جلسة العمل التي نظمها مشروع "الرؤية المستقبلية عمان 2040" لمؤسسات المجتمع المدني خطوة جيدة في طريق تفعيل الشراكة الواجبة بين الأطراف المعنية بمسيرة التنمية في البلاد، من منطلق أن القضايا الكبرى ـ خصوصًا تلك التي تعنى بمستقبل البلاد وتطورها ورقيها واستقرارها ـ لا تقتصر على جهة معينة، كما أنها لا تخص طرفًا معينًا أو مؤسسةً بعينها.
وفي حجم مشروع الرؤية المستقبلية الذي ستتوقف عليه مسيرة التنمية الشاملة في البلاد ومستقبلها ومستقبل اقتصادها، وكينونة أبنائها في صيرورة الحياة ومسيرة العمل والحراك المجتمعي، والتغلب على التحديات، فإن الأخذ في الاعتبار بمبدأ الشراكة والحوار والوقوف على الآراء والأفكار من جميع ذوي العلاقة الممثلين للحكومة والشعب، هو من الأهمية بمكان، ليس من حيث إنه ممارسة ديمقراطية ونهج يرفض الاستفراد بالرأي وتبنيه، وإنما من حيث إن مصدر القوة والقدرة على الوصول إلى المعالجات السليمة والأفكار والآليات الصحيحة يأتي من خلال الشراكة الجمعية التي لا تستثني أحدًا، فهذه الأفكار والرؤى التي ستطرح من قبل الجميع تمثل مصدر قوة ووحدة وتآلف وتكاتف وتضافر للجهود، كما أنها على المدى البعيد ما تحرزه "الرؤية المستقبلية 2040" من نجاحات ملموسة على جميع المستويات يحسب للجميع ويحسب كذلك للحكومة؛ لكونها المبادرة إلى تفعيل مبدأ الشراكة والحرص على أخذ آراء المواطنين من خلال ممثليهم، أو حتى من خلال حوارات مباشرة تعقدها لجنة إعداد "الرؤية المستقبلية 2040" مع الشباب والمثقفين والاقتصاديين وغيرهم في محافظات السلطنة، وتقوم بتجميع هذه الأفكار والرؤى ودراستها وتحليلها، ثم الأخذ بالفكرة الأجدى والأنسب وهكذا، فضلًا عن أن هذا التوجه الحكومي نحو تفعيل مبدأ الشراكة سيبعث ارتياحًا كبيرًا لدى أفراد المجتمع بأسره، وسيُنظر إلى هذه الخطوة نظرة تقدير واحترام، ما سيبعث لديهم شعورًا وقناعة بأن الحكومة تنظر إليهم على أنهم شريك مهم وجزء لا بد منه في إعداد الرؤية.
كما أن أي قصور ـ لا سمح الله ـ قد يحصل في أي جانب أو مجال من مجالات الرؤية لا تُحمَّل مسؤوليته الحكومة وحدها أو جهة حكومية أو فريقًا حكوميًّا معينًا، وإنما يتحمل مسؤوليته الجميع. ولعل "الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020" خير برهان حي على ذلك، حيث لا يزال هناك من ينظر إلى إخفاق هذه الرؤية في تحقيق بعض أهدافها على أن سببه راجع إلى عدم الاتجاه نحو الشراكة، والذهاب إلى إعدادها بصورة منفردة.
إن الجلسة الحوارية التي نظمها مشروع "الرؤية المستقبلية 2040" مع مؤسسات المجتمع المدني هي بمثابة جلسة عصف ذهني، حيث أعطت فرصة طيبة لأفراد هذه المؤسسات لإبداء آرائهم ورؤاهم، وتحديد مجالات التنمية التي يستطيعون المشاركة فيها، ووضع الإصبع على التحديات التي تواجه مسيرة التنمية، حيث كان لافتًا ما أبداه المشاركون في الجلسة من تطلعات وطموحات تعالج ما صاحب مراحل الخطط التنموية السابقة من تحديات تمثلت في المعوقات التشريعية والإجرائية، وما يتعلق بإعادة صياغة الأنظمة والتشريعات القائمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة. أي أن إيجاد بيئة مشجعة على الاستثمار، ومناخ عمل منتج يبدأ من إعادة النظر في المنظومة التشريعية بسن قوانين تراعي الأوضاع الاقتصادية المستجدة، ومراعاة تبسيط الإجراءات إلى الحدود المعقولة والمنطقية.
على أن الأهم في سياق الجلسات الحوارية التي ينظمها مشروع "الرؤية المستقبلية 2040" هو الأخذ في الحسبان ما يبديه المستطلعة آراؤهم وأفكارهم ووضعها في موضع التنفيذ، وهذا أيضًا ما أكده المشاركون في الجلسة.