ـ نمو قطاع الطيران التجاري يقف وراءه التوسع المستمر لشركات الطيران الشرق أوسطية

دبي ـ "الوطن":
أشارت دراسة جديدة صادرة عن "أليكس بارتنرز"، الشركة العالمية الرائدة في مجال الخدمات الاستشارية، إلى أن قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي، وبعد عام قياسي، يقف على شفا موجة من التحولات الهيكلية الكبرى، مع احتمال أن يشهد مجموعة من صفقات الاندماج والاستحواذ خلال الفترة القادمة، وبحسب الدراسة، فإن قطاع الطيران التجاري من المحتمل أن يكون قد وصل ذروة نموه، بينما يعاني قطاع الدفاع من تحدي يتمثل في خفض الإنفاق وتعزيز إدارة التكاليف، وإلى جانب ذلك، يشهد القطاع بشكل عام دخول تقنيات ولاعبين جدد، العديد منهم لم يظهروا على الساحة سوى قبل بضع سنوات.
وركزت دراسة "أليكس بارتنرز" على ثلاث عوامل أساسية تقف وراء التغيرات الهيكلية والاستراتيجية التي تواجه القطاع اليوم:
• المنافسة الشديدة لتحقيق الأرباح في مجال الطيران التجاري
• بوادر انتعاش يلوح بالأفق على صعيد صفقات الاندماج والاستحواذ الجديدة
• ابتكارات جديدة غير مسبوقة، تقودها شركة "سبيس إكس" لتقنيات الفضاء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وعمالقة الإنترنت مثل "جوجل" و"فيسبوك".
وشهد قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي خلال عام 2013 تسجيل أرباح قياسية بنمو نسبته 9.4% في الأرباح التشغيلية، مدفوعة بشكل رئيسي بالازدهار في قطاع الطيران التجاري، وبلغ متوسط نمو الأرباح التشغيلية لأكبر 100 شركة في القطاع، مستوى قياسي عند حدود 10%، بعد نمو مستمر منذ عام 2009. ونمت الأرباح التشغيلية لقطاع الطيران بنسبة أقل عند 3% خلال عام 2013، مع زيادة متوقعة بنسبة 4.3% لعام 2014 بأكمله، وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن يواجه قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي مجموعة من التحديات، لا سيما في ظل تراجع ميزانيات الدفاع في كل من أوروبا وأميركا الشمالية، واحتمال أن يكون قطاع الطيران التجاري قد وصل ذروته، في ظل نمو سجلات الطلبيات المتراكمة لعملاقتي القطاع "إيرباص" و"بوينج"، بنسبة قياسية بلغت 17% مقارنة بالعام 2012.

نمو الطيران التجاري
تحسنت إيرادات شركات الطيران التجاري بشكل ملحوظ في العام 2013، مرتفعة بنسبة 49% مقارنة بالعام 2009، كما تحسنت أرباحها التشغيلية من 0.4% في عام 2009 إلى 3.0% في العام الماضي، وعلى الرغم من التوقعات بنمو هامش الربح خلال العام الجاري إلى 4.3%، إلا أنها لا تنسجم مع توقعات العديد من المستثمرين، ويواصل هذا القطاع نموه بقيادة شركات الطيران الشرق أوسطية، مثل الاتحاد للطيران وطيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية، فيما تمضي هذه الشركات قدماً بتوسعة أساطيلها ونطاق أعمالها، عبر إجراء طلبيات شراء ضخمة وتنفيذ عمليات استحواذ وإبرام اتفاقيات تجارية، وتمارس شركات الطيران الخليجية الضغوطات على الشركات المصنعة للطائرات فيما يتعلق بتصاميم الطائرات واستراتيجيات الإنتاج والتطوير ومخططات الصيانة والإصلاح والترميم الخاصة بالطائرات، نظراً للمكانة البارزة التي تتمتع بها تلك الشركات كمشتريين للمنتجات الجديدة وكبر حجم طلبيات الشراء التي تتقدم بها، وفي الوقت ذاته، لاتزال شركات الطيران الأوروبية القديمة وشركات الشحن تعاني من صعوبات جمة.
