الباحث المسرحي سعيد السيابي : المسرح الوطني كالحلم الذي كان قريبا من أعيننا لكنه غادرنا بسرعة

البيئة المسرحية العمانية محفزة على تقديم النصوص ومساحة المسموح كبيرة

لا توجد أزمة نصوص مسرحية ودرامية ولكن يوجد قلة دعم ورعاية

كتب ـ خميس السلطي:
يرى الأستاذ والباحث المسرحي الدكتور سعيد بن محمد السيابي، أن المسرح العماني قفز خطوات كبيرة نحو تشكل كوادر عمانية، وجميع الانشطة المسرحية من عروض وحلقات تدريبية يمكننا أن نطلق عليها (محاولة الاثبات للانطلاق) حسب تصوّره ، كما يرى السيابي في حديث خاص (لأشرعة) أن المسرح الوطني كالحلم الذي كان قريبا من أعيننا لكنه غادرنا بسرعة وذلك يعود لأسباب حسب رؤية ..

محاولة الاثبات
كما يرى سعيد السيابي الباحث في شؤون المسرح والذي دائما ما يصاحبه هاجس المسرح العماني وواقعه والحالة الثقافية التي يمر بها في الوقت الراهن، يشعر إن المسرح العماني قفز خطوات كبيرة نحو تشكل كوادر عمانية تحمِل في داخلها المحبة لهذا الفني الثقافي الذي وجدت وأوجدت نفسها فيه، ولقد أصبح وجود أي مشاركة عمانية خارجية يحسب لها حساب بأن المنافسة مع الفنانين العمانيين تكون قوية ولن يتخلوا عن الحصول على مراكز، أما بالنسبة للداخل يكاد لا تمر فترة زمنية في العام الواحد إلا ونجد هناك تجربة جديدة يقدم عليها المسرحيين العمانيين من خلال الفرق المسرحية التي سعت للتواجد بسمعة طيبة من خلال تنظيمها لمهرجانات مسرحية كبيرة وتغطت المحلية إلى العربية ( في الساحة العمانية ولدت أكثر من خمسة عشر مهرجان مسرحيا)، بالإضافة إلى الشراكة مع المؤسسات التعليمية والجامعية التي بدورها تشكلت جماعات المسرح في معظم الكليات التقنية والتطبيقية والخاصة وجماعة المسرح بجامعة السلطان قابوس . ويضيف السيابي في سياق حديثه: جميع الانشطة المسرحية من عروض وحلقات تدريبية يمكننا أن نطلق عليها (محاولة الاثبات للانطلاق) وسبب إطلاق هذه التسمية من وجهة نظري هو التذبذب الحاصل في جميع ما ذكرت فلو وجدت جهة مسرحية (كهيئة أو مؤسسة) ترعى جميع هذه الجهود وتنظمها وتدعمها باستراتيجية واضحة الملامح لكنا البلد العربي القادم لقيادة المنطلقات الفنية والمسرحية إذا بلغت الفرق المسرحية في السلطنة أكثر من 36 فرقة مسرحية تغطي معظم مناطق السلطنة وتتقدم للمهرجان المسرحي العماني أكثر من 22 عرض مسرحي وهذه أرقام حقيقية نتمنى لها المزيد من الخطوات وأن لا نتأخر عليها ونتركها للارتجال ورهن الدافعية الفردية.

