[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
قبيل بداية الحرب في العام 2003 بعدة أيام باشرت لجان التفتيش الأممية بتدمير آخر اسلحة العراق، وسبق ذلك تدمير المنشآت التابعة للتصنيع العسكري والمختبرات وكل شيء مرتبط بالسلاح العراقي، لكن تدمير آخر ما تبقى من صواريخ اثار في حينها تساؤلات جوهرية، ففي الوقت الذي تصعد فيه الإدارة الأميركية من لهجتها وتهديداتها بقرب شن الحرب ضد العراق توجهت لجان التفتيش إلى منطقة شمال بغداد وتحديدا إلى معسكر التاجي (30 كم شمال العاصمة)، وباشرت هناك بتدمير صواريخ "صمود اثنان" وهو الاسم الذي اطلقه العراق على هذه المنظومة من الصواريخ، وسبب التساؤلات والاستغراب لدى المختصين العراقيين والمراقبين أن هذه الصواريخ غير مشمولة بقرارات مجلس الأمن لأن مداها مائة وخمسين كيلومترا، وهي لا تقع ضمن الصواريخ الهجومية، لكن يبدو أن الادارة الأميركية عملت على تهيئة الأراضي العراقية بطريقة تضمن فيها عدم تعرض قواتها التي ستدخل العراق لأي هجوم بالصواريخ.
أصبحت أزرار الحرب تحت الأصابع، ولم يعد بمقدور أحد أن يقدم قراءات اخرى، وأعلن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في (16/3/2003) قائلاً: لا شك أننا اقتربنا من نهاية الجهود الدبلوماسية في إطار الأزمة العراقية.
ما عزز من قناعة العراقيين، بأن الحرب وشيكة، إبراز وسائل الإعلام الأميركية لتقرير يشير إلى أن الاستخبارات الأميركية تعجز عن تقديم أدلة محددة إلى الكونجرس أو البنتاجون عن أسلحة العراق المحظورة. ويتضمن التقرير (نشرته الواشنطن بوست في 16/3/2003) معلومات تقول إن كبار المسؤولين في الاستخبارات الأميركية يقولون إنهم مقتنعون بأن العراق يخبئ أسلحة دمار شامل، إلا أنهم يشعرون بأنهم لن يكونوا قادرين على إثبات ذلك، إلا بعد الغزو، حيث تكون للقوات العسكرية الأميركية ومحللي الأسلحة الأميركيين فرصة مطلقة غير مقيدة داخل العراق. وهنا لا بد من التذكير بأن جميع اللجان التي حققت عن اسلحة العراق المزعومة بعد الغزو لم تجد أثرا لتلك الأسلحة على الاطلاق.
بعد هذا التمهيد، الذي يتلاءم وطبيعة التصعيد الأميركي، لتهيئة الأجواء لشن الحرب على العراق، جاء الإنذار النهائي الذي وجهه جورج بوش إلى الرئيس العراقي صدام حسين ونجليه بمغادرة العراق خلال (48) ساعة. وتم إلقاؤه عبر التلفزيون الأميركي في ساعة متأخرة من صباح الثامن عشر من مارس، وسبق ذلك إعلان كوفي عنان بسحب المفتشين وجميع موظفي الأمم المتحدة من العراق، كما أعلن تعليق برنامج النفط مقابل الغذاء.
جاء الإنذار النهائي للرئيس جورج دبليو بوش، ليضع حدا للتصورات المتناقضة، التي كانت تسيطر على العراقيين، وأغلق الباب بصورة نهائية، بوجه الذين يعتقدون، أن السياسيين الأميركيين، يعتمدون أسلوب المناورة السياسية، لتحقيق أهدافهم الكبرى، دون استخدام السلاح.
عندما وصل انذار الرئيس بوش إلى غالبية العراقيين، أحدث هزة ليست بسيطة عند الكثير من العراقيين، واختلطت الأمور عندهم، فقد كان الإنذار واضحا، لا يقبل اللبس أو المناقشة، وعزز من القناعات بحتمية وقوع الحرب، وانتشرت الأخبار المتسارعة بسحب الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أعضاء لجان التفتيش، كما صدرت أوامر فورية بإجلاء بقية الموظفين، وسارعت العديد من السفارات إلى الإعلان عن مغادرة موظفيها ودبلوماسيها العاصمة العراقية، على وجه السرعة.
ما إن أرخى الليل سدوله، وأدرك العراقيون أن الوقت يقضم الساعات المتبقية بسرعة، حتى وجد الكثيرون أنهم في حالة فوضى في ترتيب الأوراق، دون أن يعرفوا إلى أين يسير القطار بعرباته الكثيرة، التي تزخر بالغموض والتشويش.