ربحية قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي ارتفعت بشكل عام، مدفوعة بالأداء القوي في مجال الطيران التجاري، بينما انخفضت ميزانيات الدفاع للسنة الثانية على التوالي في الدول الغربية.
بلغ متوسط نمو الأرباح التشغيلية لأكبر 100 شركة في القطاع، مستوى قياسي خلال عام 2013 عند حدود 10%، ولكن لاتزال هناك فجوة بين أوروبا وأميركا الشمالية على صعيد الإنفاق، فقد نمت عائدات أكبر 100 شركة عاملة في قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي بمعدل صحي عند 4.8%، أقل بقليل مما سجلته في عام 2012، مدفوعاً بالزيادة الكبيرة لعمليات تسليم الطائرات في قطاع الطيران المدني، وتحسنت الأرباح التشغيلية لهذه الشركات بشكل كبير لتصل إلى مستوى قياسي عند 9.4%، لترتفع أعلى من مستويات ما قبل الأزمة بفضل نمو المبيعات وتحسن عملية إدارة التكاليف.
وسجل الموردون أرباحاً أعلى من مصنعي المعدات الأصليين، بواقع 3.9% والذي يعزى جزئياً إلى زيادة الانكشاف على السوق الثانوية المربحة بما في ذلك قطع الغيار وخدمات ما بعد البيع، ويمثل ذلك بكل وضوح ميزة إضافية للموردين، وتعزى هيمنة الشركات الأميركية (9.5%) على الأوروبية (5.2%)، إلى زيادة ربحيتها وحسن إدارتها لرأس المال العامل، واستفادتها من الأصول بشكل أفضل لتوليد الأرباح، ومن جهة أخرى، يعزى النمو المستدام لعائدات قطاع الطيران التجاري وأساطيل الشركات إلى نمو أعداد المسافرين جواً، بشكل مطرد بنسبة 4.8% سنوياً خلال العشرين سنة الماضية، مع توقعات بتحقيق معدل نمو مماثل خلال العشرين سنة القادمة.
وبلغ حجم أسطول طائرات الركاب 19200 طائرة مع نهاية عام 2013، بنمو نسبته 78% خلال 20 عاماً، وتتوقع دراسة "أليكس بارتنرز" أن يرتفع معدل النمو إلى 91% خلال السنوات العشرين القادمة، حيث من المتوقع تسليم أكثر من 32 ألف طائرة جديدة، وقد تكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر المستفيدين، مع توقعات بأن تستأثر هذه المنطقة بنحو 37% من إجمالي أسطول طائرات الركاب العالمي بحلول عام 2033، مقارنة مع 27% في الوقت الحالي.
ولدى شركتي "إيرباص" و"بوينج" سجل طلبات تراكمية قياسي من طائرات الركاب يبلغ 10600 طائرة (بزيادة نسبتها 17% مقارنة بعام 2012) وبالتالي ترى الدراسة بأن عام 2013 ربما يكون ذروة دورة النمو الحالية لقطاع الطيران التجاري، وقد شهد القطاع خلال الأشهر القليلة الماضية تسجيل عدد أقل من الطلبيات الجديدة، وبالتالي، ربما يكون القطاع على أعتاب مرحلة تراجع في الطلبيات، حيث يعادل حجم سجل الطلبيات الذي سجله القطاع مع نهاية عام 2013 أكثر من حجم إنتاج ثلاث سنوات، كما أن شركات الطيران تعمل باستمرار على التكيف مع ظروف السوق المتغيرة، وإعادة تقييم خطط توسيع أساطيلها وتخفيض حجم طلبياتها الكبرى التي سجلتها خلال السنوات الماضية.

