( أحفظ الله يحفظك ) مع راوي الحديث
أخي القارئ الحبيب نحن على موعد مع وصية غالية مباركة وأرى أن الأمة في أمس الحاجة إليها ولو تبعت الأمة طريقها لنالت رضوان ربها في الدنيا والآخرة إنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) هذا حديث حسن صحيح رواه الترمذي
القاري الكريم هيا بنا لنقف مع هذا الحديث العظيم وقفات لنبين ما فيه من خير ونفع لنا وللأمة الوقفة الأولى مع راوي الحديث وخاصة أنه الآن لا يعرف بعض شباب الأمة إلا المباريات والمثلين والممثلات ولا يعرفون شيئاً عن الصحابة رضوان الله عليهم.
فراوي الحديث هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم قبل العاشرة من عُمُره وتوفى الله رسوله وهو لم يستكمل الثالثة عشرة من عُمُره فما الذي أوصله لذلك العلم؟ الإجابة: إن ابن عباس رضي الله عنهما لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان يذهب إليه وكان معه في كل خطوة يخطوها فكان له بمثابة ظله ولم يكتف ابن عباس بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعند حديثه مع أصحابه بل لازم النبي في البيت فكان يقضي معظم الوقت عند خالته ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ويشرب وينام هناك ولم تكن ملازمة ابن عباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل التسلية وتضييع الوقت وإنما كان من أجل أن ينهل من علمه ويقتدي بهديه وفعله صلى الله عليه وسلم فكان النبي لا يتكلم بكلمة إلا وقعت في قلب ابن عباس فإن ابن عباس لم يفارق النبي إلا القليل النادر ولم يتركه طرفة عين حتى أنه أصر أن يرافقه في فراشه مع السيدة ميمونة خالته ففي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين وهي خالته قال: فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران
ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ومعنى شن: قربة معلقة فيها ماء ثم قام يصلي قال عبد الله بن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى إلى رأسي وأخذ بأذني ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح ) رواه البخاري في الصحيح وفي رواية فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه وفي رواية قال بت في بيت خالتي ميمونة في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: ( اللهم فقه في الدين ) فكان عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وقد ظهر النبوغ العقلي عند ابن عباس منذ صغره ذات يوم جالس عمر بن الخطاب في جماعة من الصحابة فذكروا ليلة القدر فكل واحد قال فيها ما عنده فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مالي أراك صامتا لا تتكلم يا ابن عباس؟ تكلم ولا يمنعك حداثة سنِّك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين إن الله وتر يحب الوتر فجعل أيام الدنيا وتدور على سبعة أيام وخلق أرزاقنا في سبع وخلق فوقنا سبع سماوات وخلق تحتنا سبع أراضين وأعطى من المثاني سبعاً ورمي الجمار بسبع وطاف رسول الله بالكعبة سبعاً وسعى بين الصفا والمروة سبعا لذلك أرى أنها ليلة القدر ففي السبع الأواخر من شهر رمضان فتعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: ما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام
وظل ابن عباس كذلك إلى أن كُفَّ بصره وبلغ من العمر بضعا وسبعين سنة وفاضت روحه إلى مولاه فحزن الناس جميعاً لوفاته رضي الله عنه وأرضاه
قال ميمون بن مهران شهدتُ جنازة ابن عباس بالطائف فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض ودخل في أكفانه فأخذنا نتلمسه ونبحث عنه فلم نجده ولما سُوِّيَ عليه التراب إذ سمعنا صوتاً نسمع صوته ولا نرى شخصه يقول: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) الفجر 27 28 29 30
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه آآآمين والله الموفق لما فيه الخير والرشاد .
إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد ـ حلة السدر ـ السيب