[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” عملية إنشاء مطار جديد على هذا المستوى ليست سهلة على الإطلاق , إنما هي عملية معقدة تحتاج صبرا و تخطيطا ومتابعة وتكاليف مادية باهظة, ولكن بفضل الله استطاعت حكومة السلطنة اختيار الطريقة المثلى لتنفيذ هذا المشروع العملاق عن طريق تقسيم المشروع إلى مراحل على هيئة حزم تم تنفيذها على مدار السنوات الست الماضية ؛ بحيث تتوزع التكلفة على موازنات سنوات التنفيذ حتى لا ترهق الميزانية العامة للدولة,”
ـــــــــــــــــــــــــــ

الشكل المبهر الذي ظهر عليه مطار مسقط الجديد المزمع افتتاحه 20 مارس القادم, والمستوى الراقي للتقنيات الحديثة المزود بها لتسهيل الإجراءات وتقليل أوقات الانتظار , والتي أشاد بها كل من أتيحت له فرصة زيارته في المرحلة التجريبية, هذا الإنجاز الملموس أجاب على التساؤلات التي سبق وأثارها البعض حول التكلفة والوقت الذي استغرقه إنشاء المطار حتى يرى النور .
عملية إنشاء مطار جديد على هذا المستوى ليست سهلة على الإطلاق , إنما هي عملية معقدة تحتاج صبرا و تخطيطا ومتابعة وتكاليف مادية باهظة, ولكن بفضل الله استطاعت حكومة السلطنة اختيار الطريقة المثلى لتنفيذ هذا المشروع العملاق عن طريق تقسيم المشروع إلى مراحل على هيئة حزم تم تنفيذها على مدار السنوات الست الماضية ؛ بحيث تتوزع التكلفة على موازنات سنوات التنفيذ حتى لا ترهق الميزانية العامة للدولة, أما عن الفترة الزمنية فهذا النوع من المشروعات لا يمكن التقيد بميعاد دقيق لتنفيذه لضخامة الأعمال الإنشائية والعقبات والمفاجآت الفنية التي يمكن أن تظهر أثناء العمل وتحتاج لحلول هندسية وتقنية ووقتا لإنجازها, كما لا تستطيع لجم زيادة التكلفة في ظل زيادة الأسعار العالمية و تقلبات أسعار الشحن والخامات الأولية وطموح الحصول على أفضل التجهيزات وأحدث الخدمات التي تتمنى أن تراها في مطارك الجديد.
ولهواة المقارنة .. أحيلهم لتقرير خرج الأسبوع الماضي في ألمانيا يشير إلى المصاعب التي تواجه إنشاء مطار برلين الجديد "آر بي بي" الذي شرعت حكومة برلين في إنشائه منذ 12سنة وبالتحديد في العام 2006م , وكان المخطط أن يتم الانتهاء منه وافتتاحه في العام 2011م ولكن تم التأجيل أكثر من مرة لاكتشاف قصور في التخطيط وعيوب في البناء ومشاكل فنية بنظام الحماية من الحرائق بصالة الركاب الرئيسية, كما كشف التقرير عن توقف العمل بالمشروع تقريبا وأنه لا يوجد أكثر من 400عامل داخل المطار, نتيجة توقف التمويل واحتياج المطار إلى مبلغ 770 مليون يورو إضافية لاستئناف العمل والانتهاء من التشطيبات الداخلية, لترتفع التكلفة الإجمالية للمطار إلى قرابة 7.3مليار يورو, وتأجل موعد الانتهاء من مبنى الركاب إلى نهاية العام الحالي 2018م وأرجئ ميعاد الافتتاح إلى مطلع 2020م , حدث هذا في ألمانيا التي يُضرب بها المثل في التخطيط والتنفيذ والالتزام بالمواعيد وامتلاكها مدرسة رائدة في الحلول الهندسية والتقنية والاقتصاد الأقوى في أوروبا.
لاشك أن إصرار حكومة السلطنة على الانتهاء من إنشاء هذا الصرح الحضاري العظيم في هذه التوقيت, يعد إنجازا كبيرا في ظل الضغوطات التي مرت بها الموازنة العامة للدولة نتيجة تدني أسعار النفط والتحديات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والتي ألقت بظلالها على الاقتصاديات العالمية والخليجية .