مؤشرات تحول هيكلي كبير
سجَّل قطاع الطيران المدني أرباحاً قياسية خلال عام 2013، بلغت 48 مليار دولار أميركي، إلا أن المنافسة تحتدم بين مصنعي معدات الطائرات الذين يسعون حثيثًا لزيادة حصتهم السوقية، وبين كافة اللاعبين الآخرين في القطاع، وقد عادت حصة شركات الطيران من إجمالي أرباح قطاع الطيران المدني إلى سابق عهدها كما في عام 2007، حيث بلغت 21 مليار دولار أميركي في عام 2013، بزيادة نسبتها 75% عن عام 2012. ومع ذلك، فلاتزال دون مستوياتها القياسية التي حققتها خلال عام 2010، الأمر الذي يلقي الضوء على التقلب العالي لأداء شركات الطيران بسبب الدورات الاقتصادية وتقلبات أسعار الوقود.
لقد نمت أرباح مصنعي معدات الطائرات ثلاثة أضعاف تقريبًا منذ عام 2007، حيث تمثل أرباحها أكثر من ثلث إجمالي أرباح قطاع صناعي الطيران (باستثناء شركات الطيران)، وذلك بفضل الارتفاع الكبير في الإيرادات (7% سنويًا) وزيادة الأرباح التشغيلية (3.4% نقطة أساس في المتوسط) بالإضافة إلى التحسُّن الأقوى الذي حققته شركة إيرباص، ويركز المفهوم الجديد لمصنعي الطائرات على إعادة هندسة الطرازات الحالية (A320NEO / B737 MAX، و777X وربما A330 NEO)، ويأتي ذلك بعد مرور عقد من الزمان على تطوير الطائرات الجديدة كليًا (B787، وA380، وA400M، وA350)، كما يسعى العديد من المنافسين الجدد إلى استهداف قطاع الطائرات ذات الهيكل الضيق (مثل COMAC C919، وIrkut MS-21، وBombardier C-Series)، إلا أن أغلبهم يعاني بسبب عمليات تأخير كبيرة في التطوير أو بسبب النجاح التجاري المحدود.
وحققت الشركات المتخصصة في تصنيع محركات الطائرات إضافة إلى الموردين ومصنعي معدات الطائرات زيادات متوسطة على صعيد الإيرادات والأرباح التشغيلية منذ عام 2007، إلا أن ذلك لا يكفي للحفاظ على حصتها الكلية من إجمالي أرباح القطاع بأكمله، حيث تلقى منافسة أساسية من جانب الشركات المصنِّعة للطائرات، ومما يدل على حدة هذه المنافسة الشديدة نموذج أعمال جديد في بعض برامج الطائرات، كما أن العديد من شركات تصنيع المحركات لم تعد تفاوض بشأن أسعار المحرك وكُنَّة (مكان تثبيت) المحرك مع كل شركة طيران، لكنها تفعل ذلك مع مصنعي الطائرات الذين يتفاوضون بدورهم مع شركات الطيران بشأن سعر الطائرة ونظام الدفع.
إن هيمنة مصنِّعي معدات الطائرات تواجهها منافسة كبيرة من جانب مصنِّعي الطائرات، وذلك من خلال حملات خفض التكلفة والدور الفعال المتنامي الذي يلعبه مصنعو المعدات في السوق الثانوية، والمنافسة الشرسة للحفاظ على، أو استعادة، السيطرة على الأنظمة الرئيسية والدور التكميلي الذي تلعبه فيما يتعلق بالبرامج الجديدة أو المحدَّثة .. كما أن سوق "مقصورات الطائرات" بالإضافة إلى الربحية الكبيرة التي يحققها اللاعبون الرئيسيون في القطاع تجذب، تجاه هذه الشريحة، شركات تصنيع الطائرات، تجدر الإشارة إلى أن حصة موردي الهياكل من إجمالي أرباح القطاع قد انخفضت بشكل كبير منذ عام 2007 (من 8% إلى 2% في عام 2013)، الأمر الذي يُعزى إلى التكاليف الإضافية لعمليات تطوير طائرات جديدة والانخفاض النسبي في هوامش الربح المعيارية.