حرية لفنية
كان للسيابي حضور مغاير في مهرجان المسرح العُماني السابع الذي أقيم في مدينة صحار وهنا يتحدث عن التنوع في الهالة المسرحية التي خرج بها هذا المهرجان ويقول: بشهادة المسرحين العرب وفي أكثر من دورة في المهرجان يشيدون بمساحة الحرية الفنية، والأفكار الخلاقة التي تقدمها الفرق المسرحية العمانية، والتي تناقش هموم عربية كبيرة، وقضايا مطلقة كالأمانة والصدق والحب والسرقة والغدر والكذب والوفاء، وهذا مفادها إلى وجود كتاب عمانيين مسرحيين مستنيرين، في المقابل كذلك هناك مخرجين عمانيين استطاعوا من خلال مشاهداتهم العربية نقل تجارب مهم وتقليدها في نصوص عمانية، واستخدموا التجديد في التقنيات والسينوغرافيا والموسيقى المنتقاة، بالإضافة إلى الاعتماد على ممثلين محترفين أصبحوا بحكم الاستمرارية في التمثيل لا يقلوا موهبة عن باقي الممثلين العرب ويشار لهم بالبنان. ويتطرق الدكتور سعيد السيابي إلى مهرجان صحار على وجه الخصوص في هذا الشأن مضيفا: أما عن مهرجان صحار تحديدا وبالنسبة لي كمراقب للعروض ومعقب على معظمها إنها تفاوتت في القيمة الفنية فالتركيز على الرسالة الجادة أفقد عدد من العروض أهمية المتعة، بحيث يخرج الجمهور بعرض يحمل مفاهيم وفلسفة عالية ولكنها قدمت بدون متعة وتسلية التي تغلف حبة الدواء المر، لذا كانت بعض العروض مغرقة في الرسالة والمعرفة التي تريد أن تنقلها دون تواضع لمختلف شرائح المتلقين الذين هم في الاساس غير مسرحيين ويحتاج أن تصل الرسالة لهم، وهذا من أسوء الفهم للمهرجانات وعروضها وخصوصا من فئة الشباب التي تكرر ثلاث قيم وتقنيات ( السواد، الدخان، الصراخ). طبعا بكل تأكيد كذلك هناك عروض كالقمر الذي يظهر ويكتمل مرة واحدة في الشهر فيفرح من يطالعه وخصوصا العرض الفائز بالمركزين الأول والثاني كان التوفيق حليفهما في الاداء الجماعي والتكاملية في عناصر العرض.

اشتغال مسرحي
يحدثنا الدكتور السيابي عما تقوم به الفرق المسرحية في السلطنة من اشتغال على مهرجانات واكبت التطورات الدولية، والأ بعاده الثقافية لهذا الأشتغال فيعلق: هو تطور محمود من ناحية الهدف والأفكار التي تقدمها الفرقة من اجتهادات فإذا ما قمنا بقراءة صادقة وبدون مجاملات ما تقوم به الفرق من جهد فردي هو لا تستطيع حاليا أن تقوم به مؤسسة ، لم نجد إلى الآن أي مؤسسة تقوم باستضافة ثلاث مهرجانات مسرحية في توقيت واحد وبلجان مختلفة وعروض متنوعة فهذا جهد كبير تقدمه على سبيل المثال فرقة الدن للثقافة والفن بإقامة هذا المهرجان، وفي الشأن ذاته يضيف السيابي: كذلك الفرق الأخرى كمزون التي إقامة مهرجان متخصص لمسرح الطفل وغيرها من الفرق التي نظمت مهرجانات كبيرة فهذا الجهد يحسب للفرق العمانية ولكني كذلك أتخوف من تراجع أدوار المؤسسة الرسمية المعنية بالثقافة والمسرح من الاتكال فقط على هذا الحراك الذي يحمل عن كاهلها دعم هذا النشاط وتراجع في دورها لحساب إن هناك مهرجانات كثيرة في الساحة العمانية فليس هناك ضرورة بأن تفكر هي بزيادة أدوارها ورفع مستوى مهرجانها ودعمه لان مهرجانات الفرق لا تتطلب ميزانيات كبيرة فالساحة الفنية العمانية تحتاج إلى أن يكون دور المؤسسة هو في القيادة والريادة في الحواضر الكبيرة لهذا تم إنشاء مسارح الشباب العمانية في مختلف مناطق السلطنة ودور الفرق يتكامل في إقامة مهرجانات في الولايات والأطراف البعيدة بحيث هذا التبادل يخلق منه تكامل في الخريطة الفنية والمسرحية العمانية.

حلم المسرح الوطني
حول المسرح الوطني في السلطنة تفسر الدكتور السيابي ذلك الحلم فيقول: المسرح الوطني كالحلم الذي كان قريبا من أعيننا لكنه غادرنا بسرعة، حيث كمشروع وصل به التخطيط والتفائل بالتنفيذ إلى نقطة طرح العطايا في العام 2013م، ولكن للأسف توقف من جديد بسبب الازمة المالية الحالية، فقد كان كتاب عمان 1982م يوجد به تصريح السيد فيصل بن علي وزير التراث القومي والثقافة بأن الوزارة في طور بناء مسرح وطني. كل الأماني بأن يكون في العاصمة مسقط هذا المسرح أو المركز الثقافي الذي تأخر كثيرا وأهميته من أهمية الشارع والجسور لأنه شارعٌ للفكر وجسرُ للمحبة والإبداع الذي ينتظره الفنانين العمانيين والخليجيين والعرب ليقدموا عليه خلاصة إبداعهم وفكرهم المستنير.

