حين نتوضأ بماء الشوق ينير وجوهنا، وحين نصلي في محاريب الشوق نرى آفاق العالم الآخر، نمضي في جنانٍ زاهرات، للطير شدوٌ غير شدوهم، والزهر ينفح عطراً غير عطرهم، أنوار بلا مصابيح، ومصابيح ناعسة بألوان أخّاذة، ويأسرني الحب القدسي فأغيّب الوجود، آهٍ ذابت الروح، فما أبقى الشوق فيها من باقية، وتحسب أنها تفنى، ولها في انصهارها حياة أخرى، مع الله - جل في علاه - لها أكوان وأكوان، وأشواق وعمران، وترياق وتحنان، على ضفتيها بساط لؤلؤ، وهناك.. ماذا هناك؟! جناح زفّني إلى السماء، فأي سماء لي وأي ضياء؟! يا شوق تمهّل، ها هم يستعدون للبيك، الليلٍ أدبر؟ وأي صبحٍ مقبل؟! ويحلو المسير، رضاب، هضاب، وهمس البكور، وجنات شوق، وموج البحور، وعذب الشعور.

• الله لا ينسى عباده، يبصّرهم نوره، فحين تضيق الدروب وتشتد الخطوب، ويخلو الطريق من الصديق، فلا سمير ولا بروق، يدنيهم منه - تعالى - يشعرهم برعايته، وما أعذب هذا الشعور!! حبٌّ دافقٌ يتفجّر من القلب فإذا الطريق مصابيح وجدٍ، تبكي كبكاء العيون، تحمل الروح بعيداً، هناك حيث لا ضجيج، يفترشون عتبات الشوق يبسطون قلوبهم، يعرضون هواه القدسي عليه ليرحمهم، ليكن لهم، ليرشدهم، ليعزّيهم، ليبلغهم رضوانه - جل جلاله - ليدخلهم جناته - تعالى - بعد حصاد الصبر الطويل.

• إلهي هواك حداني المسير
فأعلنت وجدي بقلبٍ شكور
غريباً مضيت وصبري مرير
وزادي احتسابي بدربي العسير
وحيداً أسير وأتلو السطور
وبرتد طرفي بحرفي الكسير
يُظلل روحي نقاء الشعور
بياض السحاب رداء العبور
ملكتُ هواك فإني أطير
بأكوان حبي.. بعطر الزهور
فلستُ وحيداً وأنت الأثير
بقلبي خفوقاً وأنت البصير.

أم عاصم الدهمانية