[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/ibrahim.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]ابراهيم بدوي[/author]
” .. جاءت قوانين التطهير تتوالى، واستولدت الحكومات العراقية المتعاقبة من رحم الحقد المتوارث ضد كل ما هو بعثي، لتبدأ في مراحل أخطر وأشد تسعى إلى إذلال والتنكيل بمكون يمثل ثلث العراق، وجرى بريمر ورفاقه ممن أتوا في ركابه يشرعون القانون تلو الآخر، ويضعون الدساتير التي لا تحترم مكونات الشعب العراقي، والتي حرصت على تكريس الحكم الطائفي المذهبي، وتمسكت بنفي إجباري واختياري لكافة من له صلة بماضٍ عراقي استمر في الحكم أكثر من 25 عاما،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بغداد تقرر مصادرة أملاك صدام حسين وأكثر من 4 آلاف من أقربائه ورموز حكمه، إنها ليست نكتة سخيفة، أو إشاعة عبثية يطلقها أعداء الحكومة العراقية الحالية، إنه قرار حكومي، لكن بالحق فهو يحمل بين طياته من العبث والفكاهة السخيفة ما يفوق التصور، إن فكرة عقاب نظام سقط منذ 15عاما، وأقارب رموزه الذين يتحدث عنهم القرار في الشتات منذ عقد ونصف العقد، وأموالهم داخل العراق تمت مصادرتها منذ أولى حكومات الحاكم العسكري الأميركي بريمر، الذي حكم العراق بعد الغزو، هو من جاءوا في ركابه من متطرفين، فور صعودهم للحكم بدلا من أن يعدلوا فهو أقرب إلى التقوى، تملكت منهم غريزة الانتقام، وبدأ مخطط تقسيم العراق باستبعاد أحد مكوناته الرئيسية، وما عقب ذلك من فتح مظلمة تاريخية، جعلت العراق رهينة هذه الحرب الطائفية الدائرة منذ الغزو وحتى الآن، والتي حصدت أرواح ملايين العراقيين، لم تزهق أرواحهم في فترة (استبداد) صدام حسين، أو في أي من مراحل تاريخ العراق في العصر الحديث، خاصة المراحل التي شهدت عدم استقرار في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وجاءت قوانين التطهير تتوالي، واستولدت الحكومات العراقية المتعاقبة من رحم الحقد المتوارث ضد كل ما هو بعثي، لتبدأ في مراحل أخطر وأشد تسعى إلى إذلال والتنكيل بمكون يمثل ثلث العراق، وجرى بريمر ورفاقه ممن أتوا في ركابه يشرعون القانون تلو الآخر، ويضعون الدساتير التي لا تحترم مكونات الشعب العراقي، والتي حرصت على تكريس الحكم الطائفي المذهبي، وتمسكت بنفي إجباري واختياري لكافة من له صلة بماضٍ عراقي استمر في الحكم أكثر من 25 عاما، وسدت الآفاق في تحقيق مصالحة، كان يحتاجها العراق، مصالحة تقوم على الاعتراف بالجرم، كما كان الحال في جنوب إفريقيا التي مارست الفصل العنصري لعقود، وارتكب سكانها البيض أبشع أنواع الجرائم، لكن مانديلا كان يسعى لبناء دولة تتسع للجميع، لا دولة سوداء ينتقم فيها السود من البيض، فشرع في تحقيق مصالحته التاريخية، فكانت المصالحة خير وقاية من نزيف المزيد من الدماء كان سيستمر إذا انتهج مانديلا هذا المنحى العقابي الذي مارسته عراق ما بعد الغزو.
ولا حتى التزم الساسة الذين يخرج معظمهم من رحم جماعات تستمد مبادئها من الدين الإسلامي، بما قام به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما فتح مكة وقال لمن أذوه، وأجبروه على الهجرة ومن قتلوا بعض أهله، اذهبوا فأنتم الطلقاء، إنه ديدن كل من يسعى لإقامة دولة العدل والمساواة هو التسامح والتغاضي عن الأحقاد القديمة، أما من يريد التحزب المذهبي والطائفي، وفرض سيادته، فلن يتمكن من ذلك، بل ستظل بلاده رهينة الأحقاد، وأسيرة الشعور بالغبن من هذه الطائفة أو تلك القومية، وستظل نعرات الفرقة هي صاحبة الصوت الأعلى، وهو صوت نشاز يضر العراق، أكثر مما ضرها الغزو الهمجي تتاريا كان أم أميركيا.
إن ساسة العراق لم يتعظوا حتى من الماضي القريب، عندما ظن نوري المالكي إنه قادر على إسكات الطوائف التي شعرت بالتهميش، وأنه قادر على جعل الأمور تستقر وفق حصصية طائفية لا تراعي الأغلبية العظمى من المواطنين، فكان الرد المزلزل، من الموصل، حيث رضيت أن تكون تحت حكم تنظيم إرهابي كداعش، على أن تكون تحت حكم طائفي آخر، ولا أزال أتذكر كلمات صديقي العراقي، الذي أكد أنه برغم معرفته بإرهاب داعش، وأن هذا التنظيم الإرهابي، قد يقتله، كما قد تفعل ذلك المليشيات الأخرى، وقتها لم استوعب كيف يقبل أشخاص بحكم تنظيم إرهابي مثل داعش، فجاءت التجاوزات التي مارستها بعض فصائل الحشد الشعبي والتي اعترف بها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، والذي أصدر أمرا بفتح تحقيقات فيها، لتجيب عن سؤالي.
لكن مع تصريحات العبادي المطمئنة، وحديثه الدائم عن عراق يتجه نحو مصالحة شاملة شعرنا بالأمل، وبأن حصن العروبة سيعود لمكانته، وسيمد العبادي يد المصالحة لجميع العراقيين دون استثناء أو إقصاء، ليبعد عن العراق خطر التقسيم الذي اقترب أكثر وأكثر في ظل القانون الحالي، هذا القانون الذي سيعمق جراح لاتزال ساخنة، وسيجعل تقارب عربي كردي، يسعى إلى التقسيم بدافع تلك القرارات الرعناء التي تنظر تحت أقدامها فقط، ولا تستشرف المستقبل، وتبحث عن آفاقه، حيث يشمل القرار 4257 شخصا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف ممن يمتون إليهم بصلة، فالقرار استهدف الرئيس السابق صدام حسين المجيد الذي أعدم في 2006 وأولاده وأحفاده وأقربائه حتى الدرجة الثانية، ووكلائهم ممن أجرَوا نقل ملكية الأموال المشار إليها في هذا القانون وبموجب وكالاتهم، كما شمل هذا القرار، جميع المحافظين ومن كان بدرجة عضو فرع فما فوق في حزب البعث المنحل، ومن كان برتبة عميد في الأجهزة الأمنية للنظام السابق كجهاز المخابرات، الأمن الخاص، الأمن العسكري، الأمن العام، وفدائيي صدام. ولعل أفضل تعليق على هذا القرار ما قاله نجل طارق عزيز الذي يعيش في منفى اختياري منذ 15عاما، حيث قال نجل القيادي البعثي: نحن نتعرض للضغوط والإقصاء والظلم، كفى. متى ينتهي الحقد.. سمعنا عن عقوبات تستهدف من اتهموا بارتكاب ما قيل إنها جرائم بحق الشعب العراقي، لكن لماذا يتم استهداف الأقارب من الدرجة الثانية.

إبراهيم بدوي
كاتب صحفي مصري
[email protected]