يعود بنا الباحث سعيد بن محمد السيابي ليخبرنا عن تجربته الشخصية ومشواره في الكتابة الدرامية والفصول التي مرت بها هذه التجربة وهنا يصرّح: ما زلت أجرب وابحث عن شغف جديد ينقل الأفكار التي أومن بها وأحب أن أرها في بلدي وشعبي فسلطنة عمان دولة عميقة تاريخيا ولها أرثها الحضاري الكبير وتمتلك مخزون من الحكايا والأحداث الهامة وما محاولاتي إلا لكشف بعض مناطق الجمال التي حبانا الله بها فمن التجارب التي قدمتها وبفخر هي الأعمال والمسلسلات الإذاعية ( رحيل، لن تغني موزة، امرأة بين طريقين، رياح الحب، نوافذ على شرفة الروح) وسهرات إذاعية (من منا لا يعاني، القرار)، وعن الكتابة التلفزيونية ما زال مسلسل (رياح الحب) ينتظر من يأخذ بيده من الورق إلى التجسيد على الشاشة، فهو قصة حب مأخوذة من البيئة البدوية العمانية ويحمل قيمة مجتمعية راقية مع أشعار مميزة كتبها الشيخ المكرم محمد المسروري.

نجم شباك التذاكر
فيما يخص نجم شباك التذاكر في الحضور المسرحي السلطنة هناك مسؤوليات مشركته هكذا يراها الدكتور سعيد السيابي، خاصة إذا توافق ذلك مع أسس صناعته وفي هذا الجانب يقول: صناعة المسرح بشكل عام في مختلف دول العالم في تطور كبير ونحن لا نقل خبرة ولدينا كوادر عمانية مؤهله ممن أن تمسك بزمام هذا التطور وجلبه للاقتصاد العماني فكما نعلم أصبح النجم والفنان هو سفير لبلده وأيقونة ممكن الاعتماد عليها في الاتباع للترويج لأي منتج وطني بل العكس جميع الشركات الكبيرة العابرة للقارات تعتمد على النجوم في الفن والرياضة للترويج لمنتجاتهم وصناعاتهم فكيف بنا الآن ونحن في القرن العشرين وهذا التسارع الكبير في التسويق والتنافس إلى الآن لا ننظر في أهمية صناعة النجم الذي تتدخل فيه شركات الرعاية والدعاية والإعلان (فعلى سبيل المثال في بعض الدول تتكفل شركات كبيرة بتوفير كل ما يحتاجه نجم جديد ذكر كان أو أنثى من حياة كريمة كبيت فخم وسيارة فخمة وملابس فخمة ومصورين محترفين وصحفيين كبار لعمل اللقاءات معه وعمليات تجميل وتحسين شكله الخارجي بالإضافة الى وكلاء يتفاوضون عنه لعروض فنية وأعمال تطوعية. وفي السياق ذاته يؤكد السيابي: كل هذا مدفوع مسبقا من الشركات التي مسؤوليتها صناعة هذا النجم الذي يدر ملايين للدولة وخزينة الاعلانات فيها. فالتطور الذي يشهده العالم في خلق الايقونات/ القدوات الفنية للأسف نحن ما زلنا متراجعين فيه وتركنا هذا القطاع الفني على عاتق الفنان الانسان بدون أن تسانده آلة حكومية داعمة أو شركات القطاع الخاص الفنية التي تتجاوز في تعاونها حدود الوطن والدعم الحكومي . هنا يقدم السيابي رؤيته: لذا نصيحة مباشرة أضعها أمام أصحاب الفكر ومحركي الاقتصاد بأن عليهم النظر بشكل أقرب إلى مبدئ التفكير خارج الصندوق وبأن الفن والدراما والمسرح كنوز ما زالت لم تكتشف في سلطنتنا ويمكن التعويل عليها بقوة متى ما منحت النظرة الاقتصادية وأنها توفر قوى عاملة تشغيلية كبيرة تحرك نفسها بنفسها وتضع عجلة دوران الارباح الدولية فيها بفضل الموقع الجغرافي الذي حبانا الله به وعشرات الشركات التي تبحث عن مواقع تصوير مبهرة وغير مستهلكة ومتنوعة بين بيئات بحرية وجبلية وسهلية ولدينا الأمان الذي لا يتوفر في الكثير من دول العالم واللغة الانجليزية التي يتحدث بها قطاع كبير من الشعب ليسهل التواصل مع هذه الشركات والمؤسسات بالإضافة إلى الفنيين والعاملين المؤهلين في قطاعات كبيرة تتماس مع المجالات الفنية.
باختصار صناعة نجم هو مسؤولية الجميع من الفنان نفسه الذي يهتم بما حباه الله من موهبة، وقطاع خاص مستشرف للمستقبل ومتنوع في استثماراته، وانتهاء بالدولة التي توفر وترعى هذه الموهبة وتقدر ما يمتلكه أبنائها من طاقات خلاقة.

