إذا كنا أمس قد أكدنا هنا على أهمية الشراكة وتضافر الجهود نحو دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة انطلاقًا من دورها المهم في الاقتصاد الوطني، فإن التحرك العملي باتجاه تفعيل هذه الشراكة من جميع نواحيها بات مطلبًا ملحًّا ليس من قبل أصحاب هذه المؤسسات وحدهم، وإنما لأن الوضع الاقتصادي والمناخ العام يفرضان هذا التحرك، ذلك أن التوجه الحكومي الذي جاء بناء على قرارات ندوة "تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" التي عقدت في رحاب سيح الشامخات بولاية بهلاء بمحافظة الداخلية، انطلق من النظرة الواقعية إلى دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وما قدمته من أداء كبير في اقتصادات الدول الكبرى. وبالتالي السير باتجاه تنويع الاقتصاد الوطني ومصادر الدخل، وتحويله إلى اقتصاد ثر ومتعدد ومتنوع، تسوده الشفافية والتنافس الشريف من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من شأنه أن يعطي نتائجه المرتجاة؛ لذلك فإن تعثر هذا التوجه ـ لا سمح الله ـ واضطرار رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى التوقف عن مشاريعهم، وإغلاق مؤسساتهم مع ما يصاحب ذلك من خسائر مادية، وفقدان للأيدي العاملة الوطنية وظائفها في هذه المؤسسات لا يخدم بأي شكل من الأشكال الاقتصاد الوطني، ولا يحقق الأهداف الطموحة التي استند إليها التوجه نحو إقامة هذه المؤسسات.
فحسب خبراء الاقتصاد والعالمين بأهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن هذه المؤسسات تعد المحرك الأساسي للاقتصادات الوطنية، كونها تملك أكثر من 50 بالمئة من الناتج الإجمالي للاقتصادات العالمية، وتوفر 60 بالمئة من فرص العمل حول العالم، إلا أنها تتعرض لتحديات وعوائق كبيرة، رغم دورها الإنتاجي والاجتماعي، حيث تشكل أفضل المؤسسات التي تقوم بتوزيع عادل للثروة.
ومبادرة من غرفة تجارة وصناعة عُمان لتخفيف العبء على منتسبي الغرفة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فقد قرر مجلس إدارتها أمس تخفيض رسوم الغرفة للمنتسبين في الدرجتين الثالثة والرابعة بنسبة 10 بالمئة لمدة سنة، وتخفيض رسوم الغرفة للمنتسبين في الدرجتين الثالثة والرابعة الحاملين بطاقة ريادة بنسبة 20 بالمئة لمدة سنة. كما أقر المجلس تشكيل فريق فني لدراسة موضوع الإعفاء للمنتسبين غير المسددين لرسوم انتسابهم للغرفة.. وبالنظر إلى هذه القرارات نجد أنها قرارات مشجعة وتصب في صالح دعم رواد الأعمال ذوي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وعدم التخلي عنهم وخذلانهم، وهذه الخطوة نتمنى أن تقابل بمزيد من وقفات الدعم المقدرة من جانب الحكومة، فتنظيم سوق العمل لا يعني فقط التوجه نحو تحقيق سياسة التعمين واستيعاب المخرجات والاستغناء عن الأيدي العاملة الوافدة غير الماهرة، وإنما التنظيم يشمل أيضًا دعم هذه المؤسسات حتى تتمكن من الوقوف على أقدامها، ومراعاتها من حيث الرسوم إما بخفضها لتكون في متناول رواد الأعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإما بإعفائهم منها لفترة معينة، مع أهمية أن يأخذ موضوع رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مداه وحقه من النقاشات المثرية والقوانين والتشريعات التي تحميها، لما لذلك من أهمية على الجانب النفسي والمعنوي لدى رواد الأعمال، وكذلك لتحقيق التشجيع المطلوب، وجذب المزيد من رواد الأعمال بإشعارهم بأنهم ليس وحدهم، وإنما هناك من يقف إلى جانبهم.
وتعد الحلقة النقاشية التي نظمتها غرفة تجارة وصناعة عمان أمس لدراسة مشروع قانون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الأهمية بمكان، حيث تناولت الحلقة النقاشية البرنامج الوارد إلى الغرفة من الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" والذي يهدف إلى تحقيق عدة غايات منها: توفير البيئة المناسبة لنشأة ونمو وتطور المؤسسات، وتسهيل حصولها على ما تحتاجه من تمويل وخدمات من الجهات الحكومية والشركات الداعمة وجهات التمويل، بالإضافة إلى تنسيق جهود جميع الجهات ذات العلاقة لتطوير وتنمية المؤسسات، ومساندة المؤسسات في تطوير أعمالها وتنميتها وتسهيل الإجراءات بما لا يتعارض مع القوانين النافذة. وهنا في رأينا لا بد من إشراك رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمعرفة متطلباتهم والتحديات التي يواجهونها، كما أن تدخل المؤسسات التشريعية في الدولة نحو وضع قوانين تعنى بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بات مطلبًا ملحًّا لدواعيه الكثيرة والمتعددة.