابة قاعدة البيانات التي تنطلق من بعده بقية العلوم( التاريخ القديم، الميثولوجيا، الدراسات الثقافية..).

---------------------------

الهوامش والإحالات
*صورة غلاف مجلة حقبة ما قبل كولومبوس في بداية الموضوع.
(1) ليونارد، فيليب إم و الشحري، علي أحمد: رموز غير محللة لكتابات تتشارك فيها كولورادو و عُمان، مجلة حقبة ما قبل كولومبوس، تقارير أبحاث الجمعية الأوروبية E.S.R.S، 2014م.
(2) المرجع ذاته.
(3) المرجع ذاته.
(4) المرجع ذاته.
(5) المرجع ذاته.
(6) المرجع ذاته.
(7) المرجع ذاته.
(8) المرجع ذاته.
(9) المرجع ذاته.
(10) المرجع ذاته.
(11) المرجع ذاته.
*جدول المقارنة بين أبجدية كولورادو وظفارفي الصفحة الأخيرة.