وكانت المرحلة الأولى من مطار مسقط الجديد قد تم افتتاحها في نهاية عام 2014م والتي شملت المدرج الجديد والمرافق المرتبطة به من برج المراقبة ومجمع الأرصاد والملاحة الجوية بالإضافة إلى مباني الهيئة العامة للطيران المدني والطريق والجسر الرابط بين شارع السلطان قابوس والمطار الجديد ومحطات الكهرباء والتبريد, كما تم خلالها تحويل الحركة الجوية إلى المدرج الجديد الذي يبلغ طوله 4 كيلو مترات وبعرض 75 مترا ويستوعب أحدث أنواع الطائرات ومزود بأجهزة ملاحة تتعامل مع كافة الظروف المناخية والأجواء الضبابية مما يسهل حركة متابعة الطائرات واستقطاب خطوط طيران جديدة , وكان افتتاح هذه المنشآت بمثابة مرحلة انتقالية كبيرة في صناعة الطيران بالسلطنة ونقلها إلى آفاق أوسع بفضل التقنية الحديثة والأجهزة الذكية المستخدمة في أنظمة التشغيل التي تستخدم لأول مرة على مستوى العالم في مجال المراقبة الجوية والتي وفرت بيئة عمل مريحة للمراقبين الجويين وأعطت معدلات سلامة إضافية في إدارة حركة الطائرات في الأجواء العمانية وساعدت الطيارين في تحديد المدرج وارتفاعه بدقة وسهولة, كما زادت معدل استقبال الطائرات من 30 إلى 40 طائرة في الساعة في أوقات الذروة بمعدل طائرة كل دقيقتين بينما كان المدرج القديم يستقبل طائرة كل 6دقائق .
وكان الافتتاح التجريبي لمبنى الركاب بالمطار الجديد هو المحطة التالية, والذي يعتبر تحفة معمارية تجمع بين الأصالة والمعاصرة مع الحفاظ على الطابع العماني الأصيل وكان شهر ديسمبر 2017م موعد انطلاق أول رحلة تجريبية من مبنى المسافرين الجديد بطائرة تابعة للطيران العماني كخطوة مهمة في مرحلة التشغيل التجريبي واختبار العمل بمعظم مرافق المطار وتم خلالها محاكاة التشغيل الفعلي للمطار بمرور المسافرين بجميع المراحل المعتادة للسفر باستخدام جميع المرافق والأجهزة والأنظمة الخاصة بالمطار, وتوجت الرحلة مرحلة التجارب التشغيلية التي بلغ عددها 22 تجربة لأكثر من 10 مرافق وأنظمة وبمشاركة 1300متطوع من المواطنين والمقيمين وأكثر من 6500 موظف بالتعاون بين فريق الجاهزية التشغيلية بالشركة العمانية لإدارة المطارات وشرطة عمان السلطانية والطيران العماني وشركات المناولة الأرضية وستستمر الرحلات التجريبية حتى موعد افتتاح المطار , باستخدام العديد من الطائرات بمختلف الطرازات والسعات والأحجام لتجربة مواقف الطائرات الجديدة والمراجعة النهائية لتكامل أنظمة التشغيل والإرشاد الآلية وأجهزة ضخ الوقود وأجهزة التبريد والتكييف وغيرها من الخدمات , وتبلغ الطاقة الاستيعابية لمبنى المسافرين الجديد 20 مليون مسافر سنويا عند الافتتاح ترتفع لاحقا إلى أكثر من 50 مليون مسافر.
تستطيع السلطنة عند افتتاح المطار الجديد الدخول في مرحلة التنافسية مع مطارات الدول المجاورة والحصول على حصة عادلة من حركة السياحة العالمية القادمة للمنطقة تتناسب مع موقعها الفريد والمقاصد السياحية المتميزة والمتعددة : من شواطئ ممتدة ومحميات طبيعية وقلاع وحصون تاريخية ومنتجعات وفنادق راقية , فضلا عن خدمة بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية.
مشروع المطار الجديد ساعد في توفير آلاف الوظائف للشباب العمانيين , بعدما تضمنت الحزمة السابعة من المشروع تدريب الكوادر الوطنية على تشغيل المرافق المختلفة للمطار وتزويدهم بالخبرات الإدارية والتقنية اللازمة للتعامل مع كافة المواقف والظروف , بجانب فرص التوظيف التي ستتولد عقب تشغيل المطار بكامل طاقته في مجال النقل والمواصلات واللوجستيات.