[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]

يأتي التراث غير المادي الذي تزخر به السلطنة في ألوانه الفنية وأشكاله التعبيرية المتنوعة في مجال الأدب والفنون والتراث الثقافي الشعبي والموسيقى والأغاني والأهازيج والرقصات والإيقاعات والأشعار ذات الصبغة المحلية في أشكالها الغنائية؛ليشكل مفردة حضارية داعمة للتطوير ونهضة الفكر وتنمية الثقافة وبناء ذات الانسان العماني وتصالحه مع نفسه والآخرين محبا للسلام والوئام ورفع مستوى الطموح لديه والتحول الايجابي في نمط تفكيره، فهي لوحات فنية وتراثية تعبر عن أصالة الانسان العماني وارتباطه بأرضه والاعتزاز بقيمه الحضارية وموروثه التاريخي العريق.
وتأتي جهود السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة في رصده وتوثيقه داخليا وتسجيله ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي في منظمة اليونسكو، كنقطة تحول تضع هذا الرصيد أمام قراءات معمقة من الباحثين والعلماء المهتمين وإتاحته أمام الأجيال القادمة لفهم أعمق للهوية العمانية والخصوصية الوطنية والتي تحكي قصة الإنسان العماني ومسيرة التطوير الفكري والذائقة الجمالية الروحية والسلوك الذي يعايشه في كل مواقفه الحياتية والتعبيرات التي تحمل أبعادا ترويحية وجمالية ووطنية وقيما سلوكية تعبر عن الولاء لجلالة السلطان والانتماء للوطن العزيز والإعجاب بتراثه الخالد وما سطّره أبناء عمان في عصور التأريخ الإنساني من مآثر برزت في تفرد الثقافة العمانية والتزامها نهج التسامح والتواصل ، ولأنه يؤديها بشكل جماعي فقد شكلت رابطة وطنية أصّلت في العمانيين روح التآلف والانسجام والتعايش والوحدة الوطنية.
عليه فإن إسقاط هذا الرصيد الغنائي والفني الشعبي على الواقع الميداني يضعنا أمام قراءة لدور فرق الفنون الشعبية بالولايات في حفظه وإعادة إنتاجه بطريقة تحقق معايير وأسس المحافظة عليه والتجديد والإضافة فيه، تأخذ في الاعتبار مستوى الاهتمام الذي تحظى به هذه الفرق والدعم الذي تتلقاه بشكل يضمن التوسع فيها وزيادة أعدادها وتنظيم مهامها وتقنين مساراتها والتفكير في تأطير نوعيه الفنون الغنائية التي تتناسب وطبيعة أو خصوصية كل ولاية، بما يضمن احتواء هذه الفرق الشعبية،عبر تنوع الفعاليات والمهرجات السنوية السياحية والثقافية بالولايات والتقريب بينها وتبادل الزيارات الساعية لتنفيذ فعاليات غنائية شعبية بين هذه الفرق على مستوى الولاية الواحدة أو ولايات المحافظة الأخرى وتنسيق اللقاءات الفنية بينهم بالشكل الذي يعزز من فهم التنوع الحاصل في المفردة الغنائية الشعبية العمانية ويعزز حضورها الاجتماعي ويبني لها قبولا أكثر بين الشباب.
على أن التأكيد على الدور المحوري لهذه الفرق نابع من حالة التعدي المستمر والسرقات التي يتعرض لها التراث غير المادي العماني ، والتي تتطلب وقفة وطنية تبدأ من الداخل عبر تحريك طاقات الشباب الفنية وإشراكه في صناعة التجديد في الموروث الغنائي ودور الجهات المعنية في الوقوف مع الشباب في هذه المسؤولية من خلال تقويته وإشهاره وإبراز كل الفنون الغنائية الشعبية وإيجاد المسابقات الوطنية التي تستهدف تسليط الضوء على بعض النماذج الغنائية كفرصة لإثارة الاهتمام بها ، والحضور المستمر لها في كل المواسم الثقافية والسياحية الداخلية والخارجية ، وبالتالي إيجاد استراتيجية وطنية تراعي كل المعطيات وتقف على مساحات التغيير في صورة المنجز، وتبني أدوات أكثر فاعلية وكفاءة في التعامل مع متطلباته، وإعادة قراءة هذا الملف بصورة أكثر جدية وبناء هيكلته التنظيمية وتصنيفه وتقنينه بالشكل الذي يضمن بناء مسارات واضحة تعيد إنتاج الموروث الثقافي غير المادي بطريقة تتناغم مع رؤية الدولة وصونه من التشويه والاستغلال السلبي الذي يتعرض له.
من هنا فإن كفاءة هذه الفرق وجاهزيتها في تحقيق رسالتها الوطنية مرهون بكفاية الدعم المقدم لها واستيعابه للتحولات والطموحات والتوجهات التي تسعى الفرق لتحقيقها، فبالإضافة إلى تسجيلها في قوائم وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة، يأتي أهمية توفير الدعم المادي المساند لها من حيث توفير اللباس الموحد ( الدشداشة والمصر) والزي المناسب الذي سيكون له انعكاساته الإيجابية على أداء الفرق وتفاعل الجمهور، وتوفير السيوف والخناجر والبواكير ( العصي) بالإضافة إلى وجود مقر لفرق الفنون الشعبية وتوفير أو استئجار وسائل نقل للتحرك الجماعي بها في مشاركاتها الداخلية،وهي متطلبات ترتبط بمعايير التنظيم والمهنية التي ينبغي أن تظهر بها فرق الفنون الشعبية وبما ينعكس على إدارة عملها وتقسيم الأدوار بين أعضائها وتأصيل الابتكارية في أدائها خاصة في ظل الرصد الإعلامي والتغطيات الصحفية والتوثيقية لها عبر القنوات الإعلامية وشبكات لتواصل الاجتماعي واليوتيوب.
وعليه يبرز التحدي المادي اليوم كمنطلق للبحث عن مسار قادم وسيناريوهات عمل بديلة تضمن إيجاد صندوق وطني أو موازنة مخصصة للتراث غير المادي يصرف جزءا منها في أنشطة فرق الفنون الشعبية بالولايات وفق أدوات وآليات واضحة، على أن التأكيد على أهمية مساهمة الشركات والقطاع الخاص في إطار برنامج المسؤولية الاجتماعية في رفد هذا الصندوق أو الموازنة المالية المقررة لها ؛ سوف يعزز من سعي الحكومة نحو إبراز فرق الفنون الشعبية كواجهة حضارية في نقل رسالة التراث غير المادي الوطني للعالم خاصة في ظل ما يلمسه الواقع من دخول الشباب بقوة في تشكيلات هذه الفرق.
إننا نؤكد على أهمية أن تتبني الجهات المختصة في وزارة التراث والثقافة وزارة الاعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة السياحة وغيرها مسارات تسويقية وتعريفية بدور فرق الفنون الشعبية عبر وجود قاعدة بيانات متكاملة تتضمن نماذج توثيقية لهذه الفرق في صفحاتها الالكترونية وفي برنامج القناة الثقافية والعامة، وفي السفارات ووزارة الخارجية موثقة بالزمان والمكان والمناسبة واسماء فرق الفنون الشعبية والولاية التي تتبعها.. فهل سنشهد في قادم الوقت تحولات تقرأ هذا الملف باحترافية عالية تضمن لمبادرات وطموحات فرق الفنون الشعبية دعما أكبر للتطبيق على الواقع؟

[email protected]