[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” الحرب العدوانية، تحمل معها وظائف متعددة على صعيد رؤية الحكومة "الإسرائيلية" لمسارات ما بعد تخبط الخطة الأميركية لإعادة إقلاع العملية التفاوضية والتي جاء بها وزير الخارجية جون كيري وقد باتت نسياً منسيا. وتحمل في الوقت نفسه بعض الرسائل، ليس للفلسطينيين فقط من سلطة ومعارضة، بل للعرب عموماً،”
ــــــــــــــــــــــــــ

لم تكن الحرب العدوانية "الإسرائيلية" الأخيرة على قطاع غزة ـ "صاعقة في سماء صافية"، بل جاءت في سياقات واضحة من حيث رغبة حكومة نتنياهو بتحريك الأمور بعد أن وصلت خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الجدار المسدود بل السياسات "الإسرائيلية" وبعد أن أضحت معالم الأمور على الأرض تشي بولادة حركة نهوض وطني فلسطيني في الداخل المحتل ولو بعد حين.
فقد كانت متوقعة، تلك الجولة العدوانية "الإسرائيلية" الأخيرة على قطاع غزة. فالمقدمات "الإسرائيلية" كانت واضحة وصارخة لجهة التسخين السياسي والتقديم لتلك الجولة الدموية، حتى قبل مقتل الجنود المستوطنين الثلاثة قرب مدينة الخليل منتصف يونيو الماضي. وتحديداً منذ توقيع إتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية بين وفدي حركتي فتح وحماس في منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطىء بالقطاع.
الحرب العدوانية، تحمل معها وظائف متعددة على صعيد رؤية الحكومة "الإسرائيلية" لمسارات ما بعد تخبط الخطة الأميركية لإعادة إقلاع العملية التفاوضية والتي جاء بها وزير الخارجية جون كيري وقد باتت نسياً منسيا. وتحمل في الوقت نفسه بعض الرسائل، ليس للفلسطينيين فقط من سلطة ومعارضة، بل للعرب عموماً، وللنظام الرسمي العربي على وجه التحديد، الذي يتهالك اليوم في متاهاته وأزماته الممتدة من الماء إلى الماء.
الحرب العدوانية الاسرائيلية الجارية على القطاع، أكثر من مُجرد جولة دموية جديدة، بل هي جزء من استراتيجية (الردع) الدائمة التي يطلقها من حين لآخر صناع القرار السياسي والأمني والعسكري في الدولة العبرية الصهيونية، والذين لايريدون على الإطلاق استتباب الحالة الفلسطينية في القطاع أو الضفة الغربية، بل يريدون على الدوام حالة فلسطينية منكسرة ومتخبطة، ومتأزمة، ومنقسمة على ذاتها.
ومع هذا وذاك، إن حكومة نتنياهو، قلقة، فهي تريد تنفيذ عمل عسكري ضد القطاع منذ فترة وفق استراتيجيتها الردعية، وفي نفس الوقت تخشى مخاطر تلك العملية العسكرية، في ظل مناخ دولي لايحبذها على الإطلاق، وهو يعرف (أي نتنياهو) أنه لا يملك الثقة الدولية السخية التي كانت لأرييل شارون أو الثقة غير المحدودة التي كانت لإيهود أولمرت. كذلك فإنه يعرف أن من الصعب على زعيم يميني أن يقوم بمغامرة عسكرية واسعة، بالضبط مثلما هو صعب جداً على زعيم "يساري صهيوني" صنع السلام مع الفلسطينيين.
إن إسرائيل كمنظومة أيديولوجية سياسية حزبية عسكرية أمنية ومجتمعية وأخلاقية سائدة، في غير وارد إنهاء إحتلال مناطق العام 1967، كما أن اليمين الفاشي (ممثلاً بليبرمان) واليمين الاستيطاني (ممثلاً ببينت)، واليمين التوراتي المتطرف، يختلفوا على أمور كثيرة. لكنهم في موقع الإتفاق تماماً بشأن الموضوع الفلسطيني.
كما أنها (أي إسرائيل)، وتحت سمع العالم وبصره، تُنكل بفلسطينيي الضفة الداخل المحتل عام 1967، وبعمليات أمنية وعسكرية متدحرجة، مع إستهداف قطاع غزة بغارات جوية متصاعدة، في مسعى منها لإعادة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وتدمير حكومة التوافق الوطني الفلسطيني المُتعثرة في انطلاقتها، وتلقى في تصعيدها العسكري غطاء أمريكياً، في عملٍ مُبيت له أهداف سياسية استراتيجية تتجاوز "تدفيع حركة حماس الثمن" كمُتهمة بحادثة إختفاء ومقتل المستوطنين الثلاثة.
وعليه، نسمع الآن اصوات المتطرفين داخل حكومة نتنياهو الذين يدعون للعودة لنهج الاغتيالات، ومنهم صوت اليهودي العراقي الأصل (بنيامين بن إليعازر)، وهو الوزير اليميني المُتطرف المعروف بابتداعه فكرة التصفيات والاغتيالات منذ أن كان وزيراً للحرب قبل عقدٍ من الزمن، فقد تمت تصفية عشرات القادة والكوادر بأوامر مباشرة منه، وهو يدعو الآن للعودة إلى سياسة الاغتيالات والتصفيات لعموم الكوادر والقيادات السياسية الفلسطينية من مختلف الفصائل وخصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بمن فيهم إسماعيل هنية.
إن الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 باتت غير قابلة للإحتمال، فإستمرار جيش الإحتلال ومعه قطعان المستوطنين المسلحين بالاستهتار بحياة الفلسطينيين وإذلالهم وتعذيبهم وحرقهم واعتقالهم وقتلهم بدم بارد، بات يتطلب وقفة جادة، للبحث في الخيارات الفلسطينية المتعددة، حيث الرهان على العملية التفاوضية أمسى ضحكاً على الذقون.
كما أن سياسة الندب واللطم، والمناشدات، والتنديد، واستجلاب عطف العالم والمجتمع الدولي، غير كافية على الإطلاق، فالمطلوب من المستوى الرسمي الفلسطيني أداء سياسياً آخر، يمتثل في الاقدام على خطوات مهمة، ومنها الإسراع في الانضمام والحصول على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، والعدل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة وكل مؤسسات الأمم المتحدة. ويفترض هنا، أيضاً، أن تتوجه الجهود الرسمية العربية الى المجتمع الدولي من أجل دفعه لمغادرة سياسة (الكيل بمكيالين) وإتخاذ خطوات عملية لتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني في عموم الأرض المحتلة عام 1967.
قصارى القول، حتى لو انتهت العملية العسكرية "الإسرائيلية" الجارية ضد قطاع غزة، فإن الخيارات الوطنية الفلسطينية الجديدة أصبحت واجبة ولابد منها، والشرط الضروري للانتقال بالحالة الفلسطينية نحو خيارات وطنية جديدة، يتطلب الانتقال من وضع التفكك والانقسام الى وضع التوحد واستجماع عناصر القوة الفلسطينية وأوراقها المتناثرة هنا وهناك. واستثمار الجو الفلسطيني الشعبي الموحد في الداخل والشتات، والعودة الى تصحيح العلاقات الفلسطينية/الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية/العربية، وصولاً لمراكمة الوقائع والقوى التي تدفع نحو انضاج الشروط لولادة خيارات وبدائل فلسطينية جديدة، تؤدي الى إعادة تصحيح مسارات الواقع الحالي في الداخل الفلسطيني وفي بناء استراتيجيات جديدة لمواجهة الاحتلال وسياساته.