[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” يكشف (امبروز) في كتابه سرا ظل مجهولا حتى عثر عليه الكاتب فيما جمع من مذكرات الرئيس ايزنهاور وهذا السر هو أن (فوستر دالس) وزير الخارجية طلب من المخابرات المركزية الأميركية أن تعد سيناريوهات محتملة لقتل عبدالناصر وفعلا تم إعداد هذه الصيغ الممكنة وعرضه(دالس) على ايزنهاور فرفضها.. ورفض الفكرة قائلا إنه يستبعد أن يكون عبدالناصر وراء زعزعة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن الذي لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر وأبلغ كتب التاريخ هي تلك المذكرات التي يسجلها قادة حكموا العالم وتركوا بصماتهم على مصير البشرية خيرا أو شرا. ولعل بعض نكباتنا نحن العرب ـ أمة ونخبة ـ أننا لا نقرأ وإذا قرأنا فإننا لا نعتبر. وأنا واثق من أن الجيل العربي في العشرينيات والثلاثينيات لو قرأ كتاب لورنس العرب (أعمدة الحكمة السبعة) لفهم نوايا بريطانيا في اقتطاع فلسطين للشتات اليهودي ولو قرأ الجيل العربي في مطلع القرن الماضي كتاب تيودور هرتزل (الدولة اليهودية) لأدرك خطر مخططات الصهيونية. من الكتب التي قرأتها حديثا كتاب مذكرات (يفجيني بريماكوف) حول حروب الشرق الأوسط الأخيرة الذي صدر في القاهرة سنة 2016 بعنوان (الكواليس السرية للشرق الأوسط من القرن العشرين إلى بداية القرن الحادي والعشرين) والأهمية القصوى للكتاب الوثيقة هي أن كاتب المذكرات كان وزيرا للخارجية الروسية وبعدها رئيسا للحكومة وهو المستعرب وخبير الحضارة العربية والرجل الذي كان في قمة هرم السلطة لقوة عملاقة والمتمكن من كل تفاصيل المواقف العربية والأميركية في أزمات الشرق الأوسط وبخاصة حروب الخليج. هذا الكتاب قرأته شخصيا كأنه الجزء الثاني المكمل لمذكرات الرئيس الأميركي (دوايت إيزنهاور) لما وجدته من ترابط عجيب بين حلقات السلسلة الكاملة لأزماتنا المزمنة ومن استمرار للأخطاء الكبرى التي ارتكبت في حق شعوبنا العربية بالنظر لسوء الخيارات لدى القادة العرب منذ الخمسينيات إلى اليوم. الغريب الذي اكتشفته من هذه المذكرات أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ عقود تحويل وجهة السياسات المصرية والسعودية نحو خدمة ركاب واشنطن لاعتقادها أن هاتين الدولتين لهما وزن استراتيجي ثقيل وتأثير كبير على اتجاهات الدبلوماسيات العربية فاعترف بريماكوف كما اعترف إيزنهاور قبله بعقود أن من يسخر مصر والسعودية لخدمته هو الذي يكسب كل معاركه وصفقاته في الشرق الأوسط وبالطبع فإن واشنطن كقاطرة للغرب الليبرالي لا تفكر في غير مصالحها الاقتصادية العاجلة فعلى سبيل المثال عندما أضر القذافي بالنسب المائوية التي تتقاضاها الشركات الغربية من إنتاج بترول ليبيا في مطلع الثمانينيات قررت أميركا أن تضرب ليبيا وبدأت تنسج الحجج والبراهين لتزحزح الروس عن مكانتهم الجديدة في اقتصاد ليبيا إلى أن اتخذ (ريجان) ليبيا هدفا عسكريا ودك منزل القذافي سنة 1986وقتلت ابنته بالتبني عن عام واحد من عمرها وحركت أجهزة الإعلام والمخابرات الغربية ضد العقيد ملف (لوكربي) وملف تفجير مرقص في ألمانيا. تجول هذه الخواطر في ذهني وأنا أقرأ الطبعة الثالثة لمذكرات رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق الجنرال دوايت ايزنهاور الذي حكم أكبر قوة من 1953 إلى 1961 وبذلك عايش وشهد أكبر الزلازل السياسية لفترة ما بعد الحرب الثانية مثل الحرب الباردة والعدوان الثلاثي على مصر وخروج الاستعمار الفرنسي من المغرب العربي وإعادة شاه إيران إلى عرشه بعد إجهاض ثورة مصدق والإنزال العسكري في لبنان عام 1958 حين كان كميل شمعون رئيسا وتنفيذ عقيدة(فوستر دالس) لاحتواء المد الشيوعي في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا... وبالنسبة لنا كعرب فإن مطالعة هذه المذكرات تكشف جوانب غامضة من السياسة الأميركية إزاءنا بل وتبصرنا بضرورة قراءة ألف حساب لاستراتيجيات القوى العظمى خاصة ونحن نقتحم عالما معولما مرتبط المصالح متشابك الأزمات فمذكرات ايزنهاور التي رتبها وجمعها وعلق عليها الصحفي الأميركي (ستيفن امبروز) توضح لنا خارطة الشرق الأوسط كما تراها واشنطن في الخمسينيات وتداعيات الثورة المصرية كما تكشف أسرار المناورات السياسية الكبرى التي أطاحت بكثير من الأنظمة والرؤوس وغيرت المعادلات وقلبت التحالفات وأعطت لعصرنا الراهن طابعه المتميز بالانشقاقات العربية والإسلامية وهشاشة توجهات الأنظمة في الشرق الأوسط وتغلغل التدخلات الأجنبية في قلب الأمة العربية. يكشف (امبروز) في كتابه سرا ظل مجهولا حتى عثر عليه الكاتب فيما جمع من مذكرات الرئيس ايزنهاور وهذا السر هو أن (فوستر دالس) وزير الخارجية طلب من المخابرات المركزية الأميركية أن تعد سيناريوهات محتملة لقتل عبدالناصر وفعلا تم إعداد هذه الصيغ الممكنة وعرضه(دالس) على ايزنهاور فرفضها.. ورفض الفكرة قائلا إنه يستبعد أن يكون عبدالناصر وراء زعزعة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. كان ذلك في آواخر سنة 1955. وفي تلك السنة اتجه عبدالناصر إلى الولايات المتحدة لتسليح مصر بمبلغ سبعة وعشرين مليون دولار فهب (دالس) والكونجرس الموالي لإسرائيل لإجبار ايزنهاور على رفض الصفقة فتوجه عبدالناصر إلى تشيكوسلوفاكيا التي عقد معها صفقة فاقت الصفقة الأميركية بخمس مرات وقبلت الحكومة التشيكية أن تقبض مقابل أسلحتها مقايضة بكميات من القطن المصري.