[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
اليوم الصفري في مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا المعروف إعلاميا بتلك الدولة باللغة الانجليزية باسم " دي زيرو" هو اليوم المتوقع في الحادي والعشرين من أبريل المقبل حسب توقعات الجيولوجيين بأن تنقطع فيه إمدادات المياه الحكومية بالكامل في تلك المدينة بسبب تضاؤل مخزون المياه الناتج عن تعرضها للجفاف لثلاث سنوات متتالية.
وبينما يرى بعض المتخصصين في أمر التخطيط الاستراتيجي للمدن في هذا الحدث المتوقع بأنه رغم ارتباطه بتقلبات الطبيعة والآثار السالبة للمتغيرات المناخية ، بأنه ربما يكون أيضا جزء من سوء التخطيط في إنشاء المدن في بعض أنحاء العالم، وذلك في وقت ينبغي أن يؤخذ فيه في الاعتبار دائما الاحتياجات المستقبلية لأي مدينة وأجيالها المقبلة والتفكير في البدائل من وقت لآخر.
وفيما يعرف عن مدينة كيب تاون الواقعة تحت جبل يعرف باسم "تيبل "بأنها ظلت معتمدة في مواردها من المياه على هطول الأمطار، وهذا الحال لايختلف كثيرا عن واقع الكثير من المدن العربية التي يعتمد بعضها على المخزون الجوفي للمياه الذي يتغذى على هطول الأمطار أيضا، ويعتمد البعض الآخر على ماتضخه محطات تحلية مياه البحار التي تعمل بالطاقة المستندة بشكل أساسي إما على الغاز أو على الجازولين والديزل وكليهما وقود أحفوري ناضب، حيث تعتمد استمراريته أيضا على تقلبات الطبيعة إلى حد بعيد.
وبهذه المقاربة والقاسم المشترك بين حالة مدينة كيب تاون الجنوب إفريقية، وحالة المنطقة العربية في مشرقها ومغربها وخليجها، نجد أن " الطبيعة وتقلباتها " هي العنصر المسيطر على موارد المياه في الحالتين، حيث إن جنوب إفريقيا تعتمد على الطبيعة بأمطارها الشتوية ، ودول المنطقة كما أسلفنا تعتمد على الطبيعة بأمطارها الصيفية وعلى نتاجات تراكمات تحت الأرض التي كونت النفط الناضب مستقبلا المستخدم جزء منه حاليا في تحلية مياه الشرب أيضاً.
وبينما تشير التقارير المنشورة لدى الكثير من الجهات المختصة وإصداراتها المتنوعة إلى أن المنطقة العربية بكافة مناحيها مصنفة بأنها من المناطق الفقيرة من حيث مصادر المياه العذبة الصالحة للشرب التي لا تملك منها سوى أقل من 1% من مصادر المياه الجارية على سطح أراض المنطقة العربية بالإضافة إلى 2% من مياه الأمطار، يمكن بذلك أن يصبح اليوم الصفري لمدينة كيب تاون في أقصى جنوب القارة الإفريقية بمثابة إنذار عملي لحوالي تسع عشرة دولة عربية واقعة تحت خط الفقر المائي.
بهذا الإنذار الذي كان البعض حتى وقت قريب يعتقدون أن أمثاله من إنذارات وتقارير تحذيرية صادرة عن مؤسسات متخصصة ماهو إلا ثرثرة أكاديميين دأبوا على تهويل الأمور، فإنه ينبغي عند حدوثه أن يأخذ به الجميع مأخذ جد مهما بعدوا جغرافيا عن موقع الحدث. لذلك أصبح بالضرورة أن يفكر الجميع بالمنطقة العربية برؤى مستقبلية بعيدة المدى في شأن المياه سواء كانت جوفية مطرية المصدر، أو مياه محلاة باستخدام الوقود الأحفوري، وذلك حتى لايجدوا أنفسهم في حيرة من الأمر، كماهو الحال الآن في مدينة كيب تاون.
وعليه لابد من التركيز وبشكل أقوى على التخطيط الاستراتيجي للمدن والتفكير بأساليب أكثر عمقا تضمن تراكمات مياه جوفية أوفر والعمل على إيجاد البدائل لربط محطات تحلية المياه بمصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح بدلا عن الغاز والديزل والجازولين، وذلك جنبا إلى جنب توسيع قاعدة التوعية المجتمعية بشأن أساليب استهلاك المياه العذبة وعدم الإسراف فيها.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]