وظلت ربحية سوق صيانة وإصلاح وتشغيل الطائرات (MRO) عند مستويات مستقرة مقارنة بعام 2007، إلا أن حصتها من إجمالي أرباح القطاع انخفضت ولم تستطع سوى الشركات ذات المراكز الجيدة تحقيق نمو بنسبة 10% أو أكثر في أرباحها التشغيلية، وبالنسبة لشركات تصنيع الطائرات ومصنعي معدات الطائرات، والشركات العالمية الرائدة في مجال صيانة وإصلاح وتشغيل الطائرات وشركات الاستثمار في الملكية الخاصة التي انجذبت بسبب هذه الأساسيات القوية، فقد تستثمر في قطاع صيانة وإصلاح وتشغيل الطائرات من أجل دعم أسطول عالمي من المتوقع أن ينمو بمقدار الضعف تقريبًا خلال العشرين عامًا القادمة، لقيادة عملية الاندماج القادمة.

انتعاش قوي في صفقات الاندماج والاستحواذ
إن المناخ الحالي في القطاع والذي يتسم بارتفاع حاد في العمليات التصنيعية والإنتاج، وسجلات طلبيات تراكمية قياسية، يتطلب توفر الموارد النقدية الكافية لضمان التسليم في المواعيد المحددة، كما أن تنفيذ عمليات الاندماج والاستحواذ بدون الوقوع تحت وطأة مستويات ديون تعجيزية، لا يقوى عليه سوى اللاعبين الذين لديهم القدرة على توليد تدفقات نقدية قوية من عملياتهم التشغيلية، والجدير بالذكر أن العديد من الشركات الكبرى تتمتع اليوم برصيد نقدي كبير، فقد بلغ إجمالي حجم الرصيد النقدي في الميزانيات العمومية لشركات الطيران المدرجة في البورصات 86 مليار دولار بحلول نهاية عام 2013، بزيادة نسبتها 8% مقارنة بعام 2012.
وبحسب الدراسة فإن حصة قطاع الطيران المدني من إجمالي صفقات الاندماج والاستحواذ في قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي، مقاسة بعدد الصفقات، قد ارتفعت بشكل مطرد من 32% خلال فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية وتحديداً في العام 2010، إلى 68% خلال عام 2013، بينما استأثر قطاعي الدفاع والفضاء على نسبة الـ 32% المتبقية.
وحتى اليوم، يعتبر المحرك الرئيسي لأنشطة الاندماج والاستحواذ في قطاع صناعة الطيران والدفاع العالمي، الاعتبارات قصيرة المدى للتعامل مع سلاسل التوريد المعقدة وزيادة الإنتاجية، أما على المدى المتوسط فهي مدفوعة بالرغبة في دخول الأسواق الناشئة التي تتميز بالتنافسية العالية؛ وبالنظر إلى المستقبل، فإن التطورات الاستراتيجية طويلة الأمد ستكون أكثر أهمية، حيث ستكون أبرز محركات صفقات الاندماج والاستحواذ، الرغبة بتعزيز الحضور في السوق بالإضافة إلى سلاسل القيمة والبحث عن مصادر جديدة لزيادة الأرباح، إلى جانب التقنيات المبتكرة التي يمكنها المساهمة في إحداث التغيير.
وحتى الآن خلال عام 2014، كانت هناك زيادة في أنشطة الاندماج والاستحواذ في قطاع الطيران والدفاع العالمي، حيث تم الإعلان عن العديد من الصفقات الكبرى المحتملة، مثل الاندماج بين شركتي "ايه تي كيه" (ATK) و"أوربيتال" (Orbital)، بالإضافة إلى الخيارات الاستراتيجية التي تدرسها شركة (بي إي آيروسبيس) (BE Aerospace) حالياً.