[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/11/yousef.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]يوسف الحبسي[/author]
لم يكن موضوع زواج جومبيه فاطمة مسألة عادية ولا شخصية، وإنما استثنائية وسياسية ـ بامتياز ـ كان لها بعد دولي وإقليمي ومحلي، تبارت فيها أجهزة الاستخبارات الدول الكبرى المتنافسة في المنطقة "الإمبراطورية العمانية" وفرنسا وبريطانيا، وقد شهد هذه الموضوع تنافسا محموما من هذه الأطراف وغيرها.

تلبية لملاحظات القراء سأضع مقدمة دائمة لهذا المقال، تشمل تعريفا مقتضبا عن هذه السلطانة التي تنافس على كسب ودها الملوك والأمراء ودول ومراكز قوى.
السلطانة جومبيه فاطمة ابنة السلطان "رامنتاكا" ملجاشي الأصل من مدغشقر، هرب من بلاده بسبب صراعات على السلطة هناك، واستولى عنوة على الحكم في جزيرة موهيلي القمرية الوادعة في عام 1832م، وتسمى باسم عبدالرحمن، وأعلن إسلامه، وتحالف بعدها مع السلطان سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، وأوصى قبل وفاته أن تخلفه ابنته فاطمة في حكم موهيلي، وصفها معاصروها بـ"حالة مرضية متقلبة المزاج" والتي تنافست على كسب ودها وخطبة يدها أطراف دولية وإقليمية ومحلية تنافسا محموما.
كان الوجهاء في موهيلي القمرية يرون أن مربية السلطانة جومبيه فاطمة، المدام "درواة" الفرنسية تسعى جاهدة لتحويل سلطانتهم الشابة عن دينها الإسلامي إلى النصرانية، ورفع الوجهاء في بداية عام 1851م عريضة إلى السلطانة يلتمسون فيها ترحيل "درواة" إلى مايوت، إلا أن السلطانة، على الرغم من إدراكها بالحرج الشديد الذي يسببه وجود هذه المعلمة لديها، لم توافق على هذا الالتماس، بسبب العلاقة الوطيدة التي كانت بينها وبين المدام "درواة".
إلا أن كبار الوجهاء في موهيلي قاموا بحياكة "خطة" تفجرت في 7 أكتوبر 1851م ضد مدام "درواة" فاضطرت هي وأختها مدام "لانغيدوك" التي كانت لحقت بها قبل بضعة أشهر، إلى مغادرة الجزيرة، متوجهتين على باخرة وصلت إلى مايوت بعد أربعة أيام، ثم توفيت "درواة" في مستشفى "دزاودزي" بمايوت في 23 أكتوبر 1851م، وشاعت في الأوساط الفرنسية يومها أنباء تفيد بأن الطباخ الخاص للسلطانة جومبيه فاطمة، عبدالله بكري قام بتسميمها قبل مغادرة موهيلي.
على الرغم من الهدوء الملحوظ الذي ساد الجزيرة، ومشاعر الارتياح التي عمت مواطني موهيلي، غداة ترحيل هذه المربية، وسط هذه الظروف المتشنجة، يبدو أن هذا الترحيل وما رافقه من وفاة مفاجئة قد ترك في نفس تلميذتها جومبيه فاطمة غير قليل من الحسرة والأسى، فقد كان ارتباطها بهذه المربية قويا، وتأثيرها عليها باديا، بل شكل ـ في الحقيقة والواقع ـ نكسة كبيرة لسياسة فرنسا في الجزيرة، وصفعة مؤلمة لأجنداتها التوسعية الرامية إلى ابتلاع هذه الجزيرة، والتي اشتغلت عليها البحرية الفرنسية ـ ليل نهار ـ طوال عقد من الزمن.
وغداة رحيل مدام "درواة" أمرت السلطانة فاطمة، وهي تبلغ من العمر خمس عشرة سنة، بأن تسمى وتنادى باسمها "فاطمة" الذي سميت به في وقت ولادتها، بدلا من الاسم الملغاشي "سُودِي"، ولوحظ بعد عدة أشهر عودة الأمير سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي الملقب بـ"مكدارا"، الراغب في الزواج من السلطانة إلى الجزيرة، بعد سفره إلى أنجوان وزنجبار والذي لم تحسن في استقبالها له في زيارته السابقة في فبراير 1850 نتيجة الضغوط الفرنسية عليها من خلال المدام "درواة".
لم يكن موضوع زواج جومبيه فاطمة مسألة عادية ولا شخصية، وإنما استثنائية وسياسية ـ بامتياز ـ كان لها بعد دولي وإقليمي ومحلي، تبارت فيها أجهزة الاستخبارات الدول الكبرى المتنافسة في المنطقة "الإمبراطورية العمانية" وفرنسا وبريطانيا، وقد شهد هذه الموضوع تنافسا محموما من هذه الأطراف وغيرها.
وطلب يد السلطانة جومبيه فاطمة العديد لخطبتها، وهذا ما نسلط عليه الضوء في المقال المقبل .. يتبع ....