[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
كما في كل مرة يوظف الوضع الإنساني والحقوقي في خدمة كل ما هو غير إنساني، وغير أخلاقي، ولا يعلو هذا الوضع ولا يحضر إلا عند اللحظات الفاصلة للدولة السورية والقاتلة لمخطط تدميرها وتقسيمها، حيث لم يبقَ من هذا المخطط إلا فتاته في كل من الغوطة وإدلب.
ومثلما حضر الوضع الإنساني في حمص والزبداني وحلب في إطار المحاولات المستميتة لمعشر المتآمرين على سوريا لتثبيت بؤر إرهابهم المتمثلة في التنظيمات الإرهابية التي يدعمونها، ها هو الوضع الإنساني ذاته يُطل مجددًا على المشهد الزاحف بكل ثبات وقوة وطول صبر وعزيمة لصالح الدولة السورية وشعبها وجيشها من بوابة الغوطة وعبر مجلس الأمن الدولي، حيث تفيض أروقته وزواياه بدموع التماسيح والنفاق التي باتت عرفًا ومؤشرًا من مؤشرات مخطط تدمير سوريا لا تنفتح فيه القنوات الدمعية إلا حين ينجح الجيش العربي السوري في كسر حلقة جديدة من حلقات المخطط، وكما هو ثابت وموثق بالوثائق والصور والفيديوهات في المناطق السورية التي قام معشر المتآمر ينفيها بالمتاجرة بحقوق الشعب السوري، وتوظيفها في تمكين ما أنتجوه من تنظيمات إرهابية راهنوا عليها في خدمة مخططهم التدميري والتخريبي واستكماله بتحطيم سوريا، لم يكن الوضع الإنساني لآلاف المواطنين السوريين المحاصرين من قبل التنظيمات الإرهابية هو الهمَّ الحقيقي والهدف المشترك بين معشر المتآمرين، وإنما كان الهمُّ الحقيقي والهدف الأكبر هو إبقاء جذوة الإرهاب مشتعلة في هذه المناطق وذلك بإتاحة المجال لتدفق الأسلحة والمواد الغذائية والأدوية، ولإعادة تنظيم صفوف التنظيمات الإرهابية، وتسمين قطعانها بأعداد مستوردة ومجلوبة من سجون الإرهاب والإجرام لدى معشر المتآمرين، وللتشويه والتحريض والتأليب وإرباك تقدم الجيش العربي السوري وعرقلته عن ملاحقة هذه التنظيمات والقضاء عليها، وتطهير المناطق المصابة بدائها الإرهابي والتكفيري. ولعل أجلى صور توظيف الوضع الإنساني والمتاجرة بحقوق المحاصرين من قبل الإرهابيين التكفيريين تلك المتمثلة في سيطرة التنظيمات الإرهابية على قوافل المساعدات الإنسانية، وقيامها بابتزاز الجوعى والمكلومين المحاصرين وبيعهم الغذاء والدواء بأغلى الأثمان، كما كان الحال في الزبداني وما جرى في حمص.
