[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]

منذ عام (1508م) دخلت بغداد في مرحلة جديدة، من مرحلة تعاقب الحكم الفارسي والتركي، ففي هذه السنة احتل بغداد القائد الفارسي إسماعيل شاه الصفوي وهو مؤسس الدولة الصفوية في إيران وحكم من سنة (1499-1524م) وهو أحد أعقاب صفي الدين الأردبيلي، وكانت له منزلة دينية، وأثناء سيطرة إسماعيل الصفوي لم يتعرض اليهود الى أي أذى، كما يذكر ذلك ابراهام بن يعقوب (تاريخ يهود بابل ص73)، ويقول ميندلسون في (تاريخ يهود اسيا) ان يهود بلاد فارس افتتنوا بأعمال الشاه العسكرية، وسعوا للحصول على رضاه الا انهم مع اعجابهم به وخضوعهم له، لا يظهر أنهم توفقوا لنيل التفات ملكهم المستبد الشديد الشكيمة، ويشير الاب انستاس ماري الكرملي في كتابه (خلاصة تاريخ العراق ص195) الى ان الشاه إسماعيل الصفوي قد قتل الكثير من مسلمي السنة وذبح جميع نصارى المدينة (بغداد) اما اليهود فلم يتعرض بهم، وكانوا يهدون اليه الهدايا الجليلة والاموال الطائلة لاحتياجه اليها يومئذ).
وعندما خلف الشاه إسماعيل ابنه طهماسب شاه فقد اعتاد الظلم ضد اليهود وتشير بعض المراجع الى انهم قد فجعوا بوجوده، ولهذا فان اليهود سرعان ما بدأوا بمساعدة أية جهة تساندهم، وقدموا خدماتهم الجليلة للاتراك في احتلال بغداد عام (1534م) على يد القائد العثماني سليمان القانوني واصبحت الطائفة اليهودية في عهده كبيرة في بغداد ولهم كنيس كبير وبرز في تلك الفترة بينهم (اسحاق طيبة) وكانت له مكتبة ضخمة وكان بيته مقراً للحاخامات وسكن به الرباني ابراهام بن الرباني اسحق صهلون من صفد، واعتزل في مكتبته خلال السنوات الثلاث (1591-1593م) والف هناك ثلاثة كتب).
واشتغل اليهود في تلك الفترة بالتجارة، ونشطت رحلات تجارهم مستفيدين من انفتاح الدولة العثمانية على اليهود وفتح حدودها لعبور التجار اليهود الى أوروبا واسيا.
ووسط التقلبات والحملات العسكرية والتي استمرت منذ الغزو المغولي لبغداد عام 1258م وما أعقبتها من صراعات دموية كانت بغداد مركزاً لها، وتأثرت ايضاً بذلك مدن العراق الرئيسية وانعكس ذلك بالطبع على الكتابة والتوثيق، كما أن الكثير من المراجع قد أتلفت او أهملت، لهذا فان حالة من الضبابية ظلت تلف أحوال السكان إبان تلك الحقب.
وفي ما يتعلق بيهود العراق، نجد ان بعض المعلومات تشير الى أن طائفة يهودية كبيرة كانت تعيش في مدينة عانة على نهر الفرات في الجانب الغربي من العراق، ولا شك ان تلك المنطقة قد مر بها الكثير من اليهود اثناء ذهابهم وايابهم الى اورشليم منذ زمن نبوخذ نصر، وبعد ان جاء الملك الفارسي كورش وذهاب أعداد غفيرة من اليهود الى فلسطين اضافة الى استخدام المبعوثين للطريق الذي يربط بين بغداد والقدس والذي يمر بمدينة عانه، ووجدت في بداية حكم الاتراك تلك الطائفة في عانه وكان يرأسها الرباني دافيد ثابت، الذي كان حاكماً (وناشراً للتوراة) وتنقسم تلك الطائفة الى طائفتين غربية وشرقية وكان لكل طائفة كنيس خاص، وكانت لهم علاقات قوية مع بغداد وفلسطين وسوريا والبلدان القريبة، وفي مدينة الموصل وجدت يشيبة كبيرة ترأسها الشاعر والقبلاني الرباني شموئيل ادوناي، ومن بعده ترأست اليشيبة ابنته المتعلمة والشاعرة (اسنت) زوجة الرباني يعقوب بن الرباني يهودا مزراحي، ومن هذه العائلة جلس الكثيرون على كرسي الربانية في بغداد خلال سنوات عديدة حتى سنة 1743م.)
ومن المعلومات القليلة المتوفرة عن تلك الفترة ما ذكره الرحالة البرتغالي (فريدو تقسيرا) والذي زار بغداد بداية القرن السابع عشر (1604-1605م) وقال انه وجد فيها 250 بيتاً يهودياً وكان لهم كنس، واشتغلوا بالتجارة وبحرف مختلفة اخرى، ولهم حي خاص في بغداد.
ويمتدح الكتاب اليهود السلطان سليمان القانوني، بعد ان قدمت الدولة العثمانية العون والمساعدة وفتحت أراضيها لليهود الذين جاءوا من اسبانيا عام 1492م في زمن الملك فردناند وزوجته ايزابيلا. ويؤكد ذلك يوسف رزق الله غنيمة فيقول، ما يزيدنا إقناعاً في ان حال يهود العراق كان هنيئاً على عهد السلطان سليمان الأول (القانوني) ما جاء في التاريخ عن حالة اليهود في تركية عموماً قبل ذلك الزمن بنحو قرن، وما يؤكد ذلك الرسالة التي كتبها احد اليهود في الدولة العثمانية (اسحق رزفاتي) في أواسط القرن الخامس عشر ووجهها الى يهود اوربا يدعوهم فيها للهجرة الى تركيا.
في السنوات (1623-1638م) سقطت بغداد في أيدي الفرس ثانية واستولوا على المدينة ليلاً، ولما ظهر الصباح، سمع الناس الأصوات التي كانت تطلق من أبواق الجيش من أعالي البروج والاسوار، بعد ذلك علموا ما جرى ليلاً، ولما دخل الفرس مدينة بغداد واستتب لهم الأمر فيها، أتوا بأنواع الفظائع من قتل وتنكيل وتخريب وتدمير، وهكذا عملوا في الموصل وسائر المدن التي احتلوها بعد بغداد.)
واستمر حكم الفرس لبغداد حتى عام 1638م عندما تمكن الأتراك من احتلال المدينة مرة اخرى، ويذكر ان اليهود قد عانوا كثيراً من حكم الفرس، وسارعوا الى مساعدة الأتراك (السلطان مراد الرابع) في احتلال المدينة، وحددوا يوم الخامس عشر من طيبت (كيوم معجزة) لكل الأجيال ولم يسجدوا على وجوههم في الصلاة الى هذا اليوم، وقد منح السلطان مراد الرابع مكافآت الى اليهود، حيث وسع مكان سكناهم وخصص لهم اماكن مترامية الاطراف لدفن موتاهم، ومنحهم التسهيلات الاخرى.(ابراهام بن يعقوب، مصدر سابق ص74).