مرة أخرى تقف جامعة الدول العربية أمام إرهاب الدولة الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وقفة العاجز، فلم تستطع التقدم خطوة ولا الرجوع إلى الوراء خطوة.
ففي الوقت الذي كان يفترض من هذه الجامعة العتيدة أن تكون طوق نجاة لأولئك الأبرياء الفلسطينيين من الأطفال والنساء والمسنين، وقوس نصر للمقاومة الفلسطينية فيما تجترحه من مفاجآت، لم تقوَ هذه الجامعة على اتخاذ الموقف الذي انتظره منها حتى أشأم المتشائمين من الفلسطينيين والعرب. فهاهي هذه الجامعة تلتئم على مستوى وزراء خارجية أعضائها وبعد تسعة أيام من العدوان الاسرائيلي على غزة، وتصدر واحدا من بياناتها العتيدة موجهة قذائف الادانة والاستنكار والمناشدات والمطالبات ضد إسرائيل لإجبارها على وقف عدوانها على غزة وانقاذ أطفالها.
إن من يرَصد مواقف جامعة الدول العربية، سواء بالنسبة إلى القضية الفلسطينية أو قضايا دولها الأعضاء وخاصة القضايا المصيرية ومنذ تاريخ قيامها وإلى الآن، يعن له أن هذه الجامعة أقيمت لتوفير الظروف المواتية للتدخلات الغربية في الشؤون الداخلية لدولها ولتكون معينًا للمتدخلين، ولعل هذا ما يفسر اتقانها لغة الاستنكار والإدانة.
وأيضًا ووفقًا لهذا التقدير، ليس هناك تجنٍّ على جامعة الدول العربية ودورها، بل إن مواقفها هي التي تدلل على هويتها وأسلوب عملها ومهامها الموكلة إليها، بدليل أن تاريخها إلى حد الآن لم يؤرخ موقفًا واحدًا مشرفًا لصالح قضية من قضايا دولها الأعضاء، بل على العكس من ذلك، فحين غزا صدام حسين الكويت لم تتمكن من إيجاد حل لهذه الأزمة، وحين غزت الولايات المتحدة العراق في 2003م لم تتمكن من منع الغزو، وخلال العدوان الإرهابي الإسرائيلي على قطاع غزة في (2008 ـ 2009) أشهرت جامعة الدول العربية سلاحي الاستنكار والإدانة لكيان الاحتلال الإسرائيلي لـ"وقف" عدوانه وجرائم حربه بحق الأطفال والنساء والمسنين الفلسطينيين، وحين عصفت بالمنطقة أمواج المد لسونامي ما يسمى "الربيع العربي"، كانت جامعة الدول العربية أول المتحركين والمبادرين لمضاعفة سرعة أمواج المد في كل من ليبيا وذلك حين تنادت لتخرج بقرار تدعو فيه مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار للتدخل العسكري ضد ليبيا بحجة أن نظام العقيد الراحل معمر القذافي يقمع شعبه، وحين حوَّل الواقفون وراء "الربيع" أمواج مد السونامي إلى سوريا، كانت جامعة الدول العربية أول الواصلين إلى إقرار عقوبات اقتصادية ظالمة وتجميد عضوية سوريا في الجامعة، ومنع قياداتها من السفر، ومطالبة مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار بالتدخل العسكري المباشر على غرار ما تم ضد ليبيا، ولم تقف محاولاتها للبحث عن آليات تمكنها من الاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة، بل قام بعض أعضائها بتجنيد المرتزقة والإرهابيين ودعت أعضاءها لفتح صنابير الأموال والسلاح لعصابات الإرهاب والمرتزقة. وطبعًا كل ذلك يتم بحجة مساعدة الشعبين الليبي والسوري لتحقيق تطلعاتهما نحو "الحرية والديمقراطية" وغيرها من الديباجات والشعارات الزائفة المراد توظيفها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ووفق المنطق ذاته ووفق الشعارات المرفوعة ذاتها: أليس لدى الشعب الفلسطيني تطلعات نحو الحرية والديمقراطية؟ أليس هذا الشعب هو من سلب الوطن والحرية.. وبالتالي هو الأولى بأن تجند هذه الجامعة العتيدة إمكانيات أعضائها لنصرته؟
إن الشعب العربي الأوحد الذي لديه تطلعات نحو الحرية والديمقراطية ويبحث عنهما وعن استعادة حقوقه منذ ما يزيد على ستة وستين عامًا، هو الشعب الفلسطيني، فلماذا لا تُقْدِم جامعة الدول العربية على الخطوات التي اتخذتها بحق كل من ليبيا وسوريا، وتفرض عقوبات اقتصادية على كيان الاحتلال الإسرائيلي وتجمد علاقات التطبيع السرية والعلنية معه، وتطالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل العسكري المباشر لحماية المدنيين الفلسطينيين، أو على الأقل إقامة منطقة حظر طيران؟