[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”إن الاستثمار في الذكاء الصناعي عربيا يحتاج إلى الاستثمار في قيم الشراكة والتعاضد وتبادل الخبرات واستيعاب الدروس من أن العالم مقبل على منافسة شديدة لا يشق فيها غبار على الأولوية لكسب فرص الحياة, أي أولوية تمكننا من مناهضة الأمية العلمية التي حذر من مخاطرها الدكتور طه حسين في أربعينيات القرن الماضي.”

أن تستثمر دولة, أية دولة في المعرفة من أجل تمكينها في إنتاج مبتكرات ذكاء صناعي فإن ذلك يعني أن هذه الدولة تتواصل في المجالات التي تجعلها قادرة على التوظيف في التنمية المستدامة ومنها التنمية البشرية عموما, وحين يعطى لهذا النوع من الاستثمار كلفته المالية الوازنة في الميزانيات العامة للدولة, واتخاذ ذلك منهجا لتحقيق ريع من هذا الاستثمار, فلا بد أن يكون الإنتاج وفيرا, فضلا عن أهميته لتعزيز عناصر الجودة التنموية وفق أسبقيات لا تتوافر في دول أخرى، وبالتالي أن ذلك يجعلها قادرة على إدارة متطلبات المنافسة التجارية العامة, وتكون السلع التي تنتجها ضمن موقع الصدارة في تفضيل هذه السلعة أو تلك على غيرها من السلع بحكم أنها تنتج بتقانة متطورة.
إن ما يحضرنا هنا, التخصيص المالي الكبير الذي وضعته الصين للاستثمار في الذكاء الصناعي والبالغ 28 مليار دولار لسنة 2018 فقط, وهو استثمار محسوب من المسؤولين الصينيين على أساس أن ذلك سيمكن بلدهم حتما من المحافظة على وجود مؤثر للسلع التي تنتجها في أسواق عالمية تصل فيها المفاضلة بين السلع إلى حد المقارنات التفصيلية من حيث المتانة والقدرة على المطاولة وتلبيتها لحاجات متعددة.
ومع استحضاري لضخامة هذا التخصيص المالي الصيني الهائل يلح عليَّ سؤال عن حجم التخصيصات المالية العربية للاستثمار في الذكاء الصناعي، علما أن واقعنا العلمي العربي لم يستطع التكيف حتى الآن مع الحد الأدنى من استخدامات هذا النوع من الذكاء المصنع.
إن التعريف الملخص عن الذكاء الصناعي يعني تطوير خصائص في الحاسوب تجعل قدراته تماثل معدلات معينة لأنماط عطاء العقول البشرية, ومن ذلك التعلم والاستنتاج وردود الأفعال, أما الفوائد المهمة له فهي معالجة كميات هائلة من البيانات وتقديم ملخصات ونتائج عن التوافقات بينها, أو المتناقضات بصيغة أكبر مما يستطيع أن يستنتجه العقل البشري، ويترتب على هذه الخطوات أن الحاسوب الذي يتمتع بالذكاء الصناعي يستطيع أن يؤثث توجهاته على أساس استخلاص استنتاجات جديدة, من التعلم الآلي ولنا أن نسأل هنا: أين نحن عربيا من هذا الاستثمار بالمعرفة؟ لا أنكر وجود محاولات جادة على هذا الطريق وليس بعيدا عن ذلك انشغال مراكز بحث وأكاديميات عربية بشأنه، ولكن كم هي مساحة هذا الاستثمار؟ وماذا قدم من نتائج جديدة يستطيع العرب المنافسة فيها انفرادا أو مجتمعين في أسواق عالمية يحكمها التوحش؟
لا شك أننا عربيا سبقنا زمنيا الكثير من الدول في الخطط التنموية، ولكنها سبقتنا في حرق المراحل والتأسيس لإحداثيات ذكاء صناعي جعلها ضمن قائمة الدول المتطورة.
إن خلاصنا من التبعية الاقتصادية, ومن ضعف السلع العربية على المنافسة, وخلاصنا من الاعتماد على تقانة الدول الأخرى, يكمن في أن تكون لدينا القدرة الذاتية على إنتاج الذكاء الصناعي بعد أن تحولت المنافسة في أسبقياتها من المنافسة بالسلع إلى المنافسة بالمعرفة.
يقينا لا يمكن لنا الاستثمار في معارف الذكاء الصناعي وتوجيه أنظار النخب إلى أهميته إذا لم نستطع التخلص من نزعات الاستثمار في الفساد والاستثمار في الضياعات لصالح توجهات سياسية تقوم على التناقض والتعارض بين الدول العربية.
إن الاستثمار في الذكاء الصناعي عربيا يحتاج إلى الاستثمار في قيم الشراكة والتعاضد وتبادل الخبرات واستيعاب الدروس من أن العالم مقبل على منافسة شديدة لا يشق فيها غبار على الأولوية لكسب فرص الحياة, أي أولوية تمكننا من مناهضة الأمية العلمية التي حذر من مخاطرها الدكتور طه حسين في أربعينيات القرن الماضي.