صمتوا... والبوح يعصرني ليلى لا سبيل نحو الهداية .. الهداية ايقونة فراغ في شرع ناصيتهم الليل دهر والحب منفى والظلام قيثارة الصمت الذي غيبهم.
هنا كانت راعية الحي تمشط قصيدها ينسل للقلب تغاريد وألحان وهنا كان كان عليان جابي القفار يقتات ريح آثار من رحلوا.. هنا كانوا .. هنا كنت غانيتي التي تمسد القلب ورسا وتخضب العين سكنى .. هنا كنت
هل تذكرين حديث الغواية الأول يوم صلينا وأممتي الصف أمامنا حينها مر عليان مقهقها : حيا الله علووووه صلينا يوم الامام حرمه
أذكر حينها تبعثر الصف من خلف منسدحين أرضا يتبعون القهقهة بضحكاتهم يومها لبست الليث ثوبا وتقنعت الغضب وركضتي وراءنا عافطة إيانا بوابل سيل من الحصى واللعنات يومها ركضنا وركضنا وركضنا وركض من بعدها زمن مسد ظفائر بياض كبياض السحاب السائق ديمة غيث يغسل ما في الأرواح من درن.
هل تذكرين حصاد " الحميضه" لاأدري ما الذي حرك في نفسي رائحة ذاك الصباح الذي سرحنا فيه ذات صيف لطيف بقطيع القرية ناصية شرجة " الصرمه" يومها قررنا ان نقتفى صمت مجراها الغائر بين دفتي جبل لنفاجئ بعدها بغدير ماء صاف صفاء الأرواح النقية أضحك اليوم وانا اتذكر ارتمائي في الخرس بحذائي " بو طيره" فرحا وببراءة الأنقياء دعوتك واقراننا للانضمام معي ما ترددتي لكن ارتميتي وبقينا نهارا ونحن نتراشق قطرات الماء العذراء حتى قرب انتصاف النهار ولم ننتبهه الا لثغاء الشياه تنادينا ان قد حان أوان الأوبة ركضنا تسابقنا خطانا للعودة بالقطيع وبذات التسابق تسابقنا أيادينا ونحن نقتطف " قور" " الحميضه" نملؤ بها جيبوبنا الصغيره وأكياس فوالتنا الصباحية لننشح في صينية غداءنا لذة سلطة الرويد مع الحميضة والقاشع والبصل الأبيض في وجبة لا يفقه كنه لذتها الا من عاش أيام الطيبين اتعلمين امرا أجزم أنه لو زرنا الآن احدى تلك المطاعم المدفونة في الكهف المسقطي لوجدناهم ادرجوهذه الوصفة في قوائم وجباتهم تحت عنوان سلطة جبل الصرمة بقيمة 5 ريالات .. أضحك نعم أضحك لأنه لا يعرف لذة سلطة كتلك الا من صعد الجبال ومن لا يحب صعود الجبال حرمت عليه لذة الحميضة..
يعتصر الروح نزيف الحنين لتلك السموات الزرقاء النقية التي تصاعدت ناحيتها حناجر اهل القرية عصر ذلك اليوم بان شاة العجوز غليمة ضاعت وما عادت مع العائدات من الشياه من بطن الوادي .. شاة غليمه هي وحيدتها ترملت على تيسها بعد أن فجعها بموته كلب مسعور تاركا الشاة وحيدة كوحدة صاحبتها الأرملة أيضا.. ما زلت اتذكر عيني جدي القادحة شرارة الاتهام ناصيتي أنا شخصيا بالتقصير لعدم انتباهي للشياه وهي ترعى ومن سيل إلى سيل من الاتهامات والتعنيفات الممزوجة بتعويبة العجوز غليمة وهي تبكي شاتها أيقنت أن حكم القصاص واقع علي لا محال ... ها هي تتطاول وتتمدد معانقة عيون زرقة السموات لتهوي على ظهري سياط عقاب من جدي تلك باكورته المحنايه الغليضة التي ما هوت على ظهر كافر إلا وأسلم الدين والدنيا آمنت بربي أني معاقر خمرة حناها بظهري وتلوت ما تيسر من آي بتلعثم وتنشيج البكاء قبل البكاء .. أغمضت العين والقلب مصروع .. كان جدي قرر جلدي وانا المكسو دشداشة لا فوقها ولا تحتها شيء فجأة كانت نقاوة زرقة السموات ساجدة على ظهري بقدسيتها صارخة في قبة الباكورة أن اهوي على الجسد المكسو جسدا ولا تبقي ولا تذر من إيانا شيئا فذنبه ذنبي وعقابه عقابي!!!
تلك السماوات الساجدة على جسدي كانت صلوات جسدك المنعكف دفاعا عني أمام داهية جدي المحناه.. تلك السانحة هي الاشراقة الوحيدة التي شهدت فيها ابتسامة جدي الخالدة في دهليز الذاكرة لأني ما شهدت قبلها ولا بعدها ابتسامته حتى غادرتنا اشراقة لخيته المخضبة إلى هاليز الراحلين.. الكل ابتسم حتى العجوز غليمه الباكية شاتها فما شهدت قريتنا قلبا يقف أمام جبروت باكورة جدي منذ أن قبضتها يمناه إلاك انت عاليةّ!!
تطابق جسدانا في عذرية الخوف وما اتهمنا زيفا بل أضحكنا قرية ما اجتمعت يوما على ضحكة الا يوم ضياع شاة غليمة التي شهدناها منسلة قرب مغيب يومنا إلى بيتها وقرينتها لتغفو قريتنا هادئة وادعة كدعت أرواح ناسها الطيبين الأنقياء.
عالية أيتها القصيدة العذراء بنقاوة طفولتنا ها أنا اعود إلى تلك الساكنة على كتفي جبل الصرمة وشرجة الكافر أعود غريب الوجه والكف واللسان مررت اليوم على سكك تمرغنا في تربتها ما عاد التراب يحضنها ببياضه البني فالسواد فرشها .. أتعلمين وأنا فارد جناحي بفرح ناصية عتبة بابك البادي كفستان أبيض ألبسناه فرضنا المتمايل الحاضن للحب استوقتني عجوز تطوي سواد السكك بخطوتها كأنها تبحث عما تعفط به من كفروا ببابي الجنة وسلم الخلاص فعفروهم بتراب الموت وهم أحياء.. كنت أنت أيتها الساكنة سماوات النقاء وكنت أنا الشاهق من نومه باكيا باحثا عن جسد يكسوه نقاء وبراءة في زاوية معتمة على سرير أبيض تمزقه سياط من رباهم فكفروا به بعدكِ!!.

إدريس بن خميس النبهاني