على أن الأهم وهو: لو كان معشر المتآمرين المتاجرين بحقوق الإنسان السوري صادقين فيما يقولون بأنهم يسعون إلى مساعدة الشعب السوري، وصادقين فيما يرفعونه من شعارات إنسانية، لكانوا توقفوا عن أهم أمرين كفيلين بتحقيق ما قالوه ورفعوه من شعارات، وهما: أولًا: رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة عن الشعب السوري، وثانيًا: محاربة الإرهاب والتخلي عن دعم ما أنتجوه من تنظيمات إرهابية تكفيرية.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فما يعمل عليه معشر المتآمرين في الغوطة الشرقية حيث تمضي عملية تطهيرها من الإرهاب التكفيري الظلامي من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، هو سيناريو مكرر لما اشتغلوا عليه في مدينة حلب؛ نعلًا بنعل وكتفًا بكتف، ومثلما وظفوا ذبابهم الإلكتروني وماكيناتهم الإعلامية لتضرب على أوتار عواطف البسطاء والمغيبين عبر السيمفونية النشاز "حلب تحترق"، يجري توظيفهم في الغوطة عبر السيمفونية ذاتها، وأنها تباد من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، ومثلما قامت التنظيمات الإرهابية باستهداف الأحياء الخاضعة لسلطة الدولة السورية في حلب بمئات القذائف وإيقاع عشرات القتلى والمصابين، تمارس التنظيمات الإرهابية في الغوطة نهجها الإرهابي ذاته على دمشق موقعة أيضًا عشرات القتلى والمصابين، ومثلما امتطوا صهوة مجلس الأمن، ممتشقين سيف شرعية الأمم المتحدة ليدقوا عنق سوريا بفصل حلب عنها، ولتمكين تنظيماتهم الإرهابية وللدفاع عنها ولتزويدها بما تحتاجه من غذاء ودواء، وللتمكن من تهريب العتاد من السلاح والأعداد من المرتزقة إليها التي أطبق عليها الجيش العربي السوري كماشة صلبة يومها، وذلك عبر بوابة الوضع الإنساني والتخفي بالمساعدات الإنسانية والمطالبة بوصولها إلى المدنيين المحاصرين داخل أحياء حلب، ها هم يمتطون اليوم الصهوة عينها في الغوطة الشرقية،حيث صوَّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع لصالح مشروع قرار حول وقف إطلاق النارفي أنحاء سوريا كافة دون تحديد موعد دقيق لبدء وقف إطلاق النار. والقرار الذي يطالب الأطراف كافة بالتقيد بهذه الهدنة مكون من خمس فقرات عبارة عن مجموعة مطالب إنسانية تبدأ بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا لمدة ثلاثين يومًا، والعمل على تسهيل وإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء، وتسهيل إخلاء الجرحى والمرضى وخصوصًا من الأطفال.
ما من شك أن فترة ثلاثين يومًا هي فترة كافية بمقاييس الدعم وإعادة تنظيم الصفوف للتنظيمات الإرهابية، وكذلك لعلاج من أصيب من عناصر هذه التنظيمات، وربما أيضًا للسماح بخروج ضباط الاستخبارات والعسكريين التابعين لدول معسكر التآمر والعدوان على سوريا، كما جرى في حمص والزبداني وحلب.. ولعل رفض الوفود الأميركية والبريطانية والفرنسية إصرار الوفد الروسي على تضمين الفقرة الأولى من القرار إدانة قصف المدنيين في دمشق العاصمة، والمطالبة بوقف تمويل الإرهابيين يكشف الوجه الحقيقي والأهداف المرادة من وراء هذا القرار، الذي يؤكد أنه لا يختلف شكلًا أو مضمونًا عما سبقه من قرارات في هذا الجانب. فذارفو دموع النفاق المتآمرون يعلمون تمامًا أن تطهير الغوطة أمر محسوم بقرار سوري، وأنه عند التوجه لتطهير إدلب سيكون الظهر السوري آمنًا ومؤمَّنًا، كما أن الأحبال السرية التي مثلتها الغوطة الشرقية قد قطعت. وبالتالي من لم يخرج طوعًا سيلقى مصيره، كما حدث في حلب وحمص والزبداني وغيرها. ويبدو أن روسيا الاتحادية واعية لأهمية تطهير الغوطة أولًا، ولخلفيات قرار مجلس الأمن وأهدافه، لذلك سارعت إلى إرسال سفن حربية إضافية وطائرات مقاتلة متطورة من طراز "سو 35" إلى سوريا، فهي تعلم أن سيناريوهًا مشابهًا لسيناريو إسقاط مقاتلتها في إدلب أمر وارد، خصوصًا وأن فترة ثلاثين يومًا من المحتمل جدًّا أنها ستشهد إدخال أسلحة متطورة إلى الغوطة لإمداد التنظيمات الإرهابية بها.


[email protected]