أزمة نصوص
ثمة من يتحدث ويدّعي ان لدينا أزمة نصوص درامية او مسرحية وهنا يؤكد الدكتور سعيد السيابي: في معجم المسرح العماني الذي نشرناه أنا والصديق الدكتور محمد الحبسي عن المسرح العماني في العام 2006م وجدنا أكثر من 310 مؤلف قدموا نصوصا مسرحية في الساحة المسرحية العمانية، وهذا رقم كبير حتى على مستوى الخليج التي تسبقنا بأعوام في نشاطها المسرحي والفني ولكن بعض من المؤلفين قدموا نصا مسرحيا واحدا واختفوا والبعض الآخر ما زال مستمرا في تقديم النصوص المسرحية ويشارك في تقديم نصوصه للمسابقات والمهرجانات المسرحية ويكفينا فخرا بأن النص المسرحي العماني وجد مكانه في جائزة السلطان قابوس وحصل عليها المؤلف والكاتب الكبير عماد بن محسن الشنفري في العام 2013م. فمن وجهة نظري لا توجد أزمة ولكن يوجد قلة دعم ورعاية فالجهد الكبير الذي يبذل للتأليف الدرامي والمسرح يكبر ويستهلك وقتا وطاقة ويحتاج إلى التشجيع والثنائية بين المؤلف والمخرج والمختبرات الفنية المسرحية التي للأسف تنقصنا ولا تتواجد وكذلك دور الجامعات في تعليم وتشجيع الكتابة الابداعية الدرامية ومتى ما تضافرت هذه العناصر لوجدنا كتاب مسرحيين عمانيين ينافسونا على جوائز عالمية وليس محلية فقط.
إشكالية الرقيب، ذلك العائق الذي يقف في وجه الإبداع هذا ما يراه البعضوما يقوم به من ممارسات قد يراها البعض عوامل تأخر لواقعنا الفني في السلطنة .. هنا يوضح السيابي بقوله: بداية لابد من التنويه في السلطنة ووزارة التراث والثقافة توجد لجنة قراءة ومراجعة النصوص الدرامية والمسلسلات والافلام ولا يطلق عليها لجنة رقابة وهدفها واضح وبتوجيهات مباشرة من صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة بدعم الشباب وإبداعهم وتقديم النصح لهم فهي لجنة أقرب إلى الدعم منها إلى الرقابة والمنع فعلى سبيل المثال خلال الأعوام الثلاث الماضية أكثر عن 400 نص مسرحي تم اجازتها وما تم ابداء الملاحظات عليه بعدم مناسبته ليقدم على خشبات المسرح العماني نص واحد فقط، وهذه جهد كبير يحسب للوزارة ويساعد على الاستمرارية والتحفيز ويقلل من الوقت الذي تقوم به لجان في دول عربية ذات طبيعة رقابية للنص ورقابية فنية على العرض. فالبيئة المسرحية العمانية ولله الحمد محفزة جدا على تقديم النصوص والعروض المسرحية وباختصار مساحة المسموح كبيرة والمناطق الممنوعة اجتماعيا ودينيا وسياسيا ضيقة كثيرا لذا اتمنى من الزملاء الكتاب الاستمرار في تقديم نصوصهم المسرحية والكتابة بشغف ومحبة أكبر فعمان تستحق المقدمة والتميز في عطاء وإبداع